يسود الساحة السياسية اللبنانية خطابان، الأول يتحدث عن "احتلال" إيراني، والخطاب الثاني يتحدث عن العمالة لأمريكا، بينما تفتقد الأغلبية الصامتة لخطابها الخاص، نتيجة غرقها في البحث عن معيشتها، بعد أن ضرب زلزال الفقر الجميع.
لكن ما يُستشف من الخطابين المذكورين هو أن الأطراف السياسية المتصارعة متفقة على أن تُصنف بعضها البعض وفق قواعد "الخيانة أو العمالة"، وبينهما الجاسوسية، وهذا التصنيف صحيح إذا ما شمل كل القوى السياسية الحالية، التي تدّعي حرصها على سيادة لبنان أو رفاهية شعبه، فلماذا لا يدمجون هذين الخطابين في خطاب واحد ما دام أنه مع اختلاف المقدمات أتت النتيجة متطابقة، أم أن هناك عمالة بسمنة وعمالة بزيت؟ وهذا ما صنع الفارق!
الحقيقة أن أمريكا لا توظف أحداً، وإيران لا تحتل لبنان، بل هناك نظام إقليمي قيد التشكل تعمل إيران على احتلال موقع مركزي فيه، وتعمل أمريكا على إعطاء إيران الحجم الذي يناسب استراتيجيتها للمنطقة، فلا لوم على إيران ولا على أمريكا، لكن اللوم كل اللوم هو على القوى السياسية اللبنانية، التي ترهن نفسها للخارج من أجل عيشها الكريم ومصالحها الخاصة على حساب الوطن والسيادة، لأسباب طائفية أو مذهبية، أو افتتاناً بالغرب وحضارته.
كلن بالهوا سوا يا لبنان
وفي الحيثيات إذا كان القاضي البيطار منحازاً، فهذا لا يعني أن المشتبه بهم أبرياء، والمخرج الوحيد أن يصدر قراره الاتهامي، أو بالأحرى بيانه على دفعتين، الدفعة الأولى ما يخص انفجار مرفأ بيروت بحد ذاته، أي مَن جلب النيترات؟ ومَن سحب منها؟ وهل فُجّرت عن عمد أم نتيجة الإهمال؟
لأن هناك عشرات من الأبرياء خلف القضبان دون تهمة، وهذه مخالفة صريحة من القضاء اللبناني لشرعية حقوق الإنسان، لأن العدالة لا يمكن أن تنتظر نتيجة التجاذبات السياسية ذات الصلة. والدفعة الثانية من القرار الاتهامي يجب أن تتناول المقصرين والمتواطئين، وغير ذلك بات معيباً.
وفي الجهة الأخرى، يعلن رئيس الجمهورية أنه حدّد موعد الانتخابات النيابية، في مايو/أيار من العام القادم، ضارباً بعرض الحائط قرار المجلس النيابي، مستبقاً نتيجة الطعن المقدمة من تياره السياسي للمجلس الدستوري، وما زالت التشكيلات القضائية نائمة في إدراجها غير مكترثة لوجود مؤسسة مجلس القضاء الأعلى. والسؤال: أين هذا السلوك من قَسَمه يوم تولَّى رئاسة الجمهورية؟
ولماذا إقحام شهر الصيام عند المسيحيين، وشهر رمضان عند المسلمين في تحديد موعد إجراء الانتخابات النيابية، فهل وزراء ونواب الطغمة الحاكمة يصومون عن مد أيديهم إلى المال العام خلال وجودهم في مراكز المسؤولية؟ هي المهزلة على كل حال.
والأنكى من كل ذلك هو أن من يتغنى بأن لبنان بلد الديمقراطية والحرية هو من اشتكى من مؤتمر صحفي عُقد في بيروت، بعد أن نال جميع الأذونات من السلطات المختصة، وذلك لإرضاء المنامة، وبالأمس لإرضاء الرياض، وغداً لإرضاء "أم القيوين" مثلاً.. فإلى أي مدى انحدرت الكرامة الوطنية عند هؤلاء، حتى أصبح لقاء مسؤول سعودي لا يمر حتى عبر القنوات الدبلوماسية، بل عبر رحلة حج أو عمرة، علماً أن قرار الخليج بمقاطعة لبنان قرار عقلاني، سببه أن لبنان فقد وظيفته التي كانت مفيدة لتلك الدول في الماضي، ولم يعد هذا الدور مفيداً اليوم، ومهما حاول الرئيس الفرنسي ستكون مبادرته الثانية حول ترميم العلاقة بين لبنان والخليج فاشلة، كما فشلت مبادرته الأولى حول تشكيل الحكومة اللبنانية، علماً أننا نشكره على تلك المبادرات، التي لا تصدر إلا عن صبي متحمس.
وفي الختام: "كلن بالهوا سوا".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.