المتتبع لمجريات بطولة كأس العرب الجارية ووقائعها في العاصمة القطرية الدوحة يدرك أن الأمر لا يتعلق بمجرد اختبار من الفيفا لقدرات واستعدادات قطر لاحتضان كأس العالم قبل سنة عن موعده، بل هو كأس "عربية عالمية" على كل المستويات بما في ذلك الفنية، حيث فاق نجاحها كل التوقعات منذ استقبال الوفود المشاركة وإيوائها، إلى حفل الافتتاح العالمي الباهر، ومن ثم تنظيم المباريات وتوافد الجماهير التي بلغ عددها في مباراة قطر العراق لأول مرة 65 ألف متفرج، وهو عدد لم يسبق له مثيل في تاريخ قطر، دون أن ننسى النشاطات الثقافية والفنية المرافقة للمباريات والتي سمحت للمواطنين والمقيمين والزوار باكتشاف قطر وملاعبها ومرافقها وتجهيزاتها وبنيتها التحتية، ومدى استعدادها لاستضافة كأس العالم ابتداءً من الغد.
حفل افتتاح خرافي
بداية الإبهار كانت مع حفل الافتتاح الخرافي الذي سيبقى في ذاكرة الناس لما تضمنه من لوحات فنية وموسيقية، ومحتوى ثقافي وحضاري، وأبعاد تجاوزت المحتوى الرياضي لتصل عقول وقلوب العرب جميعاً من خلال عزف نشيد عربي موحد، وتربط بين الرياضة والفكر بتكريم 40 عالماً عربياً من الطيور المهاجرة التي تسهم بأبحاثها واكتشافاتها في خدمة البشرية جمعاء، وتعطي صورة حضارية عن مجتمعات عربية ارتبط اسمها لدى الغرب بالعنف والتخلف والجهل وعدم القدرة على مسايرة التحولات العلمية والتكنولوجية التي يشهدها العالم، فكان الطبق المقدم ممتعاً، يتحدث عنه الناس الذين بدأوا يتساءلون كيف سيكون حفل افتتاح كأس العالم 2022، والأجواء في قطر؟ وكيف سيكون الحال عندما تنتهي كل الأشغال الجارية لتهيئة المرافق التي تستقبل الآلاف من المناصرين والزوار؟
ملاعب ولا في الخيال
ملعب حفل الافتتاح الذي يتسع لـ 65 ألف متفرج كان أولى مفاجآت قطر لزوارها، سواء من حيث الشكل الهندسي والمعماري الأصيل الممزوج بأحدث التكنولوجيات، أو من حيث السعة والمرافق والتجهيزات الفريدة التي يحتويها، والراحة التي يمنحها لزواره من الفرق والرسميين والمناصرين الذين وجدوا أنفسهم في "بيت" جميل ومريح، أريد له أن يكون عينة لستة ملاعب أخرى جديدة احتضنت مباريات البطولة بنفس الإجراءات الأمنية والتنظيمية التي يتطلبها المونديال القادم، فكان جمال كل واحد يُنسي رواده في الآخر بسبب تنوعها واختلافها الذي أبهر كل من دخلها لاعباً أو مسيراً أو مناصراً، أو ضيفاً كبيراً من نجوم الكرة العالمية الذي أبدوا دهشتهم لما شاهدوه من إعجاز وإنجاز فريد من نوعه في تاريخ كرة القدم العالمية على مستوى الملاعب وكل المرافق الأخرى من طرقات ووسائل نقل وشبكات اتصال وفنادق عالمية.
تنظيم مثالي
التنظيم من جهته خطف الأنظار بدقته في كل تفاصيله بمساهمة أكثر من أربعة آلاف متطوع تم اختيارهم من أصل 100 ألف قدموا ترشيحاتهم، فكانوا بدورهم جزءاً من النجاح الذي عرفته البطولة تحت إشراف مشترك بين الفيفا ولجنة المشاريع والإرث كطرف كقطري في لجنة التنظيم اكتسب خبرة كبيرة من خلال تنظيم أحداث رياضية وكروية عالمية وقارية على مدى العشر سنوات الماضية سمحت بتكوين إطارات كفأة، لا تتردد في مطالبتنا بإبلاغها عن السلبيات والنقائص التي ظهرت حتى يتم تصحيحها وتجنبها مستقبلاً دون أية عقدة أو حرج في بلد صغير الحجم لكنه دخل مصافّ الكبار بجرأته في الترشح أمام أمريكا لاحتضان مونديال 2022، ويريد دخول التاريخ بتنظيم مونديال استثنائي، لن يكون بالضرورة الأحسن ولكن الأكثر تميزاً.
حضور جماهيري واهتمام إعلامي كبيران
الحضور الجماهيري والاهتمام الإعلامي العربي والعالمي فاق بدوره كل التوقعات في بطولة غير معترف بها من طرف الفيفا، لم يسبق وأن شاركت فيها كل الدول العربية لأسباب سياسية ورياضية، لكن الحضور القياسي والمستوى الفني العالي إضافة إلى فضول الصحافة الأجنبية جعلها محط اهتمام القريب والغريب من جماهير وإعلاميين وفنيين وجدوا في قطر حفاوة كبيرة وتسهيلات استثنائية استمتعوا فيها بإثارة فريدة بين منتخبات عربية قدمت أطباقاً كروية رائعة، بلغت أثرها قطر والجزائر ومصر وتونس المربع الأخير من منافسة تصل قيمة جوائزها 15 مليون دولار يكون فيها نصيب المتوج خمسة ملايين وكأس من الذهب الخالص وتقدير واحترام كبيرين من الفيفا وكل عشاق اللعبة.
قطر رفعت السقفالبعض يعتقد بأن نجاح قطر في رفع التحدي مرتبط بتوفر المال فقط، لكن الحقيقة أنه نتاج حسن توظيف المال والاستثمار في الذكاء البشري دون عقدة، خاصة وأن دولاً كثيرة عربية وغيرها تملك المال الكثير وتفتقد لحسن التدبير والجرأة في التغيير الكبير الذي يتجاوز تنظيم كأس العالم في كرة القدم إلى لعب دور أساسي في منظومة دولية لا ترحم الصغير والضعيف، بعدما جعل من مجرد كأس عربية حدثاً عالمياً يتحدث عنه كل العالم الذي سيصدم بعد سنة عندما يحين موعد كأس العالم الفعلية التي ستكون استثنائية في كل شيء، تسهم في تغيير عديد المفاهيم والمعايير التي كانت سائدة إلى وقت قريب قبل أن تتجرأ قطر الصغيرة جغرافياً، وتنتزع شرف تنظيم كأس العالم ثم تنجح في اختبارها الأول والأخير قبل سنة عن الموعد الكبير.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.