من حلم العمل بصحافة القاهرة إلى بائع ملابس وأحذية بالرباط.. حكاية مصري في المغرب

عدد القراءات
764
عربي بوست
تم النشر: 2021/12/08 الساعة 10:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/08 الساعة 10:22 بتوقيت غرينتش

لكي تكون مختلفاً فعليك العمل، من المهم أن تصدق أنك مختلف، لابد من الإيمان بذاتك، وترى ما بداخلك قبل أن يراه الناس

منذ التقلبات السياسية التي حدثت في مصر عام 2013 والتي أثرت على المجال الصناعي والتجاري بمصر، الذي كان محور عملي السابق؛ إرث العائلة، حيث كانت معظم عائلتي في مصر تعمل بمجال صناعة النسيج، حالي كحال كل المصريين، عندما تصل إلى عامك الثامن عشر يقول لك الوالد العمل الذي يجلب لك المال هو الأساس، لأنك بدون العمل لن تستطيع أن تتحمل المسؤولية؛ عليك بالعمل.

كنت مختلفاً بعض الشيء، أعشق الصحافة السياسية منذ الصغر وكتب التاريخ التي كانت سبباً في اختياري المغرب بلداً للسفر والاستقرار به.

جاءت التوترات السياسية في مصر بتأثيرها السلبي، أحسست أنها فرصتي لتحقيق حلمي، وهو الصحافة.

استمع لقلبك ونفذ بعقلك

وجود تلك التوترات أعطاني يقيناً بأنه لن أستطيع تحقيق حلمي داخل بلادي، فكان لابد من اتخاذ قرار السفر، لكن كانت هناك مشكلة كبيرة وهي معرفتي لرفض الوالد لفكرة السفر وتَركي العمل والذهاب للمجهول.

بحثت كثيراً عن معاهد وكليات الإعلام في الدول العربية، فوجدت قطر في المقدمة والمغرب بعدها والسعودية، لكني وقتها كنت أقرأ كتاب د/هشام عبد الرحمن وكان يحكي الكتاب عن نهاية الدولة الأموية في المشرق وبدايتها في أوروبا الغربية عندما جاء آخر الخلفاء الأمويين عبد الرحمن الداخل إلى المغرب، ليقوم بعدها بفتح الأندلس، أحسست وقتها بأن المملكة المغربية ستعطيني الفرصة كما أعطت لغيري.

كان قراري النهائي هو سفري للمغرب لعدة أشياء، سهولة إجراءات السفر إليها، تمتلك مؤسسة من أعرق المؤسسات بالشرق الأوسط لتعليم الإعلام والاتصال، غير أن هذه المؤسسة لا تحتاج إلى المال لكي يمكنك الوصول إليها؛ فقط عليك باجتياز الاختبارات الأولية.

أعددت أوراق السفر بشكل سريع وقمت بتعريف الوالد قبل السفر بيوم واحد فدعا لي وقال "الله يصلح لك طريقك ويعطيك كل ما تتمنى".

وصلت إلى المغرب في 25/04/2014 ولكن لم تهبط الطائرة بمطار كازابلانكا لسوء الأحوال الجوية وهبطت بمطار الناظور، وقتها قلت لنفسي أنا قطعت تذكرة لكازابلانكا وجدت نفسي في الناظور ضروري من وجود سبب رباني لذلك.

خرجت من المطار ولم أنتظر طائرة الرجوع لكازابلانكا.

الاكتشاف يجعلك تربح.. الناظور

الناظور مدينة سياحية تقع على البحر الأبيض المتوسط، تشتهر بتعدد شواطئها ومناظرها الخلابة، ذهبت لمقهى تقليدي بالناظور بعد خروجي من المطار محاولاً استكشاف هذه المدينة، لكنني أول ما وصلت المقهى لم أعرف أي المأكولات التي سأطلبها لأنه لم تكن عندي معلومة واحدة عن المأكولات المغربية، فقلت للنادل أعطني إفطاراً، فقال لي الساعة الثانية عشرة هذا وقت الغداء، ضحكت وجاوبته بالمصرية "أنا لسه مفطرتش أنا بتغدا الساعة 4″، ضحك لي مُرَحباً وقال "أنت مصري"، أجبته "نعم"، فقال "إني أفهم المصرية جيداً لسماعي المسلسلات المصرية والسينما المصرية".

المطبخ المغربي بالناظور

مر عليّ سبع سنوات بالمغرب لكني لا أستطيع نسيان هذا الإفطار، إفطارٌ جعلني أنسى جميع المأكولات المصرية، إفطار مكون من "توستادا كاتالان" أكلة إسبانية مشهورة بشوارع الناظور تشبه التوست يوضع عليه صوص الطماطم والطون والجبن الأحمر وقدم لي طبَقاً خاصاً يحظى بشعبية يتكون من كفتة اللحم المفروم والبيض والكاشّير ولحم الدجاج، مع الحار.

مأكولاتي في الناظور كانت وجبات سريعة، والناظور مدينة تتميز بمطاعمها ووجباتها السريعة الموجودة في الشارع كالشوية وهي أكلة الأفراح عندهم، لكن من الممكن أن تجدها في مطاعم الناظور، وهي عبارة عن اللحم مع مرقة البصل وزيت الزيتون وبعض الأعشاب المشهورة عند المغاربة، من أشهر المأكولات التي أكلتها بالناظور هي كريب الفواكه البحرية مع الجبن الأحمر، من ألذ ما أكلت في المغرب، ولأن الناظور مدينة ساحلية تطل على المتوسط فإنها المدينة المغربية التي تقدم المأكولات البحرية والأسماك مع الأرز على عكس مدن المغرب بالكامل يقدمون الأسماك مع الخبز، لأن المغرب يشتهر في معظم مأكولاته بالخبز وكان هذا يعتبر لي اختلافاً لا أستطيع التعامل معه، لأننا في مصر نقدم مع جميع المأكولات الأرز، واعتدنا على أكل الأرز يومياً، ولكن جودة المأكولات المغربية جعلتني أعتاد وأنسى تقاليد المأكولات المصرية.

السياحة بالناظور

مدينة الناظور المغربية

الناظور مدينة من أجمل المدن بالمغرب التي تتميز بزهوة شواطئها ونقائها، بينما كنت أتردد على المقاهي بالناظور كنت أحاول التعرف على الناس والتواصل معهم، فكنت أتحدث عن مصر وما يحدث بها في ذلك الوقت، والمغرب وماذا يوجد في الناظور من أماكن لأراها، وعن كيفية إيجاد عمل في الناظور.

الناظور من أغنى المدن بالمغرب، ولكني عندما جلست مع أهالي المدينة عرفت بأن اقتصاد هذه المدينة يعتمد على شيئين وهما التهريب والتحويلات الخارجية التي تأتي من أبناء أهالي المدينة المقيمين بالخارج، فعرفت وقتها أني سأخرج من هذه المدينة ولكن بعد المرور على شواطئها وأماكنها السياحية كالغابة المشهورة بجبل غوروغو وسوق الجوطية "القديم" المشهور بالناظور.

لم أجد صعوبة في التواصل مع أي مغربي، لأني عرفت عندما وضعت قدمي في الناظور أن الشعب المغربي محب للشعب المصري من خلال حبهم للسينما المصرية، فكنت أجد سهولة في التواصل مع الناس ولا أحتاج لمجهود لأن أغير لغتي من العامية للعربية الفصحى لأنهم سيفهمون العامية المصرية أسهل من العربية الفصحى، وكانت هذه نقطة قوة للتواصل مع الناس بسهولة.

الطريق إلى الرباط العاصمة الإدارية

أسبوعان من المكوث بالناظور والتجول هنا وهناك كان لابد من الذهاب للرباط للبحث عن عمل وتجهيز أوراق التقديم لمعهد الصحافة الحلم الذي سافرت لأجله.

أخذت قرار الرحيل للرباط متجهاً نحو موقف الحافلات واضعاً كل تركيزي نحو معهد الصحافة كيف ستكون اختبارات الاجتياز أخذت الحافلة المتجهة للرباط.

 جاء مكاني بجانب طالب مغربي يدرس الحقوق بجامعة السويسي بالرباط، تعرفت عليه وأخذنا الحديث طوال الطريق وقتها سألته عن المعهد وكيف تكون اختبارات اجتياز معهد الصحافة، جاوبني قائلاً بصوت خشن بأنه من أصعب الاختبارات بالمغرب وأعداد هائلة تتجاوز الألف والألفين، يختارون منهم عشرين طالباً، وقتها أصابني الذهول والضحك محدثاً ذاتي "أنا جاي من مصر عشان أبقى من العشرين دول"، لكن إيماني بقدراتي هو الذي جعل ذلك الإحساس لا يتغلب عليّ.

وصلنا إلى هناك بعد حوالي ست ساعات من الحديث المتواصل وعدم الملل من الطريق.

تجاوزت اليوم الأول في الرباط باحثاً عن سكن مناسب في ضواحي الرباط.

وجدت سكناً قرب السوق القديم بالرباط، كان اختياري معتمداً على الاتصال والتواصل السريع مع الناس لأكَون حلقة معرفية وأصدقاء داخل المدينة، وكان اختياراً موفقاً، بالنسبة لأي شخص يدخل مدينة جديدة ويريد أن يتعرف على معالمها وتقاليدها في أسرع وقت.

بدأت رحلتي في البحث عن عمل مبتدئاً بالمؤسسات الرسمية، لكن كلما دخلت مؤسسة رسمية أو صحيفة مغربية كان الجواب بالرفض، لأني لا أمتلك إقامة.

الحل الوحيد لدي هو العمل في الأسواق، بحكم سكني بجانب سوق باب الحد "السوق القديم" كانت هذه فرصة جيدة لي لإيجاد فرصة عمل سريعة، والذي شجعني على ذلك هو حب الناس للشعب المصري بشكل غير عادي، حب المغاربة للمصريين نَتيجة حبهم للدراما والسينما المصرية، كل ما دخلت مطعماً أو مقهى يعرفونني من حديثي الأول ويسألونني السؤال المعتاد هل أنت مصري؟

وكان دائماً ما يطلبون مني سماع طلباتي، وعن ماذا أبحث فكانت مبادرة التعارف من عندهم وعندما أسأل عن عمل في السوق كانوا يطرحون عليّ المشورة الجيدة.

سوق باب الحد

يعتبر سوق باب الحد في العاصمة المغربية من أكثر الأمكنة التي يرتادها سكان أو زوار الرباط، يذهبون إلى هناك سواء للتبضع ومعرفة جديد السوق أو للتنزه، حيث يجدون في باب الحد حركة وحياة بنكهة أخرى، وأهم من ذلك الجديد.

سوق باب الحد لا يقتصر فقط على التجارة التقليدية التي ظلت تُعرف بها الأسواق كتجارة الملابس والمواد الغذائية، إذ مع التطور التكنولوجي برزت أنشطة تجارية تركز على الأجهزة الإلكترونية والرقمية، حيث أصبح سوق الحد مكاناً يمكن أن تجد فيه جميع أنواع الشرائح الإلكترونية وآخر موديلات الهواتف الجوالة وأجهزة الكمبيوتر وبرامج المعلومات، بل قد تجد فيه أفلاماً سينمائية يتزامن عرضها في السوق بعد أيام قليلة من إنتاجها.

عند مدخل السوق تجد بائعي العصير، والسندويتشات، والملابس التقليدية المغربية وأحذية من ماركات عالمية مزورة وستجد أفلام فلليني، ستيفن سبيلبرغ، ديفيد كرونبرغ، هيتشكوك ودجون فورد ويوسف شاهين.

باب الحد حركة رواج لافت للانتباه، والزبائن ينتمون إلى جميع الشرائح منهم المتعلمون والنقاد والكتاب والموظفون والطلاب والسياح.

بدأت بالعمل التجاري في السوق مع تجار البضائع، الملابس والأحذية المهربة، في البداية كنت أجذب الزبائن لمحل معين وآخذ نسبتي من صاحب المحل وتكون نسبتي على حسب عدد القطع المبيعة، ولكن هذا العمل كان لا يشعرني بالأمان، لأن الشرطة دائماً حاضرة، فمن الممكن أن يحدث خلاف أو شجار مع أحد تجار السوق ووقتها سأتعرض للسؤال عن أوراق إقامتي؟ بحثت عن عمل آخر يكون مناسباً لظروفي ويُعطيني شعور الأمان.

 النجاح لا يأتي بسهولة

عملي في السوق أكسبني معرفة الكثير من التجار، ووقعت عيني على تاجر إلكترونيات عمره قريب لي، وكنت أتحدث معه كثيراً، ذهبت إليه وقلت أحتاج إلى عمل، لم يفكر في الرد وقال تفضل، بدأت بالعمل معه وكان يعرف عني الكثير، وقتها كنت أذهب لإعداد أوراق التقديم للمعهد، لأن ميعاد التقديم كان قد اقترب، ذهبت إلى المعهد وسألت عن الأوراق المطلوبة لتقديمي للمعهد ورجعت إلى بيتي وأنا أحلم بأول يوم لي في هذه المؤسسة العريقة التي أسسها الحسن الثاني عام 1969.

أعددت أوراقي وبدأت باجتياز الاختبارات، وظهرت النتيجة بنجاحي، كنت فرحاً وقتها، وقمت بتقديم ملفي، عندها قابلني مدير المعهد في البهو وقال لي أنت المصري المتقدم في الاختبارات؟ قلت له نعم، فقال لي لن تستطيع التقديم للمعهد بسبب شهادتك الأزهرية، ونحن لا نقبل الثانوية الأزهرية فسألته كيف؟ وإنه لشرف لكم أن يكون من بين طلابكم أزهري، نظر لي نظرة ثاقبة، وقال هكذا يقول القانون.

خرجت من المعهد والحزن يملأ قلبي غير مصدق ما حدث، محاولاً استيعاب الحديث، لكني في نفس اليوم أحسست أن ذلك اختبار إن اجتزته سأكتسب منه الكثير، لأن الفشل هو النجاح، إذا كنا نتعلم منه. 

انتظروني في الحلقة المقبلة. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمود حجازي
صحفي مصري
صحفي مصري
تحميل المزيد