بغضِّ النظر عن التبعات السياسية وراء ما حدث مؤخراً بباب سبتة المحتلة لم يلفت انتباهي أي من تلك الأسباب التي دفعت بهذا الكم الهائل من الحالمين باجتياز الحدود نحو الضفة الأوروبية أكثر من نظرات الحزن التي شاهدتها في عيون المراهقين العائدين بخيبات الأمل بعدما تم ترحيلهم عنوة وإعادتهم إلى وطنهم من قِبَل الشرطة الإسبانية التي أبرحتهم ضرباً في محاولتها للتخلص منهم عن طريق استخدام العنف، وبالرغم من أن الغالبية من هؤلاء المراهقين تعرضوا للأذى فإنهم ما زالوا مقتنعين بمغامرة الهجرة بشكل غير قانوني وكأن كل الذي تلقوه لم يُجدِ نفعاً معهم.
مما دفعني للتفكير ملياً والتمعن في أجسادهم التي توحي لك بأنها الوحيدة باقية على تراب هذه الأوطان، أما عن أرواحها فقد رحلت إلى بلاد أحلامهم وظلت هناك تنتظر قدومهم.
حينما شاهدتهم وهم ذاهبون كانت ملامحهم المبتسمة تعبر عن تلك الطموحات الكبيرة التي تنضج داخلهم وتمنحهم الأمل بالآتي، وبالرغم من أن طريقهم كان طويلاً ساروا على أقدامهم وعلامة الرضا والفرح ترتسم على محياهم النحيف الذي خطَّته التجاعيد وكأنهم تجاوزوا الثلاثين من عمرهم بسبب المعاناة التي اضطروا لمجابهتها رغماً عنهم، ومن هول ثِقل المسؤولية الملقاة على عاتقهم.
حين مصادفتي بهم أثناء العودة وجدت تلك الملامح الجميلة اختفت تماماً لم يتبقَّ منها سوى خيبات الأمل.
ملامح متعبة، منهكة تماماً، تحمل في خطوط وجههم البريء سخطاً كبيراً عن كل شيء، وحينما تسترق السمع حول أحاديثهم تنتابك الرغبة للبكاء لشدة ما تسمعه، منهم من يسب الحظ والبلد ومنهم من وصل صبره إلى منتهاه فبدأ بلعن الظروف والعائلة ويتمنى الخلاص من هذه الحياة كي ينعم جسده بالراحة.
مما جعلني بدوري أشعر بالذنب وألومها علها كانت سبباً في ما يحدث دون دراية وأتساءل مع نفسي: كيف يمكن أن يُقتل الطموح والابتسامة في قلوب مراهقين لا زالوا يتعرفون على ذواتهم؟
مراهقون ما زالوا في عمر الزهور ومن المفترض أن أجدهم على مقاعد الدراسة يبنون مستقبلهم وفي الحدائق يتمتعون بأنشطتهم.
كيف يمكن أن يقتل في قلوب هؤلاء كل أسباب الفرح والأمل بالحياة؟
أين يكمن الخلل حتى وصل أبناؤنا إلى هذا الحد؟
وحتى إن كان المجتمع والدول فرطت في الاهتمام بتنشئتهم أين هم الآباء من كل هذا؟
وكيف يمكن للبعض منهم التفكير بالإنجاب وإحضارهم لهذه الحياة وتركهم يتخبطون مع ظروفها بمفردهم ويتحملون مسؤوليةً تفوق قدراتهم دون تكبد عناء مساعدتهم وتوجيههم؟
وهل من السهل استغلالهم للحصول على حياة أفضل ولو على حساب أرواحهم؟
كيف يمكن أن يُطلب منهم ذلك والحياة التي قدمت لهم تنتهك أبسط شروط العيش
ألا يكفي ما يكابدونه من فاقة؟ كي يتم إرغامهم على العيش مع وجع فقدان الأمل؟
هل استكثرنا عليهم حتى هذا الشعور الذي يمنحهم طاقة التحمل ويتعلقون به كآخر قشة لعل الغد أفضل؟
وما الذي بوسعنا فعله جميعاً لجعل هذا الجيل من المراهقين أشخاصاً حالمين وممتلئين بالطاقة والأمل لتحقيق طموحاته؟
ما الذي يسعنا جميعاً فعله لنستعيد ابتسامته التي افتقدها جراء معاناته اليومية؟
كيف سنعيد له خسائره حتى يعشق هذا الوطن ويحمل مشعل خدمته والمساهمة في تطويره حتى يصبح كتلك البلدان
التي تراود أحلامه؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.