لا أملك صبراً لمشاهدة المسلسلات عموماً، ما لم تكن الأحداث شيقة والتمثيل على أقل تقدير خالياً من الاستظراف والتكلف، ربما لهذا مسلسلات قليلة للغاية التي جذبتني منذ الحلقات الأولى كي أتابعها لأستكمل حلقاتها مهما طالت دون كلل أو ملل، باختصار يمكنني أن أعتبرها أفضل مسلسلات مصرية شاهدتها في 2021.
لعبة نيوتن
تعودت ألا أشاهد مسلسلات تقريباً في رمضان بالذات، لكن مسلسلاً، أو اثنين، من عام لآخر، ينجح في استدراجي عبر مشهد أو لقطة أو جملة، لهذا وعقب عرض أربع حلقات لم أشاهد أياً منها صادف مروري أمام الشاشة خلال عرض مشهد أعقبه تتر النهاية، فوجدتني وقد توقفت أرغب حقاً في معرفة ما هنالك، خاصة السر وراء الاسم "لعبة نيوتن".
هكذا حاولت مشاهدة الحلقات التي فاتتني لأجدني أنتظره بفارغ الصبر، ماذا حدث لـ "هنا" يا ترى، وكيف تصرف "حازم"، وهل "مؤنس" شخص طيب أم شرير؟ إنني وعقب مرور 9 أشهر تقريباً على عرضه ما زلت أتذكر أسماء الشخصيات في العمل، وأتذكر أيضاً مشاعر الترقب والقلق، والتركيز، لأعرف ماذا سيجري بعد، حتى الحلقة الأخيرة، أتذكر أيضاً شعوري بالاستمتاع أمام عمل فني أعتبره "قطعة فنية" تزداد قيمتها بمرور الوقت.
"هنا" الشابة التي قاربت على توديع خصوبتها وترغب في إنجاب طفل، وزوجها حازم، الشاب الذي يحاول أن يبني حياة لكن تفضيلاته وأسلوبه وطريقة حياته عموماً تضعه في صدام مستمر مع من حوله، لكنه برغم كل شيء محبوب، يتحقق المراد أخيراً عبر الحقن المجهري وتحمل "هنا" طفلها أخيراً، فتسافر به إلى الخارج كي تنجبه على أرض تعتقد أنها الأفضل لكن ما يحدث لاحقاً يحبس الأنفاس حرفياً.
لم أكن من محبي منى زكي يوماً ما، لكنها في هذا المسلسل، برأيي الشخصي، كتبت شهادة ميلاد لممثلة لم أرها من قبل على الشاشة، ليتم تتويجها كأفضل ممثلة في موسم 2021، مشهد مثل ذلك الذي قدمته في المحكمة كفيل بأن يجعلك تعيد مشاهدة المسلسل بالكامل من جديد، مع كل مشاهدة جديدة ستتضح أبعاد أكبر ويزيد الاستمتاع أكثر وتترسخ الأفكار التي أراد صناع المسلسل تقديمها والتي تدور بالكامل حول فكرة "ماما"، ما يؤثر فيها فيؤثر بالتبعية على حياة أطفالها، كيف يصير وجودها وغيابها عاملاً فاصلاً في حياة أبنائها.
حين أقرأ كتاباً أضعه بعيداً كي أفسح مجالاً لكتاب جديد، وحين أشاهد عملاً أمسحه من جهازي، أو أمسحه من ذاكرتي، لكن هذا العمل إلى جانب أعمال قليلة لن أمل من مشاهدتها مرة بعد أخرى كلما صادفتني، ليس لأنه الأفضل، أو لأنه احتل قوائم الأفضل في عدد من الاستفتاءات، أعتبره الأفضل، لأنني في كل مرة أستمتع من جديد، بالموسيقى والتصوير والتأليف والإخراج العظيم لتامر محسن.
خلي بالك من زيزي
حسناً لا أحب أمينة خليل كثيراً، ربما كانت هذه نقطة ضعف المسلسل بالنسبة لي، لكنني ومع ذلك تابعته عن كثب، معادلة غريبة، لا أحب البطلة لكنني أشاهد المسلسل لماذا؟ لأن المحصلة النهائية لتوليفة "خلي بالك من زيزي" كانت من الجودة بحيث استوعبت نقطة الضعف وجعلتها نقطة قوة، بداية من تأليف ورشة سرد بقيادة مريم نعوم، وانتهاء بالإخراج المميز لكريم الشناوي.
زيزي فتاة فوضوية على كل المستويات، فجأة تنقلب حياتها رأساً على عقب وتبدأ في مواجهة حقيقتها، دون مساندة من زوجها الذي قرر الانفصال عنها أخيراً، أو والديها اللذين توقفا عن مساندتها بالطريقة العنيفة القديمة، من عند تلك النقطة تبدأ الاكتشافات، فيكتشف كل طريق في القصة نفسه بشكل مختلف، أما البطولة الحقيقية في رأيي بهذا المسلسل، فهي لكل أصحاب الأدوار الثانوية، في مقدمتهم صفاء الطوخي وسلوى محمد علي اللتان قدمتا ثنائياً من أجمل وأفضل الثنائيات التي رأيتها مؤخراً، الأمر ذاته مع صبري فواز الذي قدم دوراً مزدوجاً لطبيب نفسي يعالج نفسه في دور من أجمل أدواره على الإطلاق.
ربما كان دافعي لمشاهدة ذلك المسلسل هو تلك الحالة التي وضعني فيها طوال الوقت، عن ضرورة أن يواجه المرء نفسه، ماذا يحب وماذا يكره ومتى يجب أن يقول لا بقوة، ومتى يجب أن يعترف بنواقصه كي يصل إلى حالة الكمال التي ينشد، أتذكر ذلك الحوار بين هشام "طليق زيزي" حين سألته خطيبته الجديدة أخيراً عما إذا كان سعيداً بقرب زواجهما فأجابها بقوة "لأ". صورة 2، حظي المسلسل بنسب مشاهدة مرتفعة وتكريمات يستحقها في واقع الأمر.
ما وراء الطبيعة
منذ أعلن الروائي الدكتور أحمد خالد توفيق عن وفاة رفعت إسماعيل بطل السلسلة الأبرز "ما وراء الطبيعة" وأنا أشعر بحالة من الغربة، تلك الشخصية التي ظللت لسنوات طويلة أتلمس صدور أعداد ما وراء الطبيعة من أجل مقابلتها من جديد مرة بعد أخرى، اختفت فجأة فأصابني غيابها بالحزن، ربما لهذا شعرت بحالة من السعادة الغامرة حين سمعت عن عمليات الإعداد لمسلسل ما وراء الطبيعة والذي قامت بإنتاجه شبكة نتفلكس على أعلى مستوى.
مهما كان مستوى تنفيذ هذا المسلسل- وإن كان جيداَ في الواقع- هو يشبه مقابلة ابن صديقك الراحل، سوف تأخذه في حضنك على أي حال، هذا ما فعلته وفعله الآلاف غيري ممن شاهدوا العمل بكل حب، ليصير تريند مع الوقت، ويصير عالم دكتور أحمد جزءاً من حياة أشخاص ربما لم يسمعوا عنه من قبل، كانت مشاهدة المسلسل بالنسبة لي لقاء محبباً مع عالم أفتقده حقاً.
ليه لأ "الجزء الثاني"
"فكرة نبيلة ورقيقة" هكذا وصفت منة شلبي موضوع الجزء الثاني من مسلسل "ليه لأ"، والذي قامت ببطولته بالاشتراك مع عدة وجوه، كان أبرزُها الطفلين منى وسليم، الققصة باختصار أن ندى، طبيبة العيون الشابة، تجد نفسها فجأة مسؤولة عن إنقاذ طفلة رضيعة، تكاد تتبناها لكنها تتبنى الطفل يونس، لتبدأ معه رحلة من الصعاب والأزمات التي تواجه الأسر والأفراد الذين يرغبون في تبني أطفال.
15 حلقة فقط عبر منصة شاهد كانت قادرة على قلب مواقع التواصل الاجتماعي، بل والعديد من الأفكار الموروثة والترسيخ لفكرة ربما جديدة على البعض، حول إمكانية تبني امرأة وحيدة لطفل ذكر، هكذا تحول المسلسل إلى موضوع رأي عام، البعض مع والبعض الآخر ضد، لكن في العموم بقي أداء منة شلبي موضع إشادة من الجميع –مشاهدين ونقاداً- بالنسبة لي أنا، كان ظهورها على الشاشة عبارة عن جرعة من الصدق والمشاعر التي أفتقدها، كتلة من الإبداع ربما تعبر بطريقة يعجز بعض المشاهدين عن التعبير فيها عن أنفسهم، حالة عامة مما دعاه أرسطو بـ"التطهير" أو التنفيس الوجداني الذي مارسته منة بالنيابة عن الجمهور.
إلا أنا
قد يكون المسلسل الأنجح هذا العام دون منازع، بعيداً عن سباق مسلسلات رمضان وشبكات الإنتاج العالمية، لأنه المسلسل الوحيد الذي يمتلك فرصاً عديدة للنجاح وإن أخفق، قد لا تعجبك حدوتة لكنك بالتأكيد ستنجذب لحدوتة تالية في المسلسل نفسه، والذي تحول مع الوقت إلى تريند حقيقي بجزأيه الأول والثاني، المسلسل فكرة الكاتب يسري الفخراني، وهو قائم على فكرة الحواديت العديدة داخل القالب نفسه، 80 حلقة لـ8 حكايات مدة الحكاية الواحدة 10 حلقات فقط، هكذا ينكسر الملل وتضيع الرتابة، ممثلون مختلفون في كل مرة وعالم جديد بتفاصيل ومجموعات مختلفة تتبارى جميعا من أجل تقديم عمل أفضل وأقوى في كل مرة، ما أعجبني من حكايا هذا الموسم قصص مثل بدون ضمان وحكايتي مع الزمان، في العموم يبقى المسلسل واحداً من أقوى مسلسلات 2021 التي قد ترغب في إعادة مشاهدتها مرة أخرى عقب مرور فترة، خاصة مع ما ناقشه من قضايا تخص المرأة وتنصفها في أوقات عديدة، الميراث، العنف، التعدي على الخصوصية وغيرها من التفاصيل الدقيقة التي ربما لم يتعرض لها مسلسل بهذه الطريقة من قبل.
موضوع عائلي
وصفة سحرية لتبديد الكآبة والحزن، ربما لم أضحك من قلبي قبل وقت طويل كما ضحكت حين تابعت المسلسل المميز "موضوع عائلي"، ربما كان هذا هو الختام المسك للعام، ضحك من القلب ومسلسل من 10 حلقات تحول في ثوان إلى تريند عبر مواقع التواصل ليشعلها بكل تلك الميمز والقفشات والإفيهات التي حملها المسلسل على لسان أبطاله، الشيف الستيني الذي يكتشف فجأة أن له ابنة لا يعرف عنها شيئاً من زوجته الراحلة، تم تطعيم المسلسل بما يكفي من التفاصيل القيمة والكتابة الجيدة، ليصبح دراما حقيقية أضحكتني وأبكتني ومنحتني ما يكفي من الشحن النفسي والعاطفي كي أشعر بحالة من الرضا عقب مشاهدة المسلسل الذي لن أمل أبداً من مشاهدة مرة أخرى لأضعه بضمير مرتاح ضمن قائمتي الخاصة لأفضل مسلسلات مصرية شاهدتها في 2021.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.