صناعة المحتوى أو إنشاء المحتوى هو المساهمة في نشر معلومات في سياقات محددة، عن طريق وسائط الإعلام الرقمي، وذلك لفائدة ما؛ معنيّ بها الجمهور المستهدف، والمحتوى هو شيء يمكن التعبير عنه من خلال "الفيديو أو الصوت أو الصورة أو الكتابة".
وفي برامج التواصل الاجتماعي هناك ملايين من صنّاع المحتوى بمختلف المجالات والتوجهات، وكل منشئ محتوى -في أي حقل كان- يستخدم أسلوباً معيناً لعرض الفكرة أو الموضوع حتى يصل للفئة المستهدفة.
صُناع الخير
في زخم التفاهة التي يروج لها صُناع المحتوى في منصات التواصل الاجتماعي، خرج عدّة أشخاص من صناع المحتوى المرئي، يطلقون عن حملات خيريّة لمساعدة الناس اللاجئين التي تتكرر مأساتهم مع كل شتاء.
هذه المبادرات نادراً ما نراها على منصات صُناع المحتوى، وقليل من يبادر في ذلك.
حملة أبو فلة الخيرية #دفي_قلوبهم
اليوتيوبر حسن سليمان المعروف بأبو فلة، هو يوتيوبر عربي خليجي من دولة الكويت، وهو صانع محتوى على موقع يوتيوب الشهير، بدأ في عام 2016 ويمتلك اليوم 22 مليون مشترك على قناته الضخمة.
إيماناً منه بالدور المجتمعي، قرر أبو فلة أحد أكثر لاعبي الفيديو شعبية في العالم العربي وصاحب أكبر قناة نمواً على يوتيوب في العالم، تكريس جهوده لدعم القضايا الإنسانية تقديراً لتخطيه حاجز الـ20 مليون متابع بإطلاق حملة مشتركة مع مفوضية اللاجئين لتوفير احتياجات آلاف الأسر اللاجئة والنازحة خلال فصل الشتاء.
فأطلق أبو فلة عبر البث المباشر على يوتيوب حملة #دفي_قلوبهم التي تهدف لجمع 1 مليون دولار، واستطاع جمع المبلغ في 28 ساعة فقط.
حملة صالح زغاري #عطاؤك_دفؤهم
اليوتيوبر الفلسطيني "صالح زغاري" نجح أيضاً في جمع مبلغ 350 ألف دولار "بقدر عدد متابعي القناة" خلال حملة "عطاؤك دفؤهم" التي أطلقها من أجل اللاجئين في لبنان وفلسطين وسوريا واليمن، خلال فصل الشتاء بعد أكثر من 35 ساعة من البث المباشر.
صناعة التفاهة
لأن مساحة حرية الطرح في مواقع التواصل الاجتماعي واسعة؛ فبتنا نرى الآلاف من صنّاع التفاهة تصدّروا تلك المواقع، ويحصدون يومياً ملايين من المشاهدات على فيديوهاتهم.
ويتزاحمون بين طامح بالشهرة، وراغب بالمال، لكنَّ الغريب هنا، أنه يوجد آلاف من صنّاع التفاهة وصلت مقاطعهم إلى مئات الملايين من المشاهدات، وملايين المشتركين، وما يقدمونه باختصار "فيديوهات تفسد أخلاق المجتمع" يسمونها "ترفيهية".
أي ترفيه تأخذه من فيديو "مقالب الحب والزواج والخيانة" يصنعه أشخاص دون الـ20 عاماً؟! ولم تفسد فيديوهاتهم عقول الشباب فقط، بل طالت الأطفال دون سن الـ18 من عمرهم.
وما الفائدة أيضاً من "تحدي الإندومي الحار" أو حتى المسلسلات الدرامية المصطنعة التي تفتقر لأدنى مقومات الأكاديمية أو المهنية في الإنتاج والتصوير وحتى التمثيل؟ ناهيك عن نشر الفضائح، وتحويل منصات التواصل لمرتع يتبادلون فيه التهم والمعارك الكلامية!
طبعاً المسؤول الأول عن انتشار المحتوى التافه هو أنت وليس الصانع، فالاهتمامات اليومية للشعوب تُحدد المحتوى الأكثر انتشاراً، حيث ترتبط شبكات التواصل الاجتماعي بأرض الواقع، وجمهورها يختار نوع المحتوى المنتشر الذي يُعرض على شاشتك "الفيسبوكية" أو "اليوتيوبية"، فلا تكن مُروِّجاً للمحتوى التافه ولا تساعد على نشره دون المحتوى الهادف.
ولأن المنشئ يستهدفك أنت لتكون الأداة التي تروج له؛ فكن أنت إحدى لبِنات السد الذي يحيل بين صانع التفاهة وانتشارها.
ويجب التفكير في العواقب التي ستخلفها هذه المشكلة، فالتفاهة ليست أمراً عادياً كما نظن، وإنما تتجاوز ذلك لتتحول إلى مشكلة معقّدة، بل إلى مجموعة من المشاكل التي لا تحمد عقباها والتي ستشكل تحديات فيما بعد للجميع.
وإن أولى هذه المشاكل هي هدر الوقت، إذ إن المحتويات التافهة تضيّع وقت الشخص الذي كان من الممكن أن يستغله في أشياء أخرى كالإبداع أو البحث أو التفكير أو قراءة ما هو مفيد، وما إلى ذلك من شؤون تستطيع أن تعود عليه بالنفع بدل ضياع الوقت في مثل هذه الأمور.
ولأنك أنت المسؤول يجب عليك أن توعّي الأسرى والأطفال والجيل الصاعد من متابعة هؤلاء، وأن تكون حذراً من أن تنقاد خلفهم، لأنك ستكون بعدها أحد المتسببين بهذه الظاهرة التي تجتاح المجتمعات.
المحتوى الهادف
يصادفنا الكثير من القنوات التعليمية في علوم مختلفة، إلا أن مشاهداتها قد لا تتخطى الآلاف؛ بل المئات، وذلك نتيجة الغطاء السلبي الذي اخترق تفكير الشباب.
وإن الذي يمنع انتشار المحتوى الهادف بالمرتبة الأولى؛ هو المتتبعون والمستهلكون، حيث إن ارتباط شبكات التواصل الاجتماعي بأرض الواقع، يشكل نقطة محورية في نوع المحتوى المنتشر.
فيجب علينا جميعاً أن نساهم في نشر المحتوى الهادف بين الأسرة والأصدقاء وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، حتى يصل إلى أكبر شريحة ممكن، ونكون بذلك ساهمنا في نشر الوعي والثقافة في المجتمع.
الرماديون والقضايا العربية
هناك شخصيات مشهورة تدّعي أنها مؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، شُهرت على حساب قضيّة إنسانية ما، أو حدث معين أخذ ضجة إعلامية مثلاً، لكن بمجرد أن خمدت نار تلك الحادثة التي تابعه الناس على أساسها، أصبح شخص رمادي مع القضايا المشابهة، خيفة أن يفقد ما جمع من متابعين.
رسالة للمشاهير وصناع المحتوى
مهما بلغت منصاتك من الشهرة، ومهما بلغ عدد متابعيك، إياك أن تنحدر في مستنقعات التفاهة، وإياك أن تسقط من عين من يتابعك، حافظ دائماً نقاء على سيرتك الذاتية، وكن حريصاً أنك لا تندم بيوم من الأيام أنك فعلت كذا أو كذا، لذلك خطط.. فكّر.. اهدأ قليلاً.. ثم نفذ، لا تتسرع في خطوات الحياة، انظُر لنفسك بعد 10 أعوام من الآن، هل ستكون راضياً عما فعلت بالماضي؟!
رسالة إلى مُتابعي صناع المحتوى
وقتك الثمين لا تضيعه في السفاسف، كن أنت العالم، كن أنت الضوء وكن أنت الشعلة والشرارة، طوّر نفسك، مكّن ذاتك، وركّز على أهدافك وطموحاتك، وحقق أحلامك، عندما تنجح سيكون الجميع سعيد، لكن حينما تفشل لن تجد أحد بجانبك.
لا تدع أحد يسرق عقلك، ولا تتعلق بأحد حد الطيش، قم واصنع لنفسك مكاناً في هذا الكوكب، إياك أن تبقى تبع، فالتاريخ لا يذكر إلا العظماء.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.