قطبا الكرة الأرجنتينية، طرفا "السوبر كلاسيكو"، إن كنت من محبي كرة القدم أو لا، فبكل تأكيد مرَّ على مسامعك ذكر ريفر بليت وبوكا جونيورز. أما إن كنت متابعاً من كثب لكرة القدم، فستعلم أن كلا الفريقين أكبر من مجرد ناديَين وأن لهما من الدلالات ما يفوق فعل ركل الكرة؛ الشغب والعنف الجماهيري والرمزيات الاجتماعية والصراع الطبقي، كلها مفاهيم تتجسد في "السوبر كلاسيكو".
الديربي الأرجنتيني الذي صنفته صحيفة "ذا تلغراف" البريطانية مع عديد من الصحف العالمية كأقوى وأعنف ديربي بالعالم، داخل الملعب وخارجه.
مثله مثل باقي ديربيات العالم، يمتاز "السوبر كلاسيكو" بالتنافسية الشديدة، لكن ما يشعل لهيبه هو الجانب السياسي.
في أدبيات الديربي، الفوز بطولة والخسارة حسرة لا تمحى إلا بالانتصار بالديربي القادم، وفي الأرجنتين تغلي البلاد على صفيح حتى يطلق الحكم صافرة النهاية.
ككل ديربيات العالم، للعداوة المتأججة بين ريفر بليت وبوكا جونيورز جذور تاريخية، نحاول في هذا المقال استكشافها؛ لفهم طبيعة "السوبر كلاسيكو" المختلفة عن غيره من الديربيات.
تأسيس الناديين
تأسس نادي ريفر بليت عام 1901 من قِبل بعض المهاجرين الطليان، في أحد الأحياء الفقيرة بالعاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس.
بعد تأسيس ريفر بليت بأربع سنوات، سيؤسس مهاجرون آخرون مقيمون بالحي ذاته، نادي بوكا جونيورز. والحي هو "لا بوكا" الذي كان منطقة يسكنها الفقراء وأبناء الطبقة العاملة.
لكن في عام 1925 سيقرر مالكو نادي ريفر بليت نقل النادي لشمال العاصمة بوينس آيرس، وتحديداً ضاحية تسمى "نونيز" حيث يرتع ويمرح أثرياء المدينة، وسيطلق الملاك على أنفسهم اسم "لوس مليونيرز" أي المليونيرات، ومن هنا بدأ الصراع الطبقي التاريخي بين الفريقين، حيث جمهور ريفر بليت يدَّعي الثراء رغم أصوله الفقيرة وينعت جمهور بوكا جونيورز بـ"لوس بويركوس" أي الخنازير؛ نظراً إلى حيهم الفقير.
ويرد جمهور بوكا جونيورز بـ"جاچيناس" أي الدجاج، كإشارة إلى جبن وخوف ريفر بليت من مواجهة رجال "لا بوكا".
بداية الشغب والكراهية بين المشجعين
أدى تمايز طبقات مشجعي الناديين الاجتماعية- خاصةً بعد نقل ريفر بليت
إلى شمال المدينة- إلى ارتفاع معدل العداوة والكراهية بين مشجعي الفريقين، إذ تم تحميل "السوبر كلاسيكو" بحمولة سياسية وأيديولوجية جعلت الجماهير في حالة من الهيجان والغليان، وهو ما كان يعني استمرار أحداث العنف بين جماهير الفريقين إلى يومنا هذا.
لكن أبرز أحداث الشغب والتي تعد أعنف حادثة بتاريخ كرة القدم الأرجنتينية، والملقبة بـ"كويرتادوث"، وقعت في "السوبر كلاسيكو" عام 1968، عندما فقد 71 مشجعاً حياتهم وأُصيب أكثر من 150 نتيجة التدافع عند بوابة رقم "12" على ملعب فريق ريفر بليت "المونيمونتال". ونتيجة تلك الكارثة الإنسانية قامت إدارة نادي ريفر بليت بإلغاء بوابة رقم "12".
على الجانب الآخر لا يخلو جحيم "لابومبونيرا"، ملعب فريق بوكا چونيورز، من ذكر تلك الأحداث التاريخية، ففي دور الـ16 ببطولة كوبا ليبرتادوريس عام 2015 وبمباراة العودة، تسلق أحد مشجعي "البوكا" حواجز الجماهير وألقى شيئاً ما، أشبه بقنبلة الغاز، داخل النفق المؤدي إلى الملعب الخاص بلاعبي ريفر بليت في أثناء دخولهم شوط المباراة الثاني، ليقع أحد أكثر المشاهد غرابةً بملاعب كرة القدم، حيث انهار عدد كبير من لاعبي ريفر بليت وعانوا من صعوبات في التنفس والرؤية.
تم إلغاء المباراة وإعلان فريق ريفر بليت فائزاً بنتيجة (3-0) وإقصاء بوكا جونيورز من البطولة.
كانت النتيجة الطبيعية لأحداث الشغب الجماهيري المستمرة منذ عقود، أن يمنع الاتحاد الأرجنتيني جماهير الفريق الضيف من حضور أي مباراة خارج ملعبهم بكل مباريات الدوري كإجراء احترازي منطقي في أوج التنافس والعداء بين مختلف أندية الأرجنتين وطرفي "السوبر كلاسيكو" خاصة. ورغم رفع ذلك القانون تدريجياً عن بعض أندية الدوري فإنه تم استثناء أكبر خمسة أندية جماهيرية بالأرجنتين، من ضمنها بوكا جونيورز وريفر بليت.
صراع السوبر كلاسيكو
بالطبع لا تخلو مباريات الفريقين عبر التاريخ من المشاحنات بين اللاعبين نتيجة ضغط الجماهير والإعلام، بل العكس يزداد الصراع الكروي داخل الملعب، ونخص بالذكر الإحصائيات المباشرة بلغة الأرقام والبطولات، حيث يتقارب كل منهما بعدد الفوز في المواجهات المباشرة والأهداف المسجلة والمستقبلة حتى بعدد البطولات.
حصد بوكا جونيورز لقب الدوري الأرجنتيني 34 مرة، فيما حصل عليه ريفر بليت 36 مرة، كذلك كوبا ليبرتادوريس الكأس الأغلى والبطولة الأهم بأمريكا الجنوبية حصدها بوكا 6 مرات، مقابل 4 مرات لغريمه التقليدي.
لاعبون ارتدوا قميص الفريقين!
حتى على مستوى الأفراد رغم كل تلك العداوة بين الناديين فإن هناك من مثّل الفريقين، متحدياً الغضب الجماهيري.
كلاوديو كانيغي، الملقب بـ"إيخو دلڤينتو" أي "ابن الريح" بعد تحقيقه كل الألقاب الممكنة مع فريق ريفر بليت، احترف فترة من الزمن بأوروبا ثم فجَّر قنبلة بالعودة إلى الأرجنتين ولكن بقميص الغريم بوكا جونيورز، ليجاور صديقه العزيز مارادونا ويقوم بمضاعفة عداء جماهير ريفر بليت له ويسجل "هاتريك" بالسوبر كلاسيكو عام 1996 ويحتفل أمام الجماهير، كذلك جابرييل باتيستوتا بدأ باللعب لصالح ريفر بليت ثم بوكا جونيورز قبل بدء رحلته بإيطاليا مع فيورنتينا وروما، بل إن هناك من فاز بكأس ليبرتادوريس مع الناديين، وهو قلب الدفاع الأرجنتيني، جوناثان ميدانيد، حيث حقق الكوبا ليبرتادوريس مع بوكا جونيورز عام 2005 ثم مع ريفر بليت عام 2018.
سبب تفوُّق بوكا جونيورز شعبياً
بالعودة إلى تاريخ الناديين وشعبية كل منهما، لا يُمكن ذكر بوكا جونيورز أو منطقة لا بوكا دون ذكر دييغو أرماندو مارادونا، حيث تمتلئ شوارع ومنازل المدينة بتماثيل وصور النجم الراحل، وربما يقول البعض إن مارادونا هو سبب ارتفاع شعبية بوكا جونيورز داخل وخارج الأرجنتين، إضافة إلى ارتداء عدة نجومٍ قميص الفريق مثل ريكيلمي والهداف التاريخي لبوكا، مارتين باليرمو، وكارلوس تيفيز أيضاً.
نهاية النزاع؟
الحديث عن الأهمية السياسية والعداوة الاجتماعية والصراع الطبقي بين الناديين لن ينتهي، لكن هل ينتهي العنف والشغب الجماهيري بينهما؟
لا يبدو ذلك قريباً.
يقولون في الأرچنتين: "من لا يختار قطباً من قطبَي أمريكا اللاتينية فحياته ذهبت عبثاً! الأول بوكا جونيورز والثاني ريفر بليت، والتالي حرب".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.