لا يوجد ما هو خطر على الإنسان أكثر من حالة اليأس.. لكن إذا أردتَ فعليك بالتخطيط والعمل بشغف
عدتُ إلى بيتي وحالة الحزن تملأ قلبي، شعرت أن الحياة لن تأتيني بما أريد، رحت أمشط الطرقات ليلاً، والأفكار تتقاذف برأسي على غير هدىً حتى بلغت شاطئ الرباط، تحدثت معه كعادتي، عندما لا أجد من أتحدث معه أتوجه إلى الشاطئ، فهو يسمعني.
اشرقت الشمس وأنا جالس على الشاطئ، أحسست وقتها ببراعة الخالق وبرحمة الله في خلق هذه الهوية البصرية التي تجعلنا نهيم فيها وقت احتياجنا إليها.
اتّجهت إلى عملي بعد غياب يومين عنه، فأوقفني صاحب العمل على الباب متسائلاً: لماذا لم تأتِ إلى العمل منذ يومين؟ ولم ينتظر إجابتي قائلاً عرسي بعد ثلاثة أيام، تجهّز لتسافر إلى وزان، عرسي سيكون هناك، أخي سيأخذك معه بسيارته ويعيدك بعد ثلاثة أيام، ضحكتُ وقلتُ له تعجبت منكم يا مغاربة، أليس لي رأي؟ أجابني ضاحكاً ليس لك حق الرفض، أحسست مع ربّ عملي هذا بأنه صديق حقيقي.
تَجهّزت للسفر إلى وزان الجميلة، وهي من أعرق وأجمل المدن بالمغرب، مدينة جبلية تتميز بمناظرها الخلابة، وطبيعتها الجذابة، وجبالها الخضراء، وعلى ما سمعت من أهلها بأنها سميت على اسم أحد أباطرة الرومان، لأنها بدأت في العصر الروماني.
العُرس المغربي التقليدي
قبل أن نسرد الأحداث سأشرح لكم ما هي التقاليد المغربية في الأعراس، العُرس المغربي من أقدم الأعراس التي تحتفظ بتقاليدها إلى الوقت الحالي، قديماً كان الزواج المغربي يتم ما بين الآباء، كان الأب هو الذي يختار لابنه العروس، أما الآن فالعريس هو الذي يختار شريكة العمر، ويكون هناك تراض ما بين العريس والعروس وعائلاتهما.
لكل مدينة مغربية طريقة في الزواج والخِطبة، لكن هناك طابع ديني تحافظ عليه جميع العائلات المغربية، وهو التعارف عبر الأم أو الأقارب، يأتي العريس أثناء التعارف لبيت عائلة العروس حاملاً الهدايا، ويأتي العريس مع أصدقائه، ويستقبلهم أهل العروس بالتمر والحليب، أما العريس فيستقبلونه بماء الورد والطبول والغناء بكلمات العشق، ويسمى هذا (التعاشق).
تأتي بعد ذلك العروس بالتجهيز للعُرس، الأم المغربية تجمع الأثواب الراقية لابنتها منذ ولادتها تجهيزاً ليوم عُرسها، في البداية تذهب الأم وابنتها للخياطة لتجمع لها اللباس كاملاً لتأخذه العروس معها إلى بيت عُرسها، وتقوم الخياطة بتجهيز لباس العُرس، وهو مجموعة من الفساتين، تلبسها العروس يوم العُرس إلى أن يأتي دور الفستان الأبيض، وينتهي دور الخياطة بعد حوالي شهرين أو أكثر من العمل على هذا اللباس.
يأتي بعد ذلك دور (النكافة)، وهي مَن تقدم النصائح وتختار الإكسسوار المناسب للأثواب التي اختارتها العروس ليوم العُرس، تذهب العروس مع والدتها للنكافة لكي يختاروا الإكسسوار، وبعد أن يتم الاتفاق على أنواع الإكسسوار المستخدم، والذي ستطرز به فساتين العروس، تخضع هذه الاتفاقات لمسطرة المواعيد أيضاً، ومن الممكن أن تكون ثلاثة أشهر.
تأتي بعد ذلك مرحلة اختيار (العمارية)، وتكون من الخشب أو الفضة المزخرفة ومطرزة بالمجوهرات النفيسة، تختلف من واحدة إلى أخرى على حسب لباس العروس، تُحمل عليها العروس يوم العُرس كما كان يُحمل ملوك الفراعنة أو الملوك عند خروجهم من قصورهم بين الحاشية، وتختار العروس وأمها والنكافة العمارية المناسبة لأثواب العروس، ويشتهر أهل وزان بالكبة، ومعناها الشريفة، أو أصيلة النسب، وهي التي تدخل الكبة.
بعد ذلك تأتي مرحلة اختيار (الطيافر)، وهي أطباق كبيرة تقليدية مزخرفة ومنقوشة توضع عليها الحناء والهدايا المقدمة من العريس، وتُقدم ليلة العُرس.
بعد مراحل الاستعداد للعُرس تذهب العروس للحمام التقليدي المغربي، ويُهيأ الحمام من طرف أم العروس، بالأعراس المغربية من الممكن التغاضي عن أي شيء من التقاليد المعتادة في الأعراس إلا الحمام التقليدي.
ويضم الحمام التقليدي (الصابون الأسود، الصابون البلدي، الصابون المعطر بالورد، الغسول المعد بالأيدي مخلوط بالأعشاب والعطور، والحناء البلدي المصنوع بالأيدي والممزوج بماء الزهر والورد)، في البداية يتم وضع الحناء على رأس العروس من قبل (المزوارة)، وهي امرأة تزوجت مرة واحدة تكون كفأل خير للعروس، بعد ذلك يدهن جسدها بالحناء، وتبدأ عملية (التِّقباب)، ويتم فيها تجهيز 7 أوانٍ صغيرة، توضع فيها الماء مع الورود المختلفة، لتغتسل وترش بهن العروس، لتبدأ مرحلة المِحرِمة، ويتم فيها تغطية رأس العروس بغطاء تقليدي، لتخرج العروس من الحمام على أنغام الطبول والصلاة على النبي والذكر من أخواتها وأبناء خالاتها وأصدقائها الذين أتوا معها لتذهب إلى بيتها، لتجد النكافة في انتظارها، لتُلبسها القفطان الذي ستخرج به لمقابلة العريس.
تخرج بعد ذلك العروس من ديارها لتجد العريس في انتظارها بسيارته، ليذهبا إلى قاعة العُرس.
عندما تنزل العروس من السيارة توضع على العمارية، ويحملها فريق مكون من أربعة أفراد، ويكون العريس أمامهم يقودهم، وتبدأ الفرقة الغنائية باستقبال العروسين بالصلاة على النبي والذكر والطبول حتى يدخلوا القاعة.
بعدها يأتي أهل العريس ومعهم ملابس العروس والهدايا التي جلبوها لها، موضوعة بشكل يلفت الانتباه في "الطيافر"، وهذا التقليد يسمى الدُّفُوع.
وبعد ذلك يجلس العروسان وسط الحضور ويتبادلان التهاني ويلتقطان معهم الصور.
بدايةً عند دخول العروس يُرَحب بالضيوف، وتُقدم لهم العصائر والحلوى المغربية، والتي تتكون من كعب الغزال، والبريوات، غُرَيبة ومجموعة من أشكال من الصابلي المزين، تقدم هذه الحلويات بوضع كل 7 أشكال من الحلوى في علبة مزخرفة مزينة.
العرس المغربي له وجبات مخصوصة، أشهرها المروزية، عبارة عن لحم مع المرق الحلو والبرقوق الأحمر واللوز، والدجاج المحمر "المشوي"، والبسطيلة وهو طبق أندلسي الأصل، عبارة عن معجنات محشوة بالديك الرومي أو الدجاج أو المأكولات البحرية، والكسكس مضاف عليه اللحم أو الدجاج وسبعة خضراوات؛ الجزر والبطاطس واللفت والقرع والحمص والكوسا والبصل، وهو طبق أكثر من رائع، الطاجين وهو من المأكولات الشعبية بالمغرب والشهية أيضاً، ويتكون من اللحم أو الدجاج مع البطاطس والبصل والجزر؛ يطهى في طبق من الفخار.
وخلال الحفل تنسحب العروس مع النكافة لتساعدها على ارتداء الفساتين والإكسسوار طيلة فترة العُرس، حيث ترتدي العروس عدة فساتين في حفلة الزفاف، وتحضر هذه المرأة اللباس المغربي التقليدي، ومجموعة من الفساتين المغربية؛ مثل اللباس الفاسي، والشمالي، والأمازيغي، وهو الفستان الأبيض، ومجموعة من المجوهرات والزينة.
أسعدني الله بحضور عُرسٍ كهذا، نسيت ألمي وما كنت أعانيه من خيبة أمل، وامتلأ قلبي فرحاً بمشاركة أفراح أهل البلاد التي أنا مغترب بها.
من الجيد أن تعثر على أصدقاء حقيقيين في غربتك بالخصوص، لو كان الصديق من أهل البلاد كن متأكداً أنه من سيحمل معك في المصائب، فالصداقة كلمة تحمل معاني عدة، منها التحرر من الانطوائية والاندماج مع الآخر، شيء رائع تتغنى به النفس، ووسيلة ناجحة بين كل الناس، ففي بعض الأحيان قد يكون الهاجس يحرك الإحساس، لكن تبقى في النهاية علامة فارقة لا يستطيع أحد تفسيرها إلا من اتبعها بشكل صحيح.
السعادة تجعل الإنسان في غِنى، عنده القدرة على التغلب على جميع الأجواء المحيطة به.
أشرقت شمس صباح جديد بعدما صَلّينا الفجر بمسجد وسط الجبال، مع إفطار الأرياف، الذي تكون فيه أصناف عدة كزيت الزيتون والزيتون الأخضر والأسود والأحمر والزبد وعسل النحل وكأس من الشاي الأخضر الذي يشتهر به المغاربة، أو كما يسمونه "آتاي".
بعد ذلك أخذني أخو العريس بنزهة في جبال وزان المزروعة بالقمح والزيتون والتين، الطبيعة تمحي الألم الذي يكمن بصدرك، هذا ما حدث لي.
اتَّجهنا بالسيارة عائدين إلى الرباط والسعادة تغمرنا، منهمكين في الحديث تارة عن المغرب، وتارة عن مصر، وفلسطين، وهدف مصطفى حاجي في منتخب مصر عام 1986.
أوصلني إلى المنزل بالرباط مؤكداً عليّ بالمجيء للعمل في الصباح، أجبته سأتعطل غداً لأني سأذهب إلى معهد الصحافة لأسأل على بعض الأشياء، فأشار إليّ بعنقه معلناً عن موافقته.
انتظروني في الحلقة المقبلة
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.