أقيمت أول مباراة في كرة القدم بين المنتخبين الجزائري والمغربي، يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 1965 بملعب " 20 أغسطس 1955″ بالجزائر العاصمة، وكانت ودية وانتهت بالتعادل السلبي (0-0)، فيما جرى آخر لقاء بينهما يوم 4 يونيو/حزيران 2011، بملعب مراكش الكبير بالمغرب، لحساب تصفيات كأس أمم إفريقيا 2012، وانتهى بفوز "أسود الأطلس" برباعية نظيفة.
وبين هاتين المباراتين، التقى منتخبا البلدين العربيين في 27 مناسبة أخرى، ليكون المجموع 29 مباراة، عاد خلالها الفوز للمغرب في 10 لقاءات وللجزائر في 9 مباريات، فيما انتهت 10 مواجهات بنتيجة التعادل.
ويجب التوضيح هنّا أنّه من بين هذه المباريات الـ29 جرت 16 مواجهة في إطارٍ رسميٍ، ظفر كل منتخب بـ7 لقاءات، وتعادل في اثنين.
هذه بعض الأرقام الخاصة بتاريخ المواجهات الكروية بين الجزائر والمغرب، أردت أن أبدأ بها المقال، قبل التطرق للمباراة الهامة التي ستجمع منتخبي البلدين، مساء السبت 11 ديسمبر/كانون الأول 2021، بالعاصمة القطرية الدوحة، برسم الدور ربع النهائي لمسابقة كأس العرب لكرة القدم.
قد يستوقفني البعض منكم ويقول: مباراة السبت القادم ستخوضها الجزائر والمغرب بمنتخبي المحليين؛ أي بدون اللاعبين المحترفين بأوروبا، ولذلك لا يمكن احتسابها ضمن سجل المواجهات التاريخية.. فأرد عليكم موضحاً: نعم تشارك المغرب والجزائر في دورة قطر بمنتخب اللاعبين المحليين أو الرديف ولكن المسابقة تُسمى "كأس العرب فيفا 2021″، وهي مفتوحة للمنتخبات الأولى وليس مثل "بطولة إفريقيا للاعبين المحليين" التي تُخصص فقط للمنتخبات التي تحمل اسم "المحليين".
وإضافة إلى ذلك فإنّ البطولة العربية الحالية تُقام برعاية الاتحاد الدولي لكرة القدم، ونتائج مبارياتها تحتسب في تصنيف فيفا، ويتم نشر تقارير اللقاءات ونتائجها الرسمية على موقع فيفا على أنها مباريات للمنتخبات الأولى دون الإشارة لكلمة "رديف".
مباراة مصر والجزائر نموذج للروح الرياضية
المهم.. أصدقكم القول أني كنت أتمنى عدم حدوث هذا "الديربي" المغاربي في الظرف الحالي، ولذلك تمنيت فوز المنتخب الجزائري على نظيره المصري يوم الثلاثاء الماضي، في مباراة الجولة الأخيرة لدور المجموعات للبطولة العربية، حتى تضمن الجزائر صدارة مجموعتها التصفوية وتتفادى، بذلك مواجهة المغرب في ربع نهائي المسابقة.. ولكن "قدَّر الله وما شاء فعل.
نعم .. "قدَّر الله وما شاء فعل".. فلقد فازت مصر على الجزائر بفضل "اللعب النظيف" أي بأقل إنذارات ممكنة، بعد مباراة مثيرة وحماسية ميزتها الروح الرياضية العالية فوق الميدان بين لاعبي وأعضاء المنتخبين، وبمدرجات الملعب بين جماهير الفريقين، لتُمحى بذلك من الذاكرة (ولو جزئياً ومؤقتاً) العداوة الرياضية المُسيّسة والحساسية المُفرطة بين الطرفين.
كما قلت، إذاً، فقد تمنيت عدم تباري المنتخبين الجزائري والمغربي في الظرف الحالي لسبب معروف، وهو التشنج الكبير القائم منذ الصيف الماضي، بين نظامي البلدين الجارين، وقطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين.
وعلى الرغم من تفاؤلي بتجدد نفس الروح الرياضية التي سادت لقاء الجزائر ومصر في مباراة السبت بين "محاربي الصحراء" و"أسود الأطلس" إلّا أني تمنيت عدم التقاء المنتخبين الشقيقين المغاربيين في البطولة العربية الحالية، حتى لا يستغل "ضعاف النفوس" هذا الموعد الرياضي لجعله محطة لصب المزيد من الزيت على نار الفتنة القائمة بين البلدين.
شعبا الجزائر والمغرب لم ينساقا نحو الفتنة
فباستثناء بعض التراشق الإعلامي والجماهيري على مواقع التواصل الاجتماعي فإنّ أغلبية شعبي البلدين لم تنسَق وراء الفتنة بحكم العلاقة المميزة، وقد كنت قد أشرت في مقال سابق، بنفس الموقع، إلى أنّ العلاقات بين الجزائر والمغرب "غريبة"، إذ وعلى الرغم من التوتر السياسي بين الدولتين فإنّ العلاقة بين الشعبين تبقى وطيدة، ويحرص نظاما البلدين على الإبقاء على ودية العلاقات بين الشعبين، مهما بلغت حدة الخلافات السياسية.
وقد لمح وزير الشؤون الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة إلى هذه العلاقة المميزة حين قال، في تصريح سابق: "نطمئن المواطنين الجزائريين في المغرب والمغاربة في الجزائر أن الوضع لن يؤثر عليهم. قطع العلاقات يعني أنّ هناك خلافات عميقة بين البلدين لكنها لا تمس الشعوب".
ما زالت ذاكرتي تحتفظ بأول لقاء كروي شاهدته على شاشة التلفزيون، بين منتخبي المغرب والجزائر، وكان ذلك في عام 1979، وكنت حينها أبلغ من العمر 10 سنوات.
جرت المباراة لحساب التصفيات الإفريقية لأولمبياد موسكو 1980، وكانت الدورة الأولمبية في ذلك الوقت مفتوحة للمنتخبات الأولى وليس للمنتخبات الأولمبية لأقل من 23 عاماً مثلما عليه الآن.
المهم أقيمت المباراة بمدينة الدار البيضاء المغربية يوم 9 ديسمبر/كانون الأول 1979، وانتهت بفوز الجزائر بنتيجة خمسة أهداف لواحد، وبدون أن تعرف أي تجاوزات من جماهير وأعضاء منتخب البلد المُضيف، ونفس الروح الرياضية كانت حاضرة في مباراة الإياب التي جرت يوم 21 من نفس الشهر بملعب "05 يوليو/تموز 1962" بالجزائر العاصمة وانتهت بفوز "الخضر" بثلاثية نظيفة.
ويجب التنويه إلى أنه في ذلك الوقت كانت العلاقات السياسية بين الجزائر والمغرب أكثر تأزماً مما عليه الآن، ولم تكن هنالك أي ممثلية دبلوماسية أو قنصلية لبلد في بلد الآخر، إلى غاية استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين يوم 16 مايو/أيار 1987، ثم فتح الحدود بينهما يوم 5 يونيو/حزيران من نفس العام.
بقيت تلك الروح الرياضية التي شاهدتها بين منتخبي البلدين في سنة 1979 راسخة في ذهني مع مرور السنوات ونموي العُمري والعقلي أوصلتني للإدراك أنّ الشعبين الجزائري والمغربي شقيقان فرقتهما السياسة، وازدادت قناعتي بذلك عند فتح الحدود حيث كنت أزور المغرب براً عدة مرات في السنة، فتعرفت من خلالها على كرم وحسن ضيافة المغاربة وحبهم لإخوانهم الجزائريين، وهو نفس الشعور الذي أعتقد أنه كان سائداً لدى المغاربة عند زيارتهم للجزائر.
التاريخ لم يُسجل أي تجاوزات خارج الإطار الرياضي
واستمر تواجد الروح الرياضية في معظم المباريات الكروية بين منتخبي البلدين، مهما كانت أهمية تلك اللقاءات على غرار المباراتين اللتين جرتا خلال نهائيات كأس أمم إفريقيا 1988 بالمغرب، حيث فاز "أسود الأطلس" 1-0 في الدور الأول، ثم في اللقاء الترتيبي من أجل المركز الثالث بفضل ركلات الترجيح.
ولم يحدث أي مكروه أيضاً في مباراتي تصفيات مونديال 2002، وانتهتا بفوز المنتخب المغربي ذهاباً وإياباً وبنفس النتيجة (2-1) أو في تلك التي جرت برسم الدور ربع النهائي لكأس أمم إفريقيا 2004 بتونس وحسمها المغرب لصالحه بنتيجة ثلاثة أهداف لواحد بعد اللجوء إلى الوقت الإضافي، أو المواجهتين اللتين جرتا لحساب تصفيات كأس أمم إفريقيا 2012، وشهدتا فوز الجزائر ذهاباً بعنابة (1-0) يوم 27 مارس/آذار 2011 وانتصار المغرب إياباً في مراكش برباعية نظيفة، يوم 4 يونيو/حزيران من نفس العام.
وأتمنى أن يتواصل الأمر على ما هو عليه وألا تخرج مباراة ربع نهائي كأس العرب لكرة القدم 2021، عن إطارها الرياضي في عز الأزمة السياسية التي تعصف بين "البلدين الشقيقين".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.