في عُرفهم أنت مسكينة، ناقصة الحظ، خسرت الكثير عندما اجتزتِ عقوداً ثلاثة من عمرك دون أن تقفزي لقطار الزواج، فمضى مسرعاً وخلَّفك وراءه، فأنت قد خسرت الأسرة، والزوج، والأبناء، والأحفاد من بعدهم، والاستقرار الأسري، وشبكة العلاقات الاجتماعية التي ستحيط بك لو أنك تزوجت، وكأنهم يضمنون لك السعادة مع الزوج، ويضمنون لك الاستقرار داخل الأسرة، أو يضمنون لك إنجاب الأبناء، وإن أنجبت وكأنهم يضمنون لك أطفالاً طبيعيين أصحاء ذوي أخلاق نبيلة تسعدين بهم وتحمدين لتربيتك لهم.
يشغل الناس أنفسهم بك كثيراً وبقضية زواجك، ويسمعونك من الكلام ما يجرحك، ويوجهون لك من النظرات ما يؤلم قلبك، وكأنه لا همَّ لهم سواك، فهم الحريصون على مصلحتك التي لا تدركينها، وسعادتك المفقودة التي ستعثرين عليها فقط في فردوس الزوجية، وينسون أو ربما يتناسون عن قصد أن كثيرات غيرك قد تزوجن باختيارهن، أو فوق إرادتهن، فارتبطن بأزواج أحالوا حياتهن جحيماً لا يطاق، فغدت كل الخيارات الأخرى التي نراها سوداء ومقيتة أهون من حالهن، ولا يتذكر هؤلاء أن هناك من المتزوجات من يهينهن أزواجهن بألفاظهم وسلوكياتهم، ولا يحترمونهن، ومنهم من يضربها ولا يعاملها كبشر، وأن كثيرين منهم من يبخل عليها، ومن يرى فيها أمةً خلقت فقط لتلبية رغباته وحاجاته والسهر على راحته، ولا حق لها في الدنيا سوى ما يتكرم به هو ويقتنع عقله به.
كما لا يتذكر هؤلاء أن بعض النساء اللواتي تزوجن، وكانت السعادة تترصدهن في بيوت أزواجهن، وأنجبن، أن أبناءهن كانوا ابتلاءً لهن.. فإما أن يكون الأبناء مصابين بمرض مزمن أو عاهة عقلية أو إعاقة جسدية دائمة تجعل حياتهن رهناً لذلك الابن غير الطبيعي، أو أن أبناءهن ينحرفون ويشذون ويخرجون على الأخلاق والدين والقوانين عندما يشبون، فتعيش الواحدة منهن التعاسة بعينها.. فتراها تجد في ذلك الابن شراً، عليها أن تواجهه وتتعايش معه، كان ذلك برضاها أو غصباً عنها، ومن هؤلاء الأبناء من يعق أمه ويمتهن كرامتها ويتخلى عنها عندما تغدو في أمَسّ الحاجة لمن يرحم ضعفها، ومنهم من يطردها للشارع أو لبيت المسنين في أحسن الأحوال، وهناك من يقتلها أيضاً.
ولا ننسَ أيضاً أن هناك مَن تتزوج ولا تنجب إلا البنات، فتنقلب حياتها أيضاً لظلمة لا تضاهيها ظلمة.. فتستمر في التنقل من حلقة إلى حلقة من حلقات الحمل والولادة والإرضاع عسى المولود القادم يكون ذكراً لترضي بذلك زوجها والمجتمع من حولها.. فتجد نفسها وقد شاخت قبل أوانها، فتهجرها صحتها، ويتزوج زوجها من أخرى تنافسها في كل شيء.. ولماذا؟ لأنها المسكينة التي تزوجت ولم تنجب الذكور!!
ونعود لنتذكر قولهم: مسكينة، فهي لم تتزوج.. فلا شيء يعوضها عن الزواج!
يحقرون العلوم والشهادات التي حصلت عليها، ويحقرون عملها إذا كانت عاملة، ويستهينون بحالة الاستقرار التي وصلت إليها؛ ليختزلوا سعادتها وراحة بالها فقط في الزواج؛ لهذا أذكر هؤلاء وأذكرك فتاتي أن الزواج مسؤولية كبيرة، بل كبيرة جداً، تضطرين للتخلي والتنازل عن أشياء كثيرة مقابلها، ليس أولها راحتك وصحتك، كما أن ليس آخرها أحلامك وطموحاتك.. ولا أقول لك ذلك لأنفرك من الزواج، بل على العكس، فهو نعمة من الله، منَّ الله علينا بها، ولكن ليس دائماً يكون الأمر كذلك، بل أحياناً يكون نقمة على صاحبته؛ لهذا لا تشغلي نفسك بكلام الناس، واقبلي بقدر الله على كل الأحوال، فإن كتب لك الزواج، فقد يكون ذلك خيراً ونعمة أرادها الله لك، وقد يكون ابتلاءً واختباراً من الله لك، ليراك أتصبرين وتحتسبين الأجر عنده عز وجل؟.. وإن منع عنك الزواج، فاعلمي أن الله يمنع عنك شراً لا ترينه ولكنه يعلمه هو.. فاقبلي بما كتب لك.
وأذكّرك.. إن كان الله قد كتب لك الزواج في الصحف التي جفَّ حبرها منذ وقت طويل، فهناك فتى مقدر لك في مكان ما في هذا العالم، ينتظرك عندما يحين وقت اللقاء والارتباط الذي حددته الأقدار.. فلا تتعبي نفسك بالبحث والانتظار ولا حتى التفكير.. فالأقدار التي كتبته لك، ستأتي به طارقاً بابك، طالباً قربك.. فسلمِّي أمرك لخالقك، فهو أعلم بأحوال عباده، ولا تعبئي بكلام الناس، فرضاهم غاية لا تُدرك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.