قراءة في كتاب “النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي” لمؤلفه هشام شرابي

تم النشر: 2021/12/23 الساعة 09:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/23 الساعة 10:07 بتوقيت غرينتش
الكاتب الفلسطيني الراحل هشام شرابي

"النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي"، كتاب صدرت طبعته الأولى سنة 1992 عن مركز دراسات الوحدة العربية، ترجمة محمود شريح، من تأليف المفكر الفلسطيني الراحل هشام شرابي (1927-2005)، والذي سعى من خلاله إلى سبر أسباب تخلف المجتمعات العربية والتفكير في سبل تجاوزها من خلال التوسل بآليات التحليل السوسيولوجي، والتي تتمثل بحسب شرابي في النظام الأبوي المحدث الذي يقف عقبة في طريق تقدم مجتمعاتنا. فماذا نعني بالأبوية المستحدثة؟ وأين تتجسد تعبيراتها في البنيات والذهنية المجتمعية السائدة؟ وكيف السبيل لتفكيك الأبوية المستحدثة؟

كتاب
كتاب "النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي"

المقصود بالأبوية المستحدثة

في البدء، يشدد الكاتب في كتابه "النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي" على أن النظام الأبوي الذي يتناوله بالنقد والتحليل ليس تقليدياً صرفاً على النحو الذي كان عليه في مجتمعات ما قبل الحداثة، بل هو مزيج من القديم والحديث كنتيجة لوقوع معظم الأقطار العربية تحت الحكم الاستعماري، مما أفضى إلى الاحتكاك بالحضارة الغربية ومن ثم استيراد بعض أشكال التحديث المادي، بل إن شرابي يعزو ذلك التحول أيضاً إلى فترة الحكم العثماني ولا سيما إبان القرن 19، حين تم الشروع في إصلاحات همت تحديث الهياكل العسكرية والبيروقراطية للدولة، فضلاً على مجالات التعليم والاقتصاد وأنماط العيش بفعل استشعار خطر التهديد الإمبريالي، وخاصةً بعد غزو جيوش نابليون لمصر ووقوع هذه الأخيرة في الاحتلال الأجنبي.  

إن عملية التحديث المشار إليها اقتصرت فقط على البنيات الخارجية والسطحية للأبوية العربية دون أن تطال الذهنية الأبوية وجوهر العلاقات السائدة بذلك النظام. فإذا كانت الحداثة عبارة عن عملية تطور أصيلة تحدث تغييراً جذرياً وعميقاً في البنيات الاجتماعية وأنماط الوعي والتفكير، فإن التحديث في علاقة بسياق الكتاب يحيل إلى عملية مستوردة تنحصر في ما هو شكلي وتقني وآلي دون أن تمس جوهر الأشياء والعقليات السائدة.

بنيات الأبوية المستحدثة

يميز المؤلف بين البنى الكبرى للأبوية المستحدثة (الدولة والاقتصاد…) وبنياتها الصغرى (العائلة، الطائفة، العشيرة…). وسواء تعلق الأمر بالعلاقات بين الحاكم والمحكوم، الأب وباقي أفراد الأسرة، شيخ القبيلة وأفراد القبيلة، فإن الثابت هو الطابع العمودي والرأسي للعلاقات الذي يخترق جميع هياكل النظام الأبوي المستحدث، حيث تسود لغة الخضوع والتبعية عوضاً عن قيم المساواة والمشاركة والحوار المتبادل.

والحال أن ولاء الفرد الرئيسي في ظل هذا النظام يتجه إلى جماعات الانتماء الأولية (العائلة، القبيلة، العشيرة…) بدلاً من أفكار ومثل مجردة من قبيل الوطن والأمة، وهو ما يُفسر إلى حد بعيد فشل مشروع/أيديولوجية القومية العربية التي كانت تتوق نظرياً إلى إرساء دولة عربية موحدة تتجاوز الانتماءات الضيقة.

كما يشير الكاتب إلى أن الأبوية المستحدثة تجد تعبيراً لها في الأسرة الممتدة (العائلة كبيرة الحجم) حيث يسود منطق التراتبية وهيمنة شخصية الأب، خلافاً للأسرة النووية (صغيرة الحجم) التي تظل أكثر عرضة لتقبل قيم المساواة بحكم استقلاليتها الاقتصادية وانفتاح المرأة على التعليم وسوق الشغل.

عن ذهنية النظام الأبوي المستحدث

إن النظام الأبوي في صيغته الهجينة أو المستحدثة لا يمكن تحديده في جملة من البنى والهياكل المادية فحسب، بقدر ما ينصرف أساساً إلى ذهنية وعقلية سلطوية منغلقة ترفض النقد والمساءلة والحوار المنتج، بحيث تزعم احتكارها للحقيقة المطلقة.

إن الذهنية الأبوية التي تنمي قيم الخضوع والتبعية العمياء عوضاً عن التفكير النقدي والعقلاني يتم توارثها من جيل إلى آخر عن طريق وسائل التنشئة التقليدية (المنزل، المدرسة، القنوات الفضائية…)، وهنا وجب التنويه إلى أن الذهنية الأبوية لا تعد حكراً على الأصوليين والمحافظين، بل تشمل أيضاً بعض دعاة الحداثة والتنوير العرب.

إن الركيزة الأساسية للذهنية الأبوية السلطوية بنظر هشام شرابي هي استتباع المرأة وإلغاء وجودها ككائن يتمتع بإرادة حرة ومتميزة له الحق في تقرير مصيره الذاتي، ومن ثم فإن الوظيفة المسندة إلى المرأة في كنف النظام الأبوي لا تتعدى تثبيت وإدامة هيمنة شخصية الأب.

وعطفاً على ذلك، تعد الثقافة الشفوية المهيمنة عاملاً أساسياً وراء استمرار الذهنية الأبوية، فإذا كانت القراءة لا غنى عنها لتوسيع مداخل النقد والمساءلة، فإن الكلام هو السبيل إلى إرساء منطق الحوار الأحادي وادعاء ملكية الحقيقة المطلقة غير القابلة للتنسيب.

وهنا، يذكر المؤلف بالكيفية التي ساهم بها اختراع المطبعة بأوروبا في الثورة البروتستانتية وانبثاق حركة الإصلاح الديني، إذ أتاح الاختراع تعميم قراءة الإنجيل على نطاق واسع، بحيث لم يعد تفسيره حكراً على أقلية من رجال الدين، مما يبرز بالتالي الوظيفة الثورية للقراءة كعامل للتغيير.

ما العمل للتخلص من تخلف المجتمعات العربية؟

يشدد الكاتب على أن السبيل إلى الخلاص من وطأة الأبوية العربية المستحدثة وإبدالها بمجتمع حديث يمر عبر عملية تطور ذاتي نابعة من الداخل على غرار ما حدث في ثورة الميجي باليابان إبان النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وليس من خلال التهافت على عقائد أو أفكار مستوردة من بيئات أخرى يسبغ عليها طابع القداسة والإطلاق.

كما يشيد هشام شرابي بحركة النقد الجديد للأبوية العربية التي نشأت خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ومن أبرز روادها محمد عابد الجابري وعبد الله العروي ومحمد أركون، هذا وبالرغم من أنها لم تسلم بحسب المؤلف من الوقوع في فخ الاغتراب بفعل تبني معظم منتسبيها للثقافة واللغة الأجنبية، مما يفسر التأثير المحدود لكتاباتهم في أوساط الجماهير العربية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صلاح الدين ياسين
كاتب وباحث مغربي
كاتب وباحث مغربي متخصص في مجالات الفكر والسياسة
تحميل المزيد