إذا ذكرت أمامك مصطلح حقوق الإنسان تلقائياً يتبادر إلى ذهنك عدة حقوق، ربما منها الحقوق السياسية أو الحقوق المدنية وغيرهما من الحقوق المتعارف عليها، لكن مع انتشار الإنترنت وكثرة المواقع ومحركات البحث بدأت حقوق جديدة تطفو على السطح، منها الحق في الوصول إلى الإنترنت، والحق في الحصول على المعلومة، ومنها أيضاً الحق الذي سنتحدث عنه اليوم وهو الحق في النسيان أو الحق في المحو The Right to be forgotten، هل سمعت عن هذا المصطلح من قبل؟ دعنا نتناوله بالتفصيل إذاً.
الأكيد أننا جميعاً قد ارتكبنا أخطاء في الماضي، أو كانت لنا آراء سياسية -مغلوطة أو صحيحة- لكننا غيرنا هذه الآراء في مرحلة ما من حياتنا، كتبنا مقالات أو كانت لنا فيديوهات على يوتيوب أو منشورات على فيسبوك أو تغريدات على منصة تويتر، تناولت الصحف والمواقع هذه الآراء والأفكار وأصبحت في متناول الجميع، السؤال هنا: هل يحق لنا أن نمحو هذه المعلومات والمقالات والآراء طالما أنها لا تعبر عنا الآن؟ طالما أنها جزء من الماضي، هل يحق لنا أن نطالب جوجل أن يحذف أخبارنا من صفحات محرك البحث، أو نحذف مقالات قمنا بكتابتها في الماضي -مثلاً- على موقع عربي بوست؟
الإجابة على هذا السؤال تتطلب أن أسرد لك حالتين مختلفتين لشخص ما ربما يطلب هذا الحق، الحق في المحو، رجل سياسي تم اتهامه بجريمة التحرش، وثبتت الجريمة عليه منذ فترة، تناولت الصحف والمواقع هذه الأخبار عنه لدرجة أنك إذا بحثت عن اسمه -مجرد الاسم- في محرك البحث جوجل فلن تجد سوى النتائج التي تتحدث عن قصة تحرشه، يريد هذا السياسي -بعد سنوات قليلة- أن يترشح للبرلمان ويبحث عن طرق لتحسين صورته من أجل الناخبين، السؤال هنا: هل يحق له طلب جوجل أن يحذف النتائج التي تتناول أخباره بطريقة سلبية؟ هل له الحق في المحو؟ في نسيان تاريخه؟ أم على الناخبين أن يعرفوا حقيقة الرجل الذي سيصوِّتون له؟ هذه معضلة؟ دعني أسرد لك القصة الثانية.
رجل أعمال له منافسون استطاعوا أن يدفعوا للمواقع والصحف حتى يقوموا بالتشهير به، كلما بحث عن اسمه لا يجد سوى الأخبار المغلوطة التي تسيء له، وهي أخبار كاذبة تماماً، أليس له الحق في أن يطالب المواقع ومحركات البحث في حذف هذه النتائج والأخبار والموضوعات المسيئة والموجهة؟ هناك صور وأشكال كثيرة وحالات مختلفة ربما تقف فيها مع حق الشخص في المحو وربما يستقر في يقينك أنه لا يجب تمكين الشخص من هذا الحق، لكن ماذا عن القانون، هل القانون المصري مثلاً يؤيد فكرة الحق في النسيان أو الحق في المحو؟
نحن هنا سنتناول قانون حماية البيانات الشخصية المصري رقم 151 لسنة 2020 والخاص بتعريف البيانات الشخصية والتفريق بينها وبين البيانات الشخصية الحساسة -هذه البيانات التي يرغب الشخص في محوها أو نسيانها- وكذلك يشير إلى الطرف الذي يمتلك هذه البيانات باسم المعالج، مثلاً إذا قمت بإنشاء حساب على موقع Tender على سبيل المثال، ربطت هذا الحساب برقم الهاتف، البريد الإلكتروني، صورتي الشخصية – كل هذه عبارة عن بيانات شخصية – السؤال هنا: إذا قمت بحذف حسابي على Tender هل يحق له الاحتفاظ بهذه البيانات أو استخدامها بأي شكل من الأشكال؟ القانون يؤكد أنه لا يجوز ذلك.
البيانات الشخصية الحساسة هي التي تتعلق بالحالة الصحية للشخص أو النفسية أو الأمنية أو معتقداته الدينية أو آراءه السياسية، كل هذه البيانات يحق لك -وفقاً للقانون المصري- أن تطالب -المعالج- الشخص الذي يمتلك هذه البيانات عنك بأن يقوم بحذفها ويلتزم بذلك، فلا يجوز جمع البيانات الشخصية أو معالجتها أو الإفصاح أو الإفشاء عنها بأية وسيلة من الوسائل إلا بموافقة صريحة من الشخص المعني بالبيانات أو في الأحوال المصرح بها قانوناً، وفقاً للمادة 2 من القانون، أما إذا حدث انتهاك أو اختراق لبياناته فيجب على الجهة التي تعالج هذه البيانات أن تخطره بذلك، وإذا طالب بتعديل أو تصحيح أو حذف هذه البيانات فهي ملتزمه بذلك وفقاً للقانون.
القوانين والمعاهدات الدولية أيضاً تؤيد وتؤكد هذا الحق، فمثلاً ستجد اللائحة الأوروبية لحماية البيانات الشخصية GDPR تدعم الحق في النسيان بشكل أكثر صرامة وقوة، لكن ليس الجانب القانوني وحده هو صاحب القول الفصل في تنفيذ هذا الحق، فالجانب التقني أيضاً يلعب دوراً هاماً لأننا ببساطة نتحدث عن مواقع ومحركات بحث وخوارزميات، لأن الذي سيقوم بتنفيذ هذا الحق وجعله على أرض الواقع هو البرمجيات، نحن نتحدث عن مليارات المستخدمين وكل واحد منهم على جوجل له بياناته الخاصة، الأمر أكثر تعقيداً مما تتخيل.
في حقيقة الأمر تنفيذ الحق في النسيان على أرض الواقع يتطلب موارد كثيرة وإمكانيات كبيرة ليست كل المواقع والشركات قادرة على تحقيقه -جوجل وفيسبوك وتويتر والمواقع الشهيرة تستطيع القيام بذلك فلا تقلق- كما هناك معضلة أيضاً في فكرة الـScreenshots مثلاً، فلو قمت أنا بنشر بياناتي الشخصية على موقع ما مثلاً والتقط أحد الأشخاص هذه البيانات كصورة على جهازه، وطالبت بعد ذلك هذا الموقع بحذف بياناتي وحذفها بالفعل، هذا لا يمنع أن يقوم الشخص الذي التقط صورة لبياناتي أن يعيد نشرها مرة أخرى.
نصيحتي الوحيدة هي ألا تسارع في مشاركة بياناتك الشخصية على الإنترنت، لأنه طالما أنك تستخدم الإنترنت ويمتلك جهازك IP Address فهذا يتنافى تماماً مع فكرة الخصوصية، في النهاية دعنا نجرب شيئاً عملياً بأنفسنا، ونرى إذا كان محرك البحث جوجل سيستجيب معنا في فكرة الحق في النسيان والمحو أم لا، يتيح جوجل رابطاً للجميع إذا كانوا يريدون حذف أي من نتائجها إذا كانت تتناول أخباراً مغلوطة عنهم، دعنا نجرب هذه الخاصية، ابحث عن اسمك في جوجل، إذا وجدت نتيجة تريد حذفها، ادخل هذه الصفحة – حذف نتائج جوجل – وابدأ بطلب الحذف، لا تنسى أن تشاركنا تجربتك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.