“جمهورية الضباط”.. 10 حقائق مفزعة عن الحكم العسكري في السودان

عربي بوست
تم النشر: 2021/12/26 الساعة 13:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/26 الساعة 13:08 بتوقيت غرينتش

يعيش السودان تحت الحكم العسكري منذ ما يقرب من 66 عاماً، وحكم العسكر يعني باختصار هيمنة أقلية أو مجموعة صغيرة من الضباط على مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية كافة في البلاد، بشكلٍ لا يسمح بحدوث تغيير حقيقي في بنية الحكم والسلطة، أو يتيح تداولاً سلمياً للسلطة، خصوصاً مع المدنيين.

على مدار الأسابيع الماضية سجّلتُ عدة نقاط، وبحثت هنا وهناك عن موضوع كتبه العزيز الناشط والمدون (هادي ود البورت) على صفحته بالفيسبوك بعنوان: "جمهورية الضباط في السودان"، وذلك لمعرفة آثار الحكم العسكري وتداعياته في السودان على مدار العقود الستة الماضية. وفي أثناء تجميع المادة العلمية للموضوع وإعدادها رصدت عدة حقائق مفزعة عن الحكم العسكري في السودان، أبرزها ما يأتي:

ـ السودان هو الدولة الوحيدة التي تُحكم بشكل عسكري متواصل منذ انقلاب 1957 بقيادة إسماعيل كبيدة، الذي أحبطه الرئيس الراحل إسماعيل الأزهري بعد عام واحد من الاستقلال.
عام 1958 انقلب الفريق إبراهيم عبود ومجموعة من الضباط على حكومة ائتلافية بين حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي.
نفذت مجموعة من الضباط الأحرار عام 1969 بقيادة جعفر نميري انقلاباً عسكرياً بعد فترة من الأزمات والصراعات السياسية.
عام 1971 قاد الضابط هاشم العطا ومجموعة من الضباط المحسوبين على الحزب الشيوعي في الجيش انقلاباً استولوا فيه جزئياً على السلطة لمدة يومين.

 عام 1973 وقع خلاف داخل المؤسسة العسكرية، تحول إلى تمرد عسكري جديد، قامت به مجموعة من الضباط، معلنين عزمهم محاربة (الاستعمار الجديد) وإنهاء التبعية للغرب، وفي عام 1975 قاد ضابط الجيش حسن حسين محاولة جديدة، لكنها أُحبطت وأعدم منفذوها.
في عام 1976 قاد العميد محمد نور سعد محاولة انقلابية على نظام النميري، الذي استخدم العنف البالغ لسحقها.
عام 1985 الجيش السوداني يعلن انتهاء حكم النميري بعد عصيان مدني شامل واحتجاجات الغلاء.
 بعد عام أظهرت نتائج الانتخابات فوز حزب الأمة بـ100 مقعد، والذي كان الصادق المهدي يرأسه حينها، عام 1989 قاد العميد عمر البشير انقلاباً ضد الحكومة المدنية المنتخبة، وأسقطت الديمقراطية، وفي عام 1990 قاد اللواءان عبدالقادر الكدرو ومحمد عثمان انقلاب 28 رمضان، الذي فشل، وأعدم نظام البشير 28 ضابطاً، بمن فيهم قادة الانقلاب.
أما عام 1992، فقد قاد العقيد أحمد خالد انقلاباً نُسب إلى حزب البعث، لكن المحاولة أُجهضت وسجن قادتها.
 عام 2019 أطاحت الثورة السودانية والمجلس العسكري بنظام البشير، الذي حكم البلاد 30 عاماً.
عام 2021 أعلنت الحكومة السودانية إحباط محاولة انقلاب اتهمت فيها ضباطاً ومدنيين مرتبطين بنظام المخلوع عمر البشير، لكن سرعان ما سيطرت الحكومة على الأمور.
في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، قاد رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان انقلاباً عسكرياً على حكومة الثورة، ومستمر حتى الآن. باستثناء التجربة الوحيدة التي تولى فيه الرئيس الراحل الزعيم الصادق المهدي السلطة لم يشهد السودان أي حكم ديمقراطي في تاريخه، والسودان أيضاً من بين ست دول أخرى فقط في العالم التي يحكمها العسكر حالياً، هي مصر ومالي وتشاد وغينيا وميانمار.

 وقد تكون هذه الحقيقة بديهية ومعروفة، وهذا بحد ذاته كارثة أيضاً بسبب الصمت عليها، ولكن التذكير بها مهم وضروري لفهم طبيعة بنية النظام الذي يحكم البلاد على مدار أكثر من ستين عاماً.

ـ السودان هو الدولة الوحيدة التي ينص دستورها على أن الجيش هو حامي المدنية والديمقراطية، حسب المواد 144(1/2/3) من الدستور السوداني، التي تنص على أن "القوات المسلحة ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد، والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، وصون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد". وهو وضع يكرّس الوصاية العسكرية على الحياة المدنية في السودان من خلال الدستور، وهو أمر غير موجود في أي دستور آخر، بما في ذلك الأنظمة السلطوية.

ـ السودان الدولة الوحيدة التي ينصّ دستورها على أن وزير الدفاع يجب أن يكون شخصية عسكرية، أيضاً حسب مادة من الدستور السوداني تنص على أن "وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، ويُعين من بين ضباطها". الأصل في الوزراء أن يكونوا مدنيين، بمن فيهم وزيرا الدفاع والداخلية، إلا إذا كانت هناك استثناءات في ظروف معينة ولفترات محدودة، وبضوابط قانونية ودستورية، أما في السودان فإن القاعدة هي العسكرة وليس العكس.

ـ السودان من الدول القليلة جداً التي لا يكون فيها تعيين وزير الدفاع إلا بموافقة القائد الأعلى للقوات المسلحة، حسب نص مادة من الدستور السوداني تنص على ألا يكون تعيين وزير الدفاع إلا بعد موافقة هذا القائد. ولنتخيل السيناريو مثلاً بعد وصول شخص مدني إلى السلطة في السودان، فلن يكون بمقدوره ولا من سلطاته اختيار وزير الدفاع إلا بعد موافقة العسكر عليه، وهو وضعٌ شاذّ وغير موجود في أي بلد باستثناء السودان.

– السودان من الدول القليلة جداً التي تسمح بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية حسب نص المادة التي تعطي صلاحيات واسعة جداً للقضاء العسكري، وهي غير موجودة في أي بلد آخر. وقد وُسِّعَت هذه الصلاحيات خلال فترة حكم المخلوع عمر البشير، وبعد انقلاب البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بشكل غير مسبوق، وذلك لضمّ المنشآت المدنية التي تتولّى القوات المسلحة حمايتها، كالمستشفيات والجامعات والمدارس والمؤسسات الحكومية إلخ، تحت الحماية العسكرية. ما يعني أنه لو حدث خلافٌ بين أي مواطن وأحد العاملين في واحدة من هذه المؤسسات سيتعرّض المواطن لمحاكمة عسكرية.

ـ السودان هو الدولة الوحيدة التي يتمتع فيها كبار القادة العسكريين بحصانة قانونية ودبلوماسية، بحيث لا يمكن محاكمتهم عن أية جرائم تورّطوا بها، خصوصاً ما بين عامي 1989 و2019، وحتى الآن، وهي الفترة التي شهدت أكبر عدد من المذابح المروّعة في تاريخ السودان المعاصر، مثل المذابح بدارفور ومذبحة فض اعتصام القيادة في رمضان 2019، كذلك يتمتع هؤلاء القادة بحصانة دبلوماسية إذا سافروا خارج البلاد، في شأن معاملة بعض كبار قادة القوات المسلحة، الذي أصدره عبد الفتاح البرهان من أجل حماية المتورّطين في مذابح وجرائم قتل المتظاهرين خلال الفترة المذكورة.

ـ السودان لا يعرف شعبه حجم ميزانية جيشها، ولا من أين تأتي هذه الميزانية، ولا كيف تُنفَق وتُصرَف. ولعل المفارقة هنا أن ميزانية الجيش وبقية مؤسسات الدولة تأتي من جيوب المواطنين من خلال الرسوم والضرائب التي يدفعونها، بالإضافة إلى الاستثمارات العسكرية الضخمة، ورغماً عن ذلك تأخذ هذه المؤسسة أكثر من 70% من الميزانية العامة في السودان، وبالتالي من حق المواطن الطبيعي معرفة كيف تُنفق هذه الضرائب، وما إيرادات الجيش ومصروفاته، وهذا أضعف الإيمان.

– السودان هو الدولة الوحيدة التي يوجد فيها أكبر عدد من العسكريين السابقين الذين يشغلون وظائف مدنية في كل القطاعات، كالجامعات، والمعاهد القومية، والبحوث، والشركات الأمنية، وجمعيات حماية المستهلك، ومؤخراً تمت السيطرة على الإذاعة والتلفزيون، وتوظيف جديد اسمه الخبراء والمحللون الاستراتيجيون داعمون للانقلاب، إلخ. وأغلب هذه الوظائف تقدّم في شكل رِشا سياسية ومالية من أجل شراء ولاء العسكريين السابقين للنظام وضمانه، حتى بعد خروجهم من الخدمة. كذلك إن تولّي هذه الوظائف لا يتم بشكل مهني محترف على أساس الكفاءة أو الخبرة، بل من خلال علاقات شخصية وزبائنية، وهو وضع غير موجود في أي دولة أخرى سوى السودان.

ـ السودان فيه أكبر عدد من الولاة العسكريين من القيادات الحالية والسابقة في الجيش والشرطة وجهاز الأمن والمخابرات، وذلك في أكبر عملية عسكرة للدولة والولايات منذ انقلاب البرهان في أكتوبر/تشرين الأول 2021.

ـ السودان الدولة الوحيدة التي زادت فيها رواتب ضباط الجيش والشرطة وعلاواتهم حوالي 15 مرة خلال آخر عشر سنوات. حيث عُدِّل قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة أكثر من مرة، بما يتضمن زيادته سنوياً أول يناير/كانون الثاني من كل عام بنسبة 15%، لمدة سبع سنوات. صحيحٌ أن العسكريين يتمتّعون بمزايا اجتماعية واقتصادية في بلدانٍ كثيرة، احتراماً لدورهم وتضحياتهم في الدفاع عن الوطن، ولكن في السودان لا توجد تضحيات، وإنما فقط مزايا، ودون حسيب أو رقيب، وهذا كله من أجل استرضاء الضباط وضمان ولائهم. 

وشاهدنا كيف تُوزّع الهِبات والبدلات ورواتب شهر إلى شهرين للمنتسبين من قوات الدعم السريع والشرطة، بعد القمع والبطش بالثوار وتفريق المواكب السلمية، بينما في الدول المتحضرة القوات النظامية تؤمّن المظاهرات السلمية وتحميها. 

الجيش السوداني هو الجيش الوحيد الذي يمتلك إمبراطورية اقتصادية ومالية ضخمة تُقدر بمليارات الدولارات. ويُشرف على ما يقرب من 500 مشروع اقتصادي، بدءاً من تصدير الذهب إلى الإمارات وروسيا والصين، وحتى البنية التحتية كالطرق والكباري (الجسور) وإنتاج الحديد والسيارات… إلخ. وهو وضعٌ شاذٌّ وغير موجود في أية دولة أخرى، فالوظيفة الأساسية للجيوش هي الدفاع عن الأمن القومي للبلاد وحماية الحدود، وليس منافسة الشركات المدنية والقطاع الخاص في المجالات والأنشطة الاقتصادية كافة.

ـ الأكثر غرابة أنه لا يوجد أي نوع من الرقابة والمحاسبة على هذه الإمبراطورية المالية والاقتصادية الضخمة للجيش السوداني، سواء رقابة برلمانية أو شعبية أو قضائية. ولا يعلم أحد شيئاً عن هذه الإمبراطورية، ولا توجد أية سلطة رقابية عليها، بما فيها الجهاز المركزي للرقابة المالية والإدارية للدولة، الذي من مهامه مراقبة كل الأنشطة الاقتصادية والمالية في السودان، ولكن يتم تجنيبها، ولا يستطيع حتى المراجع العام الاقتراب منها وفقاً لقانون التجنيب، باعتبارها جهة سيادية.

ـ الحقيقة الأخيرة والواضحة تماماً أن العسكر في السودان يتحكّمون بشكل كامل في الحياة السياسية (نخب وأحزاب وزعماء قبائل ورجال الطرق الصوفية وفئة كبيرة من المجتمع المدني… إلخ) والإعلام (قنوات فضائية، صحف، وجرائد، ومواقع إلكترونية).

باختصار، يتحكّم العسكر في السودان في كل شيء، ويديرون كل شيء، ويسيطرون على كل شيء، لذلك لا أمل في حدوث تغيير حقيقي في بلادنا من دون فهم هذه الحقائق، ومن دون تفكيك "جمهورية الضباط" بشكل حقيقي، يضمن عودتهم إلى ثكناتهم ووظيفتهم الطبيعية في حماية البلاد والحفاظ على مقدّراتها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد أحمد الجاك
صحفي ومدون سوداني
تحميل المزيد