الجدار الذي بنته إسرائيل حول غزة.. كيف سيؤثر على أنفاق المقاومة الفلسطينية؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/12/12 الساعة 10:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/12 الساعة 10:11 بتوقيت غرينتش

اعتبر وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، خلال مراسم أقيمت لتدشين "عائق"، يتمثل بجدار تحت الأرض بطول 65 كيلومتراً، عند السياج الأمني المحيط بقطاع غزة، أنه يضع حاجزاً بين حركة حماس والسكان الإسرائيليين ويمنح الأخيرين شعوراً بالأمن.

وقال غانتس إن "هذا العائق، وهو مشروع تكنولوجي وعملاني، ذو أهمية عليا، يسلب حماس إحدى قدراتها التي حاولت تطويرها، ويضع جداراً حديدياً، ومجسات وإسمنتاً، بينها وبين سكان الجنوب. وبهذا الجدار، نوفر سوراً دفاعياً لسكان الجنوب، وليس أقل من ذلك شعوراً بالأمن الشخصي الممكن، ويسمح لهذه المنطقة الجميلة بمواصلة النمو".

غانتس الذي مرّغت غزة أنف جيشه في التراب، يضلل المجتمع الإسرائيلي؛ فهو يعلم أن بناء الكيان للجدار حول نفسه يعتبر تراجعاً في عقيدة الهجوم والهجمات الاستباقية، مقابل تعزيز الردع والحالة الدفاعية، كما أن المقاومة لم تبدِ ارتباكاً وقلقاً حيال العائق الأرضي.

المُقاوَمة عبر الأَنفاق تجاوزت كثيراً من الصعوبات، وأظهرت أنها قادرة على الإبداع والتكيف مع ظروف أي معركة يفرضها العدو، أو نتيجة الظروف الميدانية الصعبة والظروف السياسية التي لها علاقة بالجوار، سواء من قبل العدو، أو من قبل الأشقاء، كالحصار الذي فُرض على غَزَّة، مما جعلها تبدع في إيجاد وسائل تعتبر في المفاهيم والقراءات التي درسناها، شبه مستحيلة.

المقاومة بالتأكيد تمكنت من حفر عدد غير قليل من الأنفاق الهجومية ذات القدرات القتالية المختلفة، وتشير تقديرات العدو إلى أن بعضها قد اخترق الحدود بالفعل.

عكس ما تحدث به غانتس اليوم من أن هذا العائق يسلب حماس إحدى قدراتها التي حاولت تطويرها، ويضع جداراً حديدياً، ومجسات وإسمنتاً، بينها وبين سكان الجنوب، المقاومة لم تظهر حتى هذه اللحظة أي نوع من أنواع الخوف أو الإرباك أو التردد في المضي قدماً في تطوير مشروع الأنفاق.

ويُظهر موقف المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة من الادعاءات الاسرائيلية ذكاء معيناً، حيث لم تُستدرج للرد على هذه الادعاءات بالنفي أو التأكيد، ولم تسهم بذلك في تعزيز الدعاية الإسرائيلية، وبالمقابل أظهرت المقاومة ثباتاً ووضوحاً في موقفها من استمرار مشروع المقاومة بكل أدواتها واعتمادها على سلاح الأنفاق الاستراتيجي للدفاع عن غزة.

كما أنها لم تتدخل جدياً في تعطيل مشروع الجدار "تحت الأرضي" بإدراكها قواعد الاشتباك مع العدو، ولثقتها- على ما يبدو- بما تمتلكه من وسائل تتجاوز العقبات الإسرائيلية، قد ينجح الاحتلال أحياناً في حرب المعلومات وتسديد بعض النقاط، وكذلك المقاومة، ليبقى صراع الأدمغة سيد الموقف في هذه المرحلة.

مشكلة الأنفاق لم تنتهِ بعد، خاصة أن التكنولوجيا المستخدمة وعكس الشائع في وسائل الإعلام، لم تحل المشكلة بشكل كامل، كل ذلك يؤكد وجود أهداف أخرى للعدو مثل:

الاحتلال يريد تأمين رعب مضادّ يحتاجه أمام رعب الأَنفاق الهجومية، ويزيد المخاطرة المادية التي تتكبّدها المُقاوَمَة مع كلّ نفق يُحفر، كأنّه يرسي المعادلة الآتية: إن كان كلّ نفق هجومي تقدّر تكلفته من عمّال وموادّ بمئات الآلاف أو الملايين من الدولارات، فهو بعد إنشاء العائق الأرضي يُكشف في دقائق من دون تكلفة إضافية.

•  تهدف من ذلك أن تتردد المقاومة وتتباطأ في بناء الأنفاق طالما شعرت بأن إسرائيل قد وجدت الحل السحري لمشكلة الأنفاق الاستراتيجية.

• التمويه والتغطية على قدرات أخرى يستخدمها في مجال الاستخبارات، تمكنه من اختراق منظومات معينة، من خلال عناصر بشرية أو تكنولوجيا الاتصالات والتنصت، وبالتالي حصولها على معلومات قيّمة تؤدي للتوصل لأنفاق محددة وتدميرها مع احتمالية توصلها إلى معلومات مستقبلية أخرى.

•  يحاول عبر الدعاية الكبيرة توجيه حرب نفسية قوية ضد سلاح الأنفاق، وتعزيز الجبهة الداخلية، لاسيما الذين يطالهم تهديد الأنفاق، والبحث عن شركاء دوليين بمجال الاستثمار في أبحاث تكنولوجيا الأنفاق، حيث يلاحظ تركيزاً كبيراً على حجم الإنفاق الإسرائيلي الكبير على الأبحاث الخاصة بهذه التكنولوجيا، وهذا جزء من تقليد إسرائيلي، حيث تجبر عادةً الولايات المتحدة الأمريكية على الدفع للعلماء ومعاهد الأبحاث الإسرائيلية.

• من الممكن أن يكون لاستعراض إسرائيل قدراتها في مجال الأنفاق، أهداف اقتصادية تتعلق برغبتها في تشغيل صناعاتها العسكرية من خلال تصدير أسلحتها، الأمر الذي تعتبره استمراراً لدبلوماسيتها الهادفة لإنشاء تعاون وتحالف مع العديد من دول العالم، فهي تهدف لتسويق منظومة أمنية جديدة تعتبرها رائدة في محاربة سلاح الأنفاق.

في النهاية، ليس متوقعاً أن تتوقف المقاومة عن حفر الأنفاق، لأنّ ذلك يعني إراحة الاحتلال، بل العكس، قد ينصبّ الجهد على مواجهة التقنية بما يضلّلها، أو الاعتماد على قصورها، كما أن الاحتلال نفسه يتحمّل مع الصواريخ معادلةً خاسرةً مادياً، فما تزال تكلفة اعتراضه للصاروخ أكبر من تكلفة الصاروخ نفسه، ويبدو صعباً على المُقاوَمة الفلسطينية، في ظل الظروف القائمة بغَزَّة، أن تستغني عن الأَنفاق، فهي ضرورة إستراتيجية عملياتية ولوجيستية إذا أرادت المقاومة أن تبقى فاعلة، وأي مس بها مس بالمقاومة مباشرة، لأنها بمثابة الأوكسجين الذي ستنشط منه المقاومة، لتبقى قوية.

ويدرك الاحتلال أن المقاومة لا يمكن أن تتخلى عن الأنفاق في المستقبل، وأنها ستواصل تحسين قدراتها، لأنها إستراتيجية لا يمكن التخلي عنها، في ظل أوضاع القطاع المتصاعدة، لذا وجب الإعداد والتجهيز للأنفاق، هذا يعني أن الأنفاق في حال أحسنت المقاومة السيطرة عليها، وتوظيفها جيداً، ستكون لها الكلمة العليا في أي معركة مقبلة، وتفرض من خلالها قوة عسكرية كبيرة قادرة على تغيير موازين القوى والصراع مع الجيش "الإِسرائيلي" الذي فشل وسيفشل في تدميرها كلياً، أو حتى وقف تطورها تحت الأرض.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رامي أبو زبيدة
باحث بالشأن العسكري
رامي أبوزبيدة، حاصل على ماجستير في إدارة الحرب واستراتيجية الأنفاق، كاتب ومحلل عسكري لدى عدد من الصحف والمواقع والقنوات الفضائية العربية والفلسطينية
تحميل المزيد