مانشستر يونايتد ينافس نوريتش سيتي على ملعبه ووسط جمهوره الذي لا يتوقف عن التشجيع ويفصله عن اللاعبين مسافة صغيرة وحاجز منخفض.
فريق رونالدو يلهث وراء الفوز دون جدوى، ساعة اللقاء تشير إلى الدقيقة 70 في المباراة العصيبة. سقوط في منطقة جزاء نوريتش سيتي أعقبته صافرة الحكم المشير إلى نقطة الجزاء.
رونالدو على التنفيذ والضغط كله على كتفيه -كما يفترض- وأمامه الحارس الهولندي تيم كرول المتميز في التصدي لضربات الجزاء والذي لم يتوقف عن التحرك يساراً ويميناً على خط المرمى لتشتيت رونالدو. ولم يكتفِ الهولندي بذلك بل قام بالإشارة للجماهير لتشجيعه لتصدير الضغط إلى رونالدو، وإخراجه عن تركيزه، إلا أن كل ذلك لم يؤثر على "الدون"، حيث سدد كرة متقنة إلى اليمين عكس اتجاه الحارس، الذي همس بينه وبين نفسه وهو ينظر للكرة الساكنة في شباكه "كيف يمكنني إيقاف هذا الرجل؟!".
هل رونالدو غير قابل للضغط؟
في عام 2019 قرر باحثون من الجامعة البلجيكية KU Leuven، ومن شركة البيانات SciSports عمل دراسة لقياس مدى صمود اللاعبين تحت الضغط في كرة القدم، وقاموا بتحليل ما يقرب من 7000 مباراة في 7 مسابقات مختلفة لمعرفة أداء لاعبي كرة القدم المحترفين تحت الضغط الجماهيري والنفسي.
قام الفريق المنفذ للدراسة بتطوير نموذج لتقدير مقدار الضغط الذهني الذي يتعرض له اللاعب لتحليل أدائه تحت الضغط، ومدى جودة قراراته، وتأثيرها، وأيضاً مدى تأثر اللاعب بالظروف المحيطة بالمباراة من حيث هي على ملعب فريقه، أم خارج أرضه، أو تأثير نتيجة المباراة على باقي الموسم من حيث حسم بطولة، أو تأثير الموقف على سير المباراة.
وتوصلت الدراسة إلى أن الضغط يرتفع كلما كانت النتائج متقاربة والمباراة تقترب من نهايتها. من ناحية أخرى، إذا كان هناك اختلاف واضح على لوحة النتائج، فلن يكون الضغط عالياً، وبالتالي النموذج يحسب الضغط دقيقة بدقيقة، وفي مختلف المواقف بتقييم تصرفات اللاعبين تحت الضغط مقارنة بضغط أقل.
كانت نتائج الدراسة ممتازة في صالح الأرجنتيني المعتزل حديثاً سيرجيو أغويرو الذي كلما ارتفع الضغط ارتفع أداؤه، بينما اكتشفت الدراسة أن كلاً من نيمار وهازارد ينخفض أداؤهما مع ارتفاع معدل الضغط.
بينما أشارت نتائج الدراسة إلى أن رونالدو يتجاهل الضغط من الأساس، وأداؤه ثابت في كل الأحوال سواء ارتفع الضغط أو اختفى، وكأنه غير موجود حوله، وهذا هو مربط الفرس، رونالدو لا يشعر بالضغط في الملعب.
تحدث رونالدو مسبقاً عن أن قوته على الصعيد العقلي ترجع إلى نشأته في الشباب التي أجبرته على السعي وحيداً، والاعتماد على نفسه في فعل كل الأشياء منذ أن اضطر للخروج إلى لشبونة، ثم إلى مدينة مانشستر في الطفولة والمراهقة.
ولكن علم النفس قد يكون له رأي آخر مختلف عن رأي رونالدو، حيث ابتكر عالم النفس دونالد ميشينباوم علاجاً سلوكياً يسمى SIT أو Stress Inoculation Therapy للتعامل مع الإجهاد الذهني، أو فترات الضغط، وهو منهج يبدأ فيه الشخص في التعامل مع معاناته لتحسين قدراته الذهنية.
بالعودة إلى عام 2009 -آخر مواسم رونالدو مع الشياطين الحمر- قام متخصصو علم النفس في مانشستر يونايتد باستخدام النموذج السابق SIT في علم النفس لمساعدة اللاعبين في التعامل مع فترات الضغط، وبالأخص ضربات الجزاء، ويبدأ علماء النفس في مساعدة اللاعبين فيها عبر جلسات انفرادية على ثلاث مراحل:
1 – التصور: وهو إخراج اللاعبين أفكارهم المخيفة حول فشل تسديد ركلات الجزاء مثلاً، أو الخوف من لحظات ما بعد إهدارها، أو التعامل مع الضغوط الجماهيرية.
2- اكتساب المهارات والتطبيق: البدء في التعامل مع تلك الأفكار، واستبدالها بأخرى إيجابية كنجاحك في الموقف، وتسديد الركلة.
3 – التقديم والمتابعة: أي بدء جلسات، وتدريبات ذهنية لتنفيذ الركلة بالتدريب كثيراً على تكنيك، وتسديد الكرة ثم تنفيذ الركلة بدون الكرة بشكل ذهني بدون حارس، ثم مع الحارس، ثم بمحاكاة ضوضاء الجماهير للوصول لنتائج أفضل.
قد لا تنجح تلك التقنية مع كل اللاعبين بالطبع، ولكنها تحاول مساعدتهم من خلال التركيز على هدف بعينه مع تجاهل كل ما حول اللاعب من ضغوط الزملاء، والخصم، والجماهير، والمدربين، وقد يكون هذا التدريب أحدث فارقاً مع رونالدو الذي يمتلك بالأساس قدرات ذهنية ممتازة.
ليلة ممطرة في كارو روود
قد لا تكون جلسات علم النفس سبباً رئيسياً فيما وصل له رونالدو، ولكنها بالتأكيد أحدثت فارقاً في مناسبات أخرى، أو قد تكون النشأة ومعاناة رونالدو في البداية هي من خلقت منه تلك العقلية التي لا تتأثر بالضغط، ولكن عندما تتعثر محاولاتك قد يظل هنالك احتمال بسيط أن تلجأ لعلم النفس كحل أخير لإنقاذ نفسك من ليلة ممطرة في "كارو روود".
المصادر
- https://bleacherreport.com/articles/149527-where-football-meets-psychology-what-the-mind-coach-taught-cristiano-ronaldo
- https://bit.ly/30xLEjR
- https://bit.ly/328cIq4
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.