1/ جريمة هي الأفظع وحرائق غابات هي الأكبر منذ الاستقلال
لم يسبق أن شهدت الجزائر، منذ الاستقلال، موجةً ضاريةً من الحرائق مثل التي شهدتها في شهر يوليو/تموز بمنطقة الأوراس، ثم في شهر يوليو/تموز وأغسطس/آب بمنطقة القبائل.
واندلعت حرائق مهولة بمنطقة غابات عين ميمون، أتت على ما يفوق 7000 هكتار من الثروة الغابية، و41 مستثمرة فلاحية، كما هددت بإتلاف غابة بني ملول، المتربعة على مساحة تربو على 80.000 هكتار من الصنوبر الحلبي، وهي أكبر غابات الجزائر، بيد أنها لم تخلف أية ضحية. وما كان يخشاه الجميع جراء تحذيرات دولية من موجات حر غير مسبوقة وقع بشكل مأساوي في منطقة تيزي وزو، التي عاشت حرائق هي الأسوأ والأعنف، فأتت حسب إحصائيات حكومية على 41.489 هكتار، بينها 30452 من البساتين، و1405.5 هكتار من الغابات، و5642 هكتاراً من الأحراش، و3989 هكتاراً من الأدغال. وقعت تلك النيران العظيمة، المنطوية على صور مروعة لعائلات متفحمة بالكامل ورؤوس مواش وأبقار محترقة، على حصيلة ثقيلة من القتلى بلغت 65 ضحية، بينهم 28 عسكرياً و37 مدنياً، ما حدا برئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى إعلان حداد وطني، مدته ثلاثة أيام.
وأثارت تلك الحرائق غير المشهودة هواجس شعبية ورسمية، لضخامتها من جهة، ووقوعها المتزامن في 14 ولاية جزائرية، فلم يبطئ وزير الداخلية، كمال بلجود، فخرج بتصريح رسمي أكد فيه وجود "أيادٍ إجرامية تقف وراء إشعال عشرات من حرائق الغابات بالبلاد في نفس الوقت"، سالكاً طريق المؤامرة.
وفي ذلك الخضم قامت حملة تضامن واسعة من كافة الولايات الجزائرية تجاه مواطنيهم المنكوبين في منطقة القبائل، صحا الجزائريون على نكبة إنسانية في قلب نكبة طبيعية، بعدما تداول روّاد الوسائط الاجتماعية فيديو مروعاً لشاب جزائري، وكان اسمه جمال بن إسماعيل، هبّ من منطقة خميس مليانة تطوعاً لجمع الأموال وإطفاء الحرائق، وهو يخضع لمحاكمة صورية وسط مدينة الأربعاء ناث إيراثن، انتهت بقتله والتنكيل بجثته وسط جمهرة من البشر، وقد كادت تلك الصور الوحشية القريبة من مشاهد القرون الوسطى أن تتسبب في فتنة عنصرية كبيرة، لولا أن والده تصرف بحكمة، فيما أعلنت السلطات عن توقيفات مست كوكبة من المتورطين، أكد بعضهم في تسجيلات مصورة بُثت في التلفزيون الرسمي على علاقتهم بالحركة الانفصالية "ماك"، ضعيفة التأثير بالمنطقة.
وما من شك، قدمت السلطات الجزائرية لقضيتي الحرائق والجريمة قراءة خاصة وفقاً لمعطياتها "الأمنية"، لكن تلك التفسيرات تتحاشى الاعتراف بالمسؤولية والإهمال، وغياب استراتيجيات توقُّع الكوارث، ذلك أن تقارير هيئات مناخية دولية فرنسية وأمريكية كانت حذّرت خلال تلك الفترة من موجة حر خانقة، لم تضرب الجزائر فحسب، بل دولاً عدة مثل إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وتركيا واليونان وتونس والمغرب، تحت تأثير ظواهر التطرف المناخي والاحتباس الحراري والجفاف، فبدا البحث عن مسؤولين حقيقين أو مفترضين تهرباً من مسؤوليات حماية الثروة الطبيعية، والاضطلاع بالمهام الشرعية للدولة، رغم أن نشطاء وخبراء كانوا طوال عقدين من الزمن يطالبون تحديث مديرية الحماية المدنية، التي لا تملك طائرة إطفاء واحدة في أكبر بلد إفريقي مساحة، يملك شمالاً أخضر، بمساحات واسعة وضخمة من الجبال والغابات، تقدر بزهاء 5 ملايين هكتار، وهي مساحة حين تحول للكيلومترات المربعة تفوق جغرافيا دولاً برمتها، بيد أن المفارقة هي عدم وجود أسطول جوي لمقاومة الحرائق، ولا مخططات عصرية لمقارعتها، ما فسر ارتفاع الخسائر الكبيرة، بتضافر عوامل الحرارة العالية ورمي النفايات المعدنية والزجاجية، فقد كان بحق عام 2021 عام النار وعام الفشل في مواجهتها بالطرق الحديثة المتعارف عليها، بعدما أشارت إحصائيات إلى أن خسائر حرائق خنشلة فاقت خسائر حرائق سنة عبر ربوع البلاد، فيما قضى أتون الصيف الماضي باحتساب ولاية تيزي وزو، على تركة غابية تضاهي ما تمت خسارته في ثلاثين سنة.
2/ السلطات تربح حرب كورونا وتخسر معركة الأوكسيجين الطبي
نجحت السلطات الجزائرية في تدبير ملف كورونا مقارنة بعدد من دول الجوار، بعدما اعتمدت خطة صارمة، بأن تفادت فتح الحدود الجوية والبرية والبحرية بصفة مطلقة، ولا يزال بعضها مغلقاً إلى اليوم، مفضلة النأي بالنفس، وعدم الوقوع في خطأ دول مجاورة وأوروبية، كانت تسرّعت بالفتح قبل سنتين لدواعي تنشيط الحركة السياحية، فدفعت ثمناً باهظاً العام 2021.
تُسجل الجزائر، رغم انتقادات وُجهت لها باستغلال الغلق لتشديد الخناق على المعارضة والحراك أرقاماً ضئيلة في عدد الإصابات، هي الأقل في محيطها، وظلّت متحكّمة في الأرقام والمعطيات، حتى يوليو/تموز الفارط، عندما بدأت الموجة الثالثة لكورونا، فحدثت أزمة خانقة في توفير مادة الأوكسجين الطبي، نظراً للارتفاع الفجائي للأشخاص المسنين المحتاجين لهذه المادة التي تصنع في البلاد دونما عناء، غير أن الارتفاع غير المتوقع لضحايا الموجة الثالثة، والذي بلغ حدود 1600 إصابة يومياً، مقارنة بالموجة الثانية التي لم يتجاوز فيها عدد الإصابات على مدار العامين سقف المئات.
خلّفت الظاهرة التي اصطُلح على تسميتها بأزمة "الهواء"، صور الخوف والهلع ومقاومة فقد الأحباب، فتهافت الناس على تدبير الأسطوانات المعدة للشحن لإنقاذ عوائلهم، وانتظار شاحنات نقل المادة في طوابير، لم تخلُ أحياناً من نمط الأنانية وغريزة البقاء الفطرية، لما حدثت أحداث متفرقة عن اعتراض أهالي المصابين سبيل شاحنات، ومطاردتها عبر الطرقات، فلم تشذّ في ذلك عن صورة عالمية خرافية خلال بداية الوباء العالمي المباغت، عندما استولت دول على مخصصات دول أخرى من شحنات الأقنعة، مثلما وقع لشحنة تونسية استولت عليها سفن إيطالية، ولشحنة إيطالية حازتها سفن فرنسية، مذكرة بمشاهد القرصنة المهربة من التاريخ السحيق. وتبعاً لذلك قررت السلطات مَركزة عمليات توزيع الأوكسجين والمواكبة الأمنية لها، وفيما عانت أجهزة الدولة والمواطنون من الاختلال الراجع لارتفاع الطلب وعدم كفاية العرض، إذ صارت الشاحنة الواحدة والتي تفي حاجة مشفى ليومين عاجزة عن الإيفاء بطلبها مدة 12 ساعة فقط، وهو اختلال مشترك بين أجهزة الدولة التي لم تستبق الأحداث بمضاعفة الإنتاج، وقد كانت تبعث جزءاً منه إلى تونس بعد تردي الوضع هناك، وسوء تصرف من ذوي المرضى الذين تسببوا في أزمة، جراء الإكثار من تعمير الأسطوانات الزائدة عن الحاجة، حارمين بذلك مرضى آخرين منها.
وبما أنه لا ينقذ الشعب سوى الشعب كما تقول الحكمة القديمة، فقد برزت الجمعيات الأهلية ورجال الأعمال الخواص في تلك المحنة، فتم تجاوزها بفضيلة واحدة هي "قيمة التضامن"، عندما قام مقاولون ومواطنون بأنفسهم بجمع تبرعات وأموال بطريقة عفوية، فأنشأوا عدة وحدات لإنتاج الأوكسجين، فاتضح أن المشكلة العويصة سهلة التدبير، ما بين إرادة شعبية حرة وإدارة دولة لم تتحرر بعد من أصفاد وسلاسل "البيروقراطية الثقيلة".
3/ نهاية الحراك وعودة الأحزاب القديمة وعلاقات متفجرة مع المغرب وفرنسا
لم يحمل الموسم السياسي جديداً في الداخل، بعد إجراء انتخابات برلمانية ومحلية تحت سلطة جمهورية للرئيس عبد المجيد تبون، إذا ما قورنت بأحلام أنبتها الحراك المبارك إنباتا، في قلب صحراء سياسية سيطر عليها بوتفليقة وزمرته لسنوات فأفرغوها من محتواها، أولاً بتولية شخصيات ضعيفة غير قابلة على التجديد، وتكسير الأحزاب المناوئة. لم تحمل المؤسسات الجديدة صورة مغايرة بل كرست واقعاً سياسياً قديماً ومكرساً يكاد يطابق زمن ما قبل الحراك المليء بأحلام التغيير، فتشكيلات مثل جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل وحركة البناء وحمس، هي تشكيلات استمرت في المؤسسات بعد اختفاء الحراك كقوة في الشارع، وليس الخطأ خطأ النظام السياسي المناور على صعيد الوقت والبدائل، بل بسبب خطيئة الحراك العظمى، لما اختار عدم التنظيم والتمثيل سبيلاً، قبل أن يدخل في مناوشات أيديولوجية صبيانية ما بين "الباديسيين النوفمبريين" و "العلمانيين" أو "الرشاديين" و"الديمقراطيين"، وهي الصراعات الجنينية التي حملها بطن الحراك بذور فنائه خلال العام 2021.
والحياة السياسية الراكدة في استمرار "الستاتيكو" أو الوضع القائم شهدت تطورات متفجرة، على صعيد العلاقات الدبلوماسية، بين الجزائر وعدد من دول الجوار، إذ أعلنت الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في تطورات متسارعة على هامش ملف الصحراء الغربية، حسب التعريف الأممي للمسألة العالقة منذ سبعينيات القرن الماضي، ثم تفاقم الحروب الإعلامية والسياسية بين الأخوين اللدودين، ما بات يعيد إلى الأذهان حرب الحدود والرمال في العام الثالث بعد الستين، بخاصة بعد الإعلان الرسمي للمغرب بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ما أضفى على النزاع طابعاً دولياً وإقليمياً يختلف عن المسار التقليدي للأزمة المتصاعدة منذ العام 1975، فانتقل من الشرق الأوسط إلى المغرب الكبير.
سئل بوتفليقة العام 2000 عن مسار العلاقات مع المغرب، فقال بدبلوماسية
"هي من حسن إلى محمد"، ويقصد من الحسن الثاني إلى محمد الخامس، غير أن تلك الصورة النمطية عن استمرار العلاقات بجوار الأزمة انتهت عملياً، بقطع أنبوب الغاز، وغلق المجال الجوي، وهذا يعني أن المؤشرات هي في الأحمر الأسوأ منذ عقود طويلة.
على صعيد آخر، شهدت العلاقات الجزائرية الفرنسية جفاء هو الأسوأ منذ عقود، أيضاً على خلفية تقليص التأشيرات، ثم تصريحات ماكرون المسيئة، واستدعاء السفير الفرنسي، ثم سحب السفير الجزائري من باريس، لكن تلك العلاقات هي الآن في "الثلاجة"، بسبب مخلفات ورواسب متعلقة بملفات الذاكرة وفرض الاحترام وعدم تقبل الإساءة. وتبدو السلطات الجزائرية في مرحلة جديدة قديمة، هي استعادة "العقيدة البومدينية"، ذات الخطاب السيادي الصارم والنزعة الصدامية مع الآخرين، بيد أن محللين باتوا يطالبون بنوع من البراغماتية والمرونة في تسيير العلاقات الدولية، فكثرة صناعة الأعداء في ظرف متزامن ذات محاذير، ومحاذير جمة، في ظل علاقات دولية لا تعتمد على "المزاج"، بل ترتكز على المصالح والمنافع والأسواق.
4/ جنائز بالجملة من بوتفليقة إلى رابح درياسة، ومواكب عرس التتويج بكأس العرب
كان عاماً للغيابات الكبرى بامتياز، فقد توفي الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وكان يمكن أن تكون جنازته واحدة من كبار الجنازات في البلاد، بعد حياة دبلوماسية وسياسية حافلة، بدأها وهو وزير خارجية محنك في سن الخامسة والعشرين، ثم لاعب مهم في السياسة الخارجية تجرأ على طرد ممثلي إسرائيل وممثل جنوب إفريقيا العنصري، في محفل الأمم المتحدة في سبعينيات القرن الماضي، ثم عبر الصحراء بسويسرا والخليج وعاد رئيساً أنجز حسنة "المصالحة الوطنية" التي أطفأت نار الفتنة في البلاد، واجتهد في بناء نظام رئاسي غير عسكري، ونجح في ذلك إلى حد بعيد، غير أن نهايته خالفت كل توقع، بعد مرضه وتحوله إلى واجهة شبحية لما اصطُلح على تسميته "زمن العصابة"، فشُيّع في جنازة رمزية غير شعبية، ولم يُصلَّ عليه في مسجد الجزائر الأعظم الذي عكف لسنوات على إنجازه.
ثم وفي ظرف قصير لحق به عبد القادر بن صالح، الذي خلفه دستورياً كرئيس للدولة، بعد استقالته من الرئاسة بعد حراك 2019.
وغادرت الساحة كوكبة من ألمع الصحفيين، على غرار المثقف سليمان بخليلي، صاحب برامج شهيرة وفذة ذات بعد تثقيفي وتربوي، على غرار "خاتم سليمان"، و"زدني"، وكانت ذات متابعات كبيرة وقياسية، كما رحل المذيع التلفزيوني الشهير كريم بوسالم جراء وباء كورونا، وما كاد الحداد يُرفع حتى سقط نبأ رحيل الممثل الكوميدي "بلاحة بن زيان"، أحد أبطال مسلسلات رمضانية ناجحة، مثل جمعي فاميلي وعاشور العاشر، وفي العام ذاته رحل الأيقونة الفنية الكبيرة رابح درياسة، الوجه الأكثر تمثيلاً لصورة الجزائر الغنائية على مدار عقود طويلة، حيث اشتهر بأغنية "نجمة قطبية"، التي طافت في عدة دول عربية، بل ويعد واحداً من ناشري الأغنية الجزائرية قبل قدوم نجوم الراي، ومانحاً لها طابعاً مغاربياً، مثل أغنية الممرضة، التي صارت شبه أغنية وطنية في الشقيقة ليبيا، ثم أغنية "إي هو مبروك علينا. هاذي البداية مازال مازال"، التي غناها للفريق الوطني الجزائري خلال مونديال المكسيك 1986، ثم صارت مع مرور الزمن نشيداً مغاربياً، لا يزال الجزائريون والتونسيون والمغاربة والليبيون يصدحون به لمنتخباتهم الوطنية.
5/ بطولة كأس العرب
لم ينقضِ عام 2021 حتى منح شهر ديسمبر/كانون الأول للجزائريين هرمون سعادة يُنسيهم همومهم اليومية، بعد ملحمة كروية انتهت بفوزهم بأول لقب كأس عربي تحت مظلة الفيفا بقطر، ثم الحفاظ على سلسلة اللاهزيمة في مشوار المنتخب الوطني الأول، برقم قياسي عالمي هو 33 مباراة، كواحد بين أفضل السلاسل في العالم، التي ضمّت فِرقاً عتيدة على غرار البرازيل وفرنسا والأرجنتين وإيطاليا، في انتظار رحلة الدفاع عن اللقب الإفريقي في الكاميرون، مطلع شهر يناير/كانو الثاني القادم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.