يوم الإثنين 20 ديسمبر/كانون الأول 2021، نشر المطرب اللبناني أدهم نابلسي مادةً فيلمية، يعلن فيها اعتزاله مجال الغناء، وذلك بسبب تجاهل المنتجين الفنيين له، وعدم تمكنه من توفير حياة كريمة له ولأولاده.
بالمناسبة، الفقرة أعلاه "مفبركة"، فالمطرب أردني الجنسية وليس لبنانياً، ولم يعتزل لهذا السبب، وإنما اعتزل بدوافع دينية، ووفقاً لما لدينا من معلومات، فإن المطرب ليس لديه أولاد، وللأمانة الصحفية فإن المعلومة الأخيرة غير دقيقة، فالمطرب لا ينشر كثيراً حول حياته الشخصية.
سريعاً ما انتشر الفيديو، وتناوله المُهتم وغير المهتم، بدأت الصفحات الشخصية والعامة في نشره أو إعادة نشره، ما بين مؤيد ومُعارض، ومُبَارِك وموبخ، إلا أن رد الفعل الأقوى والأعنف كان للمطربة اللبنانية مايا دياب، حيث نشرت تغريدة على موقع "تويتر" قائلة: "الفن مش حرام.. الحرام إنكم فيه"، في تلميح واضح لاعتزال أدهم نابلسي.
أعاد روّاد مواقع التواصل الاجتماعي نشر التغريدة، سواء بإعادة تغريدها على موقع تويتر، أو بنشر صورة منها (سكرين شوت) على موقع فيسبوك وغيره، ولكن التغريدة لم تصل إلى فيسبوك كما خرجت من تويتر، ولكنها وصلت متبوعة برد ساحق من أدهم نابلسي نفسه قائلاً: "المصيبة والحرام إنك معتبرة نفسك فنانة"، (قصف جبهة) من العيار الثقيل كما يسميه رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
انتشرت الصورة أعلاه على مواقع التواصل الاجتماعي، وتناقلتها العديد من الصفحات الكبرى، ما بين مؤيد للفنان المعتزل، وما بين ناصح له بتخفيف حدة انفعاله، وما بين منتقد لرده القاسي.
ببحثٍ بسيط -لم يستغرق أكثر من 30 ثانية- على موقع تويتر، تبيّن أن أدهم نابلسي لم يردّ على مايا دياب، بينما صاحب هذا الرد هو مستخدم آخر اسمه: Ibraheem Ramadan @_ibraheem، وببحث آخر على حساب الفنان المعتزل @AdhamNabulsi، تبيّن أن آخر ما غرّده كان قرار اعتزاله، ومن حينها لم يغرد، ولم يُعلق على أي تغريدات أخرى، على الأقل حتى وقت كتابة هذا المقال.
إذاً، نحن أمام حالة فبركة متعمدة، أحدهم بذل وقتاً ومجهوداً لكي يفبرك التغريدة، قد يكون الوقت المستهلك في تزييف التغريدة قليلاً للغاية، وقد يكون المجهود المبذول فيها يسيراً لا يُذكر، إلا أننا أمام حالة فبركة حقيقية بفعل فاعل، وهنا يجب أن نتوقف ونسأل سؤالاً -هو موضوع هذا المقال-: "لماذا يفبركون الأخبار؟"، ما العائد المادي أو المعنوي الذي سيعود على الشخص الذي قام بفبركة خبر كهذا؟
قد أتفهم قيام الدول والحكومات والمؤسسات بتزييف البيانات الرسمية، أو تزييف الأرقام المعلنة في حدث ما، لا أبرر ذلك، ولكن فقط أتفهم أن ذلك قد يكون لأسباب أمنية أو سياسية أو اقتصادية، أو بهدف تغيير واقع قائم، أو لحث الرأي العام في اتجاه معين، ولكن لماذا يقوم أحدهم باختلاق خبر متعلق بفنان يردّ على فنانة على موقع تواصل اجتماعي.
في دراسة منشورة بمجلة العلوم، بتاريخ 9 مارس/آذار 2018، أجراها فريق من علماء البيانات وخبراء وسائل التواصل الاجتماعي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وتناولت 126 ألف تغريدة منتشرة على موقع تويتر، تم تغريدها أكثر من 4.5 مليون مرة عبر 3 ملايين حساب خلال 12 عاماً، تبيّن أن الأخبار المفبركة تنتشر بشكل أسرع، وتحظى بمزيد من الاهتمام، وتصل لعدد مستخدمين أكبر من الأخبار الحقيقية، وأن الأخبار المفبركة المتعلقة بأمور سياسية لها النصيب الأكبر والأوسع من الانتشار.
الباحثون أكدوا في دراستهم أن الأخبار الحقيقية استغرقت 6 أضعاف الوقت الذي استغرقته الأخبار المفبركة لكي تصل إلى عدد 1500 من المستخدمين، وأن 1% من الأخبار المفبركة تم نشرها بمعدل 1000 إلى 100 ألف مرة، بينما انتشرت الأخبار الحقيقية بمعدل ألف مرة على أقصى تقدير.
من الدراسة السابقة نستنتج أن السبب الرئيسي لفبركة الأخبار -بعيداً عن الأخبار المحورية المفبركة لأسباب أخرى كما ذكرنا بالأعلى- هو الحصول على انتشار أسرع وأوسع.
بالعودة إلى التغريدة المفبركة التي أشرنا إليها في بداية المقال، فلو تم نسب التغريدة لصاحبها الأصلي (إبراهيم رمضان)، وهو مستخدم عادي غير مشهور وليس شخصية مؤثرة لم تكن لتحظى بكل هذا الانتشار الذي حظيت به عند نسبها إلى مطرب مشهور كان على صدارة (التريند) يوم انتشار التغريدة.
أي أن الشخص الذي فبرك التغريدة أراد مزيداً من الانتشار، وهو ما يشار له في عالم "السوشيال ميديا" بـ"ركوب التريند"، وأعتقد أن صاحب التغريدة قد نال مبتغاه، حيث تم نشر تغريدته المفبركة بشكل واسع لم يكن ليحصل عليه بدون لمسته التزييفية.
ومما ساعد أيضاً في قوة انتشارها هو أنها (فبركة داخل السياق)، بمعنى أنها فبركة مرتبطة بحدث ساخن حقيقي يحدث فعلياً ومنتشر على الساحة في وقت نشر التغريدة، والقارئ قد يقبل أي شيء داخل السياق، مثلما قد تكون تقبلت المعلومات الزائفة التي ذكرتها في بداية المقال، خاصة إن لم يكن لديك سابق دراية حول موضوع الفبركة.
فإن لم تكن تعرف المطرب من قبل فقد تصدق أنه لبناني، وإن لم تكن قد شاهدت فيديو اعتزاله فقد تُصدق أنه اعتزل للأسباب التي ذكرتها في الفقرة الافتتاحية، وهنا لب المشكلة، التزييف أسهل بكثير حينما يعتمد المُزيف على جهل المُتلقي، لا أعني جهله في المطلق، ولكن على الأقل جهله بالموضوع ذي الصلة.
ختاماً، إن وسائل الأخبار اليوم ليست كما كانت بالأمس، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة النشر عليها، وسيل الأخبار المتدفق يومياً، يُحتم علينا بذل المزيد من الوقت والمجهود للتحقق من الأخبار قبل إعادة نشرها، وأن نجعل الخبر المُزيف يقف عندنا ولا ينتقل لغيرنا، فإن لم تستطع إيقاف التزييف فعلى الأقل لا تكن جزءاً منه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.