تُشكل الكتب مصدراً مهماً من مصادر الثقافة، ولعل أي مثقف يسعى نحو دور في الحياة عليه أن يقرأ ما لا يقل عن عشرين كتاباً في العام، فقط ليحافظ على مستواه الثقافي.
ومع الوقت يصبح القارئ خبيراً في الكتب ومن النادر أن يشعر بأنه قرأ كتاباً لم يكن على درجة ما من الأهمية.
بمناسبة انتهاء العام دعوني أسرد لكم 5 من أهم الكتب التي قرأتها في 2021:
الكتاب الأول
"أسد الأردن: حياة الملك حسين في الحرب والسلام" للكاتب الإسرائيلي آفي شلايم.
يقدم آفي شلايم نفسه كخبير في الشأن الأردني، وقد اشتهر بكتابه "مؤامرة عبر النهر"، وكتابه هذا يحكي عن مأساة دولنا العربية التي تأسست بعد انقضاء الخلافة العثمانية على يد الاستعمار الإنجليزي الفرنسي، حيث التقى الملك حسين ممثلين عن دولة احتلال إسرائيل ستاً وستين مرة بدءاً من عام ١٩٦٣ وانتهى مشروع الشريف حسين، الذي فاوض إنجلترا ليصبح خليفة المسلمين ويستقل بكافة الدول العربية إلى أن تحكم أسرته العراق والأردن، ثم انتهى حكمها في العراق عام ١٩٨٥ للميلاد، بقي الأردن البلد الضعيف الذي آل للحسين ليحافظ عليه، بلد يعيش على المساعدات، وهناك تيار مهم في إسرائيل أقوى دول المنطقة يريده أن يكون وطناً بديلاً للفلسطينيين، وفي مرحلة الثورة العربية كادت تطيح بحكمه الناصرية، لأنه حكم رجعي موالٍ للغرب.
بعد حرب عام ١٩٦٧ احتلت إسرائيل الضفة الغربية بما فيها القدس، وحيث للقدس وضع خاص في الدولة الشريفية التي كانت تحكم الحرمين فقد كان مهماً أن يكون للأردن فيها دور خاص، وهكذا وجد الحسين نفسه محتاجاً إلى أن يخلق توازناً بين القوى المحيطة به مهما بلغت درجة تعاديها لحماية نفسه والاستقواء بأحدها على الآخر، إنها خبايا السياسة، وحالة الضعف العربي والتنافر لا التكامل بين دوله، الأمر الذي أعطى لإسرائيل يداً طولى يخطب بعض العرب ودها، لكن مما يحسب للحسين أنه لم يتنازل أبداً عن كامل الضفة الغربية رغم أن ذلك أفشل كل مباحثاته مع دولة إسرائيل، وللأسف تنازل الفلسطينيون في أوسلو عن كل ما كان الحسين متمسكاً به، الكتاب مهم جداً، ولكن يحتاج إلى أن يُقرأ بحذر.
الكتاب الثاني
من أهم الكتب التي تتناول المشروع الصهيوني في فلسطين، هو كتاب "أكبر سجن على الأرض، سردية جديدة لتاريخ الأراضي المحتلة"، مؤلفه المؤرخ الإسرائيلى إيلان بابيه، يمثل إيلان المؤرخ المخلص لعلم التاريخ، وقد أوصلته دراساته التي تعتمد على الوثائق الإسرائيلية إلى فضح مجموعة كبرى من الأكاذيب التي بُنيت عليها الدولة الصهيونية.
في هذا الكتاب يبرهن المؤلف على أن وضع الضفة الغربية وقطاع غزة اليوم لم يكن نتيجة مباشرة للحرب عام ١٩٦٧، وإنما حدث ضمن سياق تاريخي أوسع، خططت النخبة العسكرية الصهيونية منذ عام ١٩٤٨ لاحتلال الضفة الغربية وتقسيمها ومصادرة أكبر مساحة من أراضيها، وكذلك طرد سكانها أو حصرهم في معازل غير متواصلة، والتحكم فيما تحت الأرض من مياه وثروات، وبالمختصر الهدف كان تهويد كل ما يمكن تهويده من أرض فلسطين التاريخية، وقد بدأ تحويل الإرث الأيديولوجي إلى خطط عملية عام ١٩٦٣ أي قبل احتلال الضفة الغربية، وتتابعت الخطط للوصول بالتدريج إلى دولة يهودية ذات نقاء عرقي، لم يتأثر هذا المخطط الصهيوني بمحادثات السلام ولا بالتطبيع مع الدول العربية، نجحت هذه الاستراتيجية في الضفة الغربية إلا أن قطاع غزة كان مختلفاً فلم تستطع إسرائيل التخلص من السكان وتهجيرهم إلى مصر، ولا بإلقائهم في البحر، ولكنها استطاعت أن تحتفظ بغزة سجناً كبيراً تحتفظ فيه بأخطر النزلاء، وتديره بمنتهي القسوة كما رأينا من خلال الحروب الأربع التي شُنت على غزة منذ جلاء الصهاينة رسمياً عنها.
أعتقد أن هذا كتاب في غاية الأهمية، أتمنى أن يقرأه كل عربي.
الكتاب الثالث
أما كتب السير الذاتية فقد قرأت الكثير منها، وأكثر من واحد يستحق العرض، لكن لا بد من التوقف عند سيرة بعنوان "أطياف شاردة وأوراق مطوية" للدكتور عبدالله القفاري من السعودية.
يمثل صاحب السيرة المثقف التنويري بجدارة، العالم الذي لم يسترخ في برجه العاجي داخل أسوار الجامعة، بل خرج إلى محيطه الواسع ليقود واحداً من أهم الأنشطة الثقافية العربية، عن تعريب المصطلحات العلمية، كما تفاعل بنشاط وإيجابية مع محيطه عبر الكتابة الصحفية والدواوين الثقافية، تجد في سيرته خريطة للاتجاهات الفكرية والثقافية في المجتمع السعودي، إضافة إلى ذلك فقد سبق الكثيرين في عدم استسلامه لاستهلاك الثقافة المعلبة، فهو يزور سوريا وينتقل إلى جبل العرب، يجالس الدروز ويسمع حكاياتهم ويحاورهم، ويعالج ما قرأه عنهم، ثم ينتقل إلى أكراد شمال سوريا، في رحلة لم تخلُ من مخاطر، تعامل مع ما سماه المزيج العربي الكردي السائد في تلك المناطق، لم يجد أن النزعة لتأكيد الهوية الكردية بينهم إلا رد فعل على القوميات التي سادت في المنطقة وأغفلت المشتركات الكبرى، نمط حياتهم يتمحور على مقوم ثقافي إسلامي المفهوم عربي التعبير والمحتوى (طبعاً قبل الثورة السورية)، ولما وجد أن القوم يرون عبدالله أوجلان ملهماً للشعب الكردي قرأ كتابه "من دولة الحضارة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية "، ورأى من خلال الكتاب صورة المفكر.
ثم زار مخيم برج البراجنة الفلسطيني ليرى عنواناً واضحاً لرحلة تيه طويلة، أما في مصر فحرص على التقاء اعتماد خورشيد ليتأكد من صحة ما كتبته في كتابها "شاهد على انحرافات صلاح نصر"، وحاورها حول كتابها الذي كان في طريقه للنشر بعنوان "شاهدة على انحرافات صفوت الشريف"، كلا الكتابين كان صادماً وفاضحاً للمؤسسة الأمنية في ظل الحكم الشمولي. قالت اعتماد إن ما روته في كتابها الأول كان أقل من الحقيقة الكاملة، وهي تكمل في كتابها الجديد ما لم تستطع قوله سابقاً، إذ أتاح لها اختفاء نظام مبارك أن تنشره.
الكتاب الرابع
هناك أكثر من رواية تتزاحم على ذهني حين أحاول تذكر ما قرأته منها، رواية "دبابة تحت شجرة عيد الميلاد"، إحدى روايات الملهاة الفلسطينية والتي تزيد على العشر، مشروع إبداعي متميز للشاعر والأديب إبراهيم نصر الله، يتفاوت مستوى روايات الملهاة، إلا أن هذه الرواية تقف مع "زمن الخيول البيضاء" و"قناديل ملك الجليل" في المقدمة، تاريخ فلسطين الاجتماعي والحضاري والسياسي يقدمه الكاتب بشكل روائي، العنوان مستوحى من نضال بلدة بيت ساحور، البلدة التي برع أهلها بالفن بكافة أشكاله، يسجل يوميات التحدي والمقاومة أمام مجرم جاء يغتصب الأرض والتاريخ والفن، جاء يدمر خصب الحياة وخصوبة الناس، يخلق الناس كل يوم أشكالاً عديدة للمقاومة، عبر ماسورة البندقية وعبر عدسة الكاميرا وعبر مشغولاتهم الفنية وعبر الموسيقى وعبر مشروعاتهم الاقتصادية الصغيرة التي يدمرها الصهاينة، يقاومون بالحب وبإنجاب الأطفال وبالورود وحب الحياة.
الكتاب الخامس
أما الرواية التي أختم بها فهي رواية "طبيب أرياف" لمحمد المنسي قنديل، رواية تعرض الحياة في قرية مصرية، مسرحها العيادة المجمعة، والعيادة المجمعة هي بعض ما بقي من إنجازات الناصرية بنيت لتخدم الريف صحياً وتجتذب إليه الأطباء، وهنا تنقل الطبيب الذي خرج من السجن بعد أن عوقب على وطنيته إلى الريف، حيث يرى شقاء الريفي أمام سطوة السلطة المركزية وإهمالها بل وإجرامها، هنا حيث يتنمر البعض على البعض، وحيث ترى الصبر العجيب للمحرومين، لخصت الجازية زعيمة الغجر المشهد الذي يعاد تدويره عبر التاريخ في كلمات تتحدى بها ممثل السلطة، "قال المأمور: ما الذي يجعلهم يخوضون كل هذا الجحيم من أجل أن يذهبوا إلى بلد آخر؟ ما الذي يدفعهم للانتحار إلى هذه الدرجة؟ مم يهربون؟ ردت الجازية: يهربون من قسوتكم، الحياة قاسية بشكل عام، ولكنكم تزيدون من قسوتها. يقول في صرامة: نحن نطبق القانون على أناس لا يعرفون معنى القانون، زناة وقوادين، مزورين ومحترفي سطو، ترد الجازية بعناد: كل هؤلاء يفلتون من أيديكم بسهولة، إنكم لا تمسكون إلا بخناق الضعفاء الذين يعيشون على الفتات وتريدون أن تشاركوهم هذا الفتات. زمجر المأمور في غضب: أنت مجرد غازية لا تعرفين شيئاً عن القانون. ردت: أنت على حق، ولكني أعرف شيئاً واحداً يقوله جد كل الغجر: إن كل هذه القوانين وجدت أيام الفراعنة، تغير الزمان واستدار، وذهب كل الفراعنة، ولكن بقيت القوانين لأنكم بقيتم، أنتم صنعتم الجحيم الذي يهرب منه كل الناس".
و كل عام وأنتم بخير وكل كتاب وقُرائي بخير.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.