هل هناك صعوبات تواجه اللغة العربية تلك الأيام؟.. هل نضع حقاً اللغة العربية في المكانة التي تروق لها بين باقي اللغات؟.. أم أصبح بعضنا يعتبرها لغة متدنية للحديث بها؟
اللغة العربية لغة عاطفية موسيقية ساحرة ليست فقط لغة الضاد، بل تحتوي على تجانس مختلف غريب في لحنها، تغوص من خلالها لعوالم مختلفة، تشعر بتناسق بين حروفها وكلماتها، فكما يقول الأديب الكبير عباس محمود العقاد- رحمه الله- في كتابه "اللغة الشاعرة".. إن اللغة العربية لا تلقَّب باللغة الشاعرة لأنها لغة تنتج الشعر، بل لأنها لغة عاطفية موسيقية تنبعث منها مشاعر مستنيرة ينتشر في طياتها نوع مختلف من الأحاسيس تلامس القلب مباشرة بسهولة مطلقة.
عندما نتمعَّن في اللغة العربية نجدها لغة جميلة ليست جامدة مثل كثير من اللغات الأخرى، لكن لماذا بعض الناس يعتبرون اللغة العربية لغة متدنية عن باقي اللغات، وعلى الرغم أن لغتهم الأصلية هي العربية.. فهم يتكلمون لغات أخرى يعتبرونها أرقى، فلماذا ذلك؟
من أسباب البعد عن اللغة العربية
أولًا- ضعف من يتكلمون باللغة العربية
لست أقصد هنا الضعف اللغوي، إنما هو الضعف السياسي والاقتصادي بين أقطار العالم، فينشر ذلك في عقول الجاهلة أن الخطأ في اللغة المتكلم بها أو المستخدمة اليومية.
ثانياً- التغريب
الاتجاه للتحدث بلغات أخرى غير الأصلية؛ لأن عدوى التغريب، والشعور أن الدول المتقدمة المتحضرة سبب وضعها ذاك هو اللغة التي يتكلمون هم بها!، فيظن حينها أنه يجب أن نقتدي بها في كل شيء، ملبس ولغة وطريقة تعامل وعاداتهم وتقليدهم، فيصبح الشخص واهماً أنه بذلك أصبح أكثر تحضراً بعد ترك لغته الأم!
ثالثاً- المجتمع المحيط
التأثير المجتمعي من أصدقاء أو الأهل غير المتمسكين بالعربية كلغة، واهتمامهم بلغات أخرى، ليس العيب أن يهتم الشخص بلغات أخرى، لكن المخزي أن تهمل لغتك الأصلية فتضعفها، فتؤدي لضعف لسانك عند التكلم بها أو فهمها، فتنتج أجيالاً لا تفقه ما في خفايا لغتهم.. من معانٍ أو مشاعر.
رابعاً- ضعف مناهج اللغة العربية
في كثير من أقطار الدول العربية هناك ضعف شديد في مواد اللغة العربية من حيث المحتوى الخاص بها، لا تعطي المعلومات الكافية بالنسبة للنحو أو البلاغة أو الأقسام الأخرى للغة، فيخرج الشخص لا متعلماً للغة ولا متقناً لها، والأرجح أنه يخرج كارهاً لها لعدم فهمه لها!
خامساً- عدم معرفة أهمية اللغة العربية
فالإنسان العربي عندما ينظر للغته بتدنٍّ شديد، فهو بذلك يؤدي لانهيار الأمة، فمن أول أسباب ارتقاء الأمم الاهتمام بلغتها، فإن لم تهتم أي أمة بلغتها فلا تستحق أن تسأل عن أي رقي أو هناء على كوكب الأرض.
في النقاط السابقة ذكرنا بعض الأسباب المهمة للبعد عن اللغة العربية، هل هذه الأسباب تؤدي لمصيبة كُبرى ممكن أن تحدث؟
النتائج المحققة من إهمال اللغة العربية
أولاً- اختراع لغة جديدة
ظهور أجيال لا تهتم بالجودة اللغوية، من حيث إنتاج كتب بلغة عربية بالعامية، فتؤدي تلك العملية للتخفيف من ضعف تلك الأجيال في التحدث باللغة العربية، وبالتالي الثقافة لدى تلك الأجيال ستصل للقعر.
ثانياً- ضعف التواصل
التواصل بين الأجيال القديمة والأجيال الحديثة سيختفي، لأن اللغة هي أساس التواصل بين القديم والحديث، فإن ضعفت سينتهي كل شيء، ستحدث فجوة كبيرة، سنرى ما لا يسر الأعين، الكتب ذات القيمة اللغوية العالية التي أنتجت في الأجيال القديمة سيتم إهمالها، وستندثر رويداً رويداً، فالخطر يطرق أبواب الأجيال الحديثة!
ثالثاً- القدوة ستتغير
عندما تضعف اللغة لن يجد المتلقي لغة تجعله يجهش بالبكاء أو يبتسم بشدة، ستضعف المشاعر التي يتلقاها منها، حتى المواعظ والحكم ستبوء بالفشل الشنيع، فلن تكون هناك قدوة في هذه اللغة وسينتقل إلى عالم آخر للغة أخرى يجد فيها مبتغاه وقدوته.
إن الوضع محبط لدرجة كبيرة، من الممكن أن يتحسن ببعض الحلول قبل أن يصل لمرحلة لا رجعة فيها، هل هناك حلول نستطيع أن نستخدمها على أرض الواقع لنحمي أمتنا حقاً؟!
بعض الحلول المحتملة
أولاً- وضوح الرؤية
أن نقوم بنشر أهمية اللغة العربية بين الأجيال الجديدة، ونبين لهم أن الأمم التي تريد أن ترتقي يجب أن تهتم بلغتها أولاً، وتبتعد عن أي آثار جانبية تضر كينونتها، فتوضيح الرؤية للفرد يطور الكثير منه؛ لأنه ربما لا يعلم ويريد أن يخبره أحد فتتغير طريقة تفكيره حينها، وذلك من خلال أن نقوم له بعملية توعية لأهمية اللغة الأم التي يتكلم بها، فدولة اليابان بعدما انهارت وتدمرت في الحرب العالمية الثانية بسبب القنبلة الذرية التي ألقيت عليها من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية، لكي تستعيد قوتها ومكانتها مرة أخرى، قامت بأول شيء وهو الاهتمام باللغة اليابانية!؛ لأنها علمت أن أي أمة بدون لغة قوية تنهار، فاللغة هي عصب البناء لأي مجد.
ثانياً- تحسن مواد اللغة العربية
وضع مناهج للغة العربية ذات قيمة، يتعلم منها الطالب قواعد لغته، وفي نفس الوقت يستمتع بها، نخلق مزيجاً بين هذا وذاك، من خلال أن يربط تلك المناهج بالواقع الذي يعيش فيه، فيرى حينها أهمية اللغة ويشعر بأن ضعفها يسبب ما لا نحسد عليه كأمة عربية وإسلامية.
ثالثاً- القرآن الكريم والأحاديث النبوية
القرآن الكريم والأحاديث النبوية باللغة العربية الفصحى التي لا ريب فيها، فلغة العربية مهمة بالأخص للمسلمين، فالقرآن والأحاديث النبوية أساس دينهم، فالاهتمام باللغة واجب؛ لأن من أتقن لغة دينه كان من السهل عليه اتباع تعليمها والمضي قدماً لإرضاء ربه، فكما ذكرنا سابقاً أن اللغة هي عصب الأمة لترتقي.
رابعاً- اللغة العربية أساس العلم
نبين للأجيال الجديدة أن علماء المسلمين ولغتهم العربية التي كتبوا بها كتبهم الطبية والهندسية والفلسفية والاجتماعية وأخرى هي أساس نهضة أوروبا الحالية التي انبثقت من الأندلس، فبذلك نزرع في القلوب أهمية هذه اللغة.
مهما تكلمنا في هذا المقال فلن نكتفي، لكن في آخر كلامي أريد أن أقول إن اللغة العربية من فهمها وأتقنها، وشعر بأهميتها الفذة أحس بكل إبداعٍ فيها، شعر بها بجميع جوارحه، سيراها نوراً يضيء له دربه، مهما ضعفت اللغة العربية بين المتكلمين بها فلن تختفي، وهذه اللغة محفوظة إلى أبد الأبدين؛ لأنها لغة القرآن الكريم المحفوظ من الله تعالى، قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) سورة الحجر- آية: 9.
ما علينا فقط أن نهتم بهذه اللغة على قدر الإمكان، ونعطيها أهميتها القصوى، ونزرع تلك أهمية في قلوب الأجيال، فاللغة نبع الفكر والمعرفة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.