في سياق التداعيات الناتجة عن الصراع الإيراني الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، أعلنت البحرية الإيرانية، في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 إحباط هجوم قراصنة على ناقلة نفط إيرانية في خليج عدن، وذلك من خلال قيام دورية بحرية تابعة للجيش الإيراني بالاشتباك مع قراصنة وهي في طريقها إلى خليج عدن، قبل دخولها مضيق باب المندب.
تأتي هذه الحادثة بعد أيام قليلة من إعلان قوة في البحرية الإيرانية أنها تصدت أيضاً لعملية قرصنة بحرية استهدفت ناقلتي نفط إيرانيتين في خليج عدن، تزامن ذلك أيضاً أو سبقها بأيام قليلة، حديث السفن الإسرائيلية عن تعرضها لأكثر من حادث في المنطقة، بدءاً من أبريل/نيسان 2021 حيث تعرضت سفينة إسرائيلية لهجومٍ قبالة سواحل الإمارات في الخليج العربي، وانتهاء في يوليو/تموز 2021 حيث تعرضت ناقلة نفط إسرائيلية لهجوم قبالة سواحل عُمان، مما أدى إلى مقتل اثنين من طاقمها روماني وبريطاني.
تصدير النفط وحركة الملاحة
كل ما سبق من اشتباكات يعرقل تحرك مسارات ناقلات النفط سواء الإيرانية او الإسرائيلية أو الأمريكية، في خليج عدن أو حتى في مضيق هرمز ينطلق من محاولات طهران الحثيثة خلق مسار من التنفس، والهروب للأمام، بحثاً عن مسارات تساعدها على تجاوز العقوبات الأمريكية التي تشمل تجارة وبيع النفط الإيراني، ومن ثم فملاعبة الخصوم في ممر ملاحي دولي تمثل أمراً حيوياً للحكومة الإيرانية.
فإيران التي شلت العقوبات الأمريكية علاقاتها مع مستوردي النفط، إذ تعتمد إيران عليه كأحد أهم المصادر الخاصة بعائداتها المالية، تحاول دائماً البحث عن طرق غير رسمية من أجل بيع النفط الخاص بها، لكن بطبيعة الحال تجد أمامها أسطول القوات البحرية الأمريكية الذي يعرقل حركتها في خليج عمان، ومضيق عدن.
وفي الوقت الذي تواجه فيه أمريكا محاولات حثيثة لبيع نفطها بطرق وأسماء غير ذات صلة مباشرة بإيران، لا يتوقف جهد واشنطن عند هذا الحد، بل إنها كذلك تقوم بتوقيف ناقلات نفط تكون في طريقها إلى دول مثل الصين وسوريا وكذلك فنزويلا، بزعم أنها تحمل نفطاً إيرانياً.
إيران ليست مكتوفة الأيدي
لا تقف إيران على الجانب الآخر في موقف الضحية، لكل ممارسات واشنطن، إذ إن طهران تسعى من جانبها لبسط كافة نفوذها في مضيق هرمز وفي خليج عدن بزعم وجودها الجغرافي والجيوسياسي في المنطقة، وبالتالي ترى أحقيتها في التواجد العسكري والسياسي على عكس التواجد الأمريكي الذي كان ظهر في المنطقة في السنوات البعيدة من أجل حماية الحلفاء في الخليج من الثورة الإيرانية، وكذلك نفوذ وأطماع طهران في المنطقة.
لذلك تسعى إيران في مواجهة نفوذ أمريكا، للتوسع عسكرياً في بحر العرب وتوظيف تواجدها العسكري من أجل تقليل مضايقات البحرية الأمريكية، والقدرة كذلك على الإفلات من المراقبة الأمريكية لحركة ناقلات النفط الإيرانية الواقعة تحت طائلة العقوبات الأمريكية.
من ثم فالممر الملاحي الهام في المنطقة والحيوي لدول الخليج بات مسرحاً للصراع الإيراني الأمريكي، إذ يحاول كل طرف إثبات جدارته في السيطرة وقدرته على حسم المعركة لنفسه، وإحداث القلاقل والإزعاج للطرف الآخر حتى ولو دخلت إسرائيل على الخط دعماً لدول الخليج التي دخلت معها في اتفاقيات تطبيع منذ نهاية 2020 برعاية من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
حتى إن إيران وحين اتخذ ترامب قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي في عام 2018 وبدء تطبيق عقوبات قاسية على السلطات الإيرانية، هددت طهران بإغلاق مضيق هرمز في وجه ناقلات النفط.
إن أحد الأسباب التي تدفع إيران إلى المجاهرة بقدرتها على مواجهة النفوذ الأمريكي في الممر الملاحي الدولي هو اطمئنانها إلى أن الصين وروسيا، غير معنيين بالتهديد الأمريكي للناقلات الأمريكية، إذ تعتمد الصين بشكل كبير على النفط الإيراني كمخرج لأزمة العقوبات الأمريكية على طهران، وبالتالي فدعم الصين لإيران في هذا المسار يقوي صراعها في مجابهة التهديدات الأمريكية.
علاقة ناقلات النفط بمفاوضات الملف النووي
نحن أمام حالة من حالات عض الأصابع بين الإدارة الأمريكية والجانب الإيراني، فالبيت الأبيض الذي يريد تقليم أظافر إيران في الشرق الأوسط وتقزيم دورها لمستوى لا يهدد مصالحها وحلفاءها في الشرق الأوسط، وإيران تريد من جانبها طرد القوات الأمريكية من الشرق الأوسط بالكامل وترى في وجود القوات الأمريكية وجود احتلال في المقام الأول.
لذلك فالصراع في ممرات الملاحة من خلال قرصنة ناقلات النفط يأتي من أجل ضغط كلا الطرفين على بعضهما البعض من أجل تحقيق مكاسب شتى في الملفات محل الصراع بين الطرفين، مثل مفاوضات الملف النووي التي تشهد تعنتاً إيرانياً واضحاً وتمسكاً أمريكياً بموقفها، ما يهدد التوصل إلى صيغة جديدة من التفاهم حول ملف إيران النووي بمشاركة أمريكا ودول اتفاق 2015 الصين وروسيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
إشعال إيران للممر الملاحي الدولي، من خلال استهداف ناقلات النفط سواء الأمريكية أو الإسرائيلية، سيدفع الجانب الأمريكي المدفوع بطبيعة الحال من أطراف خليجية إلى فتح ساحة جديدة من الصراع مع التهديد الإيراني، في مناطق أخرى، إذ لن تكتفي أمريكا بموقف المتفرج تجاه طموح إيران تأميم خليج عمان ومضيق هرمز لسياساتها، بل ستذهب إلى أبعد من ذلك، وستكون مصالح إيران في سوريا والعراق مطمعاً للجانب الأمريكي كجزء من سياسة الرد على تجاوزات إيران.
سيزيد، في المقابل، الاستهداف الأمريكي للمصالح الإيرانية سواء في العراق أو في سوريا، من ضغوط إيران على حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط من خلال استهداف النفط السعودي ودعم الحوثيين بالسلاح والطائرات المسيرة التي تقوي من مقاومة ميليشيات الحوثي ضد القصف السعودي في اليمن.
واشنطن وتجاوزات إيران
لكن يبقى السؤال الأهم: هل بالفعل القوات الأمريكية غير قادرة على حسم هذه الأزمة، ووقف تجاوزات السلطات الإيرانية وبالأخص البحرية الإيرانية في الممر الملاحي الدولي الذي يشهد حركة كبيرة لتجارة النفط حول العالم؟ بالطبع واشنطن بترسانتها البحرية الضخمة قادرة على وقف تجاوزات إيران وإلى الأبد، لكن ما يحكم الصراع هو المواءمات والموازنات الأمريكية تجاه سياساتها في منطقة الشرق الأوسط، فالصراع الأبدي بين إيران وأمريكا منذ اللحظة الأولى لرحيل محمد شاه بهلوي ونجاح الثورة الإيرانية، تحكمه ضوابط جيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط.
فالذراع الإيرانية مهمة للنفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، والذي يخدم مصالح واشنطن في مساحات، يشكل أزمة حقيقية بغيابه عنها، كذلك فورقة الصراع الأمريكي هي الورقة الرابحة للجانب الإيراني الذي يستغلها لأمرين، في الداخل، لإخماد تطلعات الشارع الإيراني الطامح مراراً ومنذ سنوات قريبة، حسب تظاهرات شتى، إلى تغيير بنية الحكم، والعودة الى حكم ديمقراطي، وإلغاء الحكم الديني وسلطة رجال الدين في إدارة الدولة، وقمع أي تطلعات شعبية تحاول إنهاء النظام الحالي، باعتبار أن العدو الأكبر للجمهورية الإيرانية يستلزم دعم الشعب بالكامل للسلطة من أجل الانتصار.
الورقة الخارجية، وهي محاولة التمدد جيوسياسياً في دول الجوار تحت مزاعم مقابلة النفوذ الأمريكي ومحاولة إخراجه من الدول العربية، وهو ما حدث في مثل دول كالعراق، وكذلك في اليمن بالوكالة، وكذلك في سوريا.
من ثم فحرب القرصنة بين الإيرانيين والقوات الأمريكية على أرض الشرق الأوسط هي أقرب لحروب الوكالة بين طرفين يريد كل طرف أن يبرهن لحلفاء الطرف الثاني أنه قادر على حسم المعركة لصالحه، ومن ثم فلا نهاية لهذه القرصنة بشكلها التقليدي في المستقبل القريب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.