في المقال السابق استعرضنا الوضع السياسي في الصومال، وفرص وبرامج المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية؛ محمد عبد الله محمد وحسن شيخ محمود.
وكما تعلمون أعزائي فالسياسة هي فن الممكن، ذلك الفن الذي لا يعرف صديقاً ولا عدواً، بحيث يتطاغى السياسيون كالموج، ويتدافعون في ساحته التي تتميز عن غيرها، بكون الثابت الوحيد فيها هو التغير المستمر لكل شيء.
ووحده الفطن والماهر هو الذي لديه الحدس وسرعة بديهة لالتقاط متقن ودقيق لوقت حدوث تلك التغيرات، وبمقدرته إدراك مسار التغيرات مع من يتعامل معه من القوى المدنية والإقليمية، وقراءة الإشارات والتغيرات قبل وقوعها، وتنفيذ الغاية الرئيسية بعد الأخذ بالعلامات الواضحة في الوقت الموافق والمناسب، لأن من عجائب السياسة اعتبار وقوع هذه التغيرات أمراً حتمياً وواقعياً ولا بد منه.
لذلك لا يعد كل سياسي في المشهد السياسي فناناً يتقن استخدام أدواتها، بحيث يستطيع باحترافية احتواء المواقف وتغير الوقائع وإنشاء واقع وأفكار جديدة بكل تفاصيلها، وقابلة للتصديق، ويعطي انطباعاً حقيقياً ليقوم بعرضها على درجة القمة من الإبداع في المستوى.
المرشحين الأفر حظّاً للرئاسة اكتسحوا ساحة المنافسة بقوة رهيبة ملهمة، لذلك سأتابع الجزء الأول من هذا القسم، وأقدم الأيقونات السياسية في الصومال التي لها وزن وثقل كبيران في صنع القرار السياسي، والتي سأكملها في هذا الجزء.
شريف شيخ أحمد
المرشح شريف شيخ أحمد شخصية مثيرة للاهتمام، فهو رئيس أسبق للصومال، له ثقله السياسي ويترأس الآن اتحاد المرشحين لرئاسة المعارض، كانت له وما زالت شعبيته كبيرة بين الشعب، كان مؤسس المحاكم الإسلامية وترأسها، وهي حركة هزمت أمراء الحرب ووحدت البلاد تحت إدارتها لمدة ستة أشهر لمست قلوب ملايين من الشعب الصومالي لما حظي به من أمان كان يفتقده حتى الغزو الإثيوبي وانشقاق حركة الشباب، يعد مرشحاً رئاسيّاً مثيراً للجدل، حيث اتهم سابقاً بالإرهاب، وطرد إلى الخارج ليعود وينتخب ليحكم البلاد ويصبح الرئيس السابع لدولة الصومال، لذلك يمكن القول إنه المرشح الوحيد الذي حكم الصومال في أوقات عصيبة، قدم فيها تنازلات عويصة وباهظة ضد مصلحة الصومال عندما استغلت كينيا سعي الصومال والمجتمع الدولي لإخراج الصومال من المرحلة الانتقالية ووقعت مع الحكومة الانتقالية بالوثيقة المعروفة بخريطة الطريق لإنهاء المرحلة الانتقالية، حيث كانت مسألة ترسيم حدود البحرية مع كينيا أساس تلك الوثيقة، وتم التوقيع على الوثيقة من قبل الحكومة التي يترأسها شريف شيخ أحمد.
المرشح شريف شيخ أحمد سياسي ذكي، موافقة الحكومة الانتقالية على تلك الوثيقة ربما تعد مراوغة نزيهة تصنف ضمن جهود الإلغاء للمرحلة الانتقالية والحصول على دعم من الأمم المتحدة، التي سعت جاهدة إلى منح الصومال مؤسسات دائمة وحكومة مركزية حقيقية، التي كان يفتقر إليها الصومال في ذلك الوقت لتحقيق السلام الدائم والاستقرار للبلاد وإنهاء حالة الفوضى، وهو ما يملكه الصومال الآن، فهي قادرة اليوم على اتخاذ قرارات سياسية ومواقف حاسمة وبارزة تصب في مصلحتها.
السؤال هنا: هل فعل الشيخ شريف شيخ أحمد ما بوسعه للتصدي للطمع الكيني الصريح من أجل تحقيق السلام لدولة الصومال؟ إذا كان الجواب نعم، فإنه يستحق الإشادة بمجهوده العظيم، وأن يكون الزعيم الفعلي لدولة الصومال لاحتوائه موقف كهذا.
حسن علي خيري
ترشح المرشح حسن علي خيري للرئاسة مشابه لرحلة فرماجو الرئاسية، عندما أرغم على الاستقالة عند توقيع الرئيس الأسبق ورئيس البرلمان اتفاقاً في كمبالا عام 2011 لتمديد فترة ولايتهما وينص على استقالة رئيس الوزراء آنذاك، ونلاحظ وجه الشبه، حيث إن نفس الفعل حدث مع رئيس الوزراء السابق حسن علي خيري عندما انقلب عليه فرماجو بطريقة ناعمة بعد دعوة رئيس البرلمان محمد مرسال النواب لحجب الثقة عنه والقيام بعزله في 25 يوليو (تموز) عام 2020، قد تكون رحلته الرئاسية ربما مشابهة، ولكن المرشح حسن علي خيري مختلف عن الرئيس المنتهية ولايته والمرشحين الآخرين ومنافس بارز، وذلك لأن المرشح حسن خيري يريد إحداث تغيير جذري، ويحظى بشعبية ضمن الشعب والقبائل والأقاليم، وخصوصاً الفئة الشابة والمتعلمة في المجتمع، التي دائماً ما يسعى لاستقطابها، ودعمه بشكل كامل ومكثف، ويتمتع بتأييد كبير وملحوظ من جهتهم.
المرشح حسن خيري لديه آمال عالية وكبيرة للصومال، حيث يمكنني تشبيه الصومال بلوحة رماية بمرأى من المرشح حسن علي خيري رائد الأعمال الفطن والملم بأهمية الصومال، فيصوب بدقة متناهية نحو أهداف ذات طبيعة جوهرية، فهو منذ ترأسه لرئاسة الوزراء يسعى لتنفيذ مشروع استراتيجي متين مبني على فكرة خلق فرص جديدة وجذب بوابة المستثمرين للاستفادة من الموارد والقطاعات الاستثمارية الواعدة في البلاد، وتمكين المؤسسات المالية وإصلاح البنك المركزي، وتمكين مجتمع الأعمال وتعزيز التجارة المحلية والدولية، وتطوير البنية التحتية لجذب المؤسسات الاستثمارية الدولية، وتقديم وعود للشركات والمستثمرين في مجال النفط، رغبة منه في التطوير وخلق فرص العمل، فهو على الرغم من كونه سياسيّاً فهو رجل أعمال بطبعه، له علاقات قوية مع أصحاب رؤس الأموال وله نفوذ واسع سياسياً، المرشح يلقى دعماً وله شعبية في الداخل والخارج، وخصوصاً من الدول الإقليمية، كالدول الأوروبية وبريطانيا وتركيا، تعد روابطه وعلاقاته مع الدول العربية محدودة إلى حد ما وفي حدود الدبلوماسية.
يشاع أن روسيا التي تبحث عن موطئ قدم في دولة الصومال لها علاقات جيدة مع المرشح الرئاسي حسن علي خيري.
الشعب الصومالي يسود عليه الطبع القبلي رغم التغير الطفيف في الآونة الأخيرة، وبما أن المرشح الرئاسي عمل لفترة طويلة في المجال الإنساني وحقوق الإنسان فقد يكون أقرب لفهم احتياجات ومتطلبات الشعب، وخصوصاً الفئة الشعبية التي تعد من أكثر الأفراد الذين يؤثر فيهم القرار السياسي بشكل كبير، نظراً لظروفهم وأحوالهم الخاصة.
لذلك السؤال هنا كيف يمكن للمرشح جعل الشعب يؤمنون برؤيته ذات السقف المرتفع، والعمل معه لتصبح الواقع والمستقبل؟
الحصول على دعم الجميع والفئات مهمه صعبة، وخصوصاً إذا تبلورت وتشكلت ضمن إطار اعتبار المرشح الرئاسي رائد أعمال يسعى لإجراء صفقات على حسابهم.
والسؤال الجدير بإجابة صريحة هو كونه سياسياً متمكناً وحذقاً كيف سيوظف السياسية في الموازنة بين أهدافه الهائلة وتطلعات الشعب وآماله من جهة والحصول على الدعم الشامل من جهة أخرى؟!
محمد عبد الرحمن علي
اللافت للنظر والاهتمام هو ترشح المرشح محمد عبد الرحمن علي الملقب بـ"سيرين"، هذا المنافس الذي ينافس بكل نعومة مصقولة ولا أقصد بها المعنى المألوف، ولكنه الألمعي، وذكي في ربط واستخدام أدوات السياسة لصالحه بتحركاته الساكنة، أو من حيث ترتيب أموره لخوض منافسة كاسحة، يعد من المرشحين الجدد على الرئاسة ومؤسس والرئيس الحالي لحزب (كلن)، وقع الاختيار على هذا الاسم للحزب يوضح أهمية الحزب السياسي، بحيث يمثل عمود المكان والمجلس الذي سيعيد الصومال إلى أصله، الذي بحسب الحزب يعتبر أن الصومال بطريقة ما انحرف عنه من الجهة السياسية، ويصف هذا الاعتقاد نظرة وتطلع المرشح للرئاسة بصورة راجحة وسديدة، ولدى المرشح إيمان كبير بذلك، أو على الأقل هذا هو الانطباع الذي نشعر به لأول وهلة نحوه، يسعى المرشح لإعادة جمع شمل وتوحيد الصومال مع الجانب المفقود من الوصال العربي خاصة والإقليمي عامة، لذلك لديه دعم وعلاقات وطيدة مع الدول العربية مثل مصر ودول الخليج، وكذلك يمتلك رابطة ذات قاعدة وأساس متين مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة.
تتسم تصريحاته في الإعلام بالرزانة والعقلانية، وتوضح الخطوات السياسية التي انتهجتها الحكومة الحالية والتي لا يوافق ويعترض عليها، بحيث يضيف تحليله المنطقي للتعميمات والقرارات الحكومية، ونلاحظ نوعاً من الاعتدال السياسي بشخصيته وأسلوبه، بطريقة تجعله ضليعاً متمكناً ومهيباً في إيجاد حلول معقولة للقضايا السياسية والأمنية والاقتصادية والإنسانية، وتشمل تأثيرات جائحة كورونا، وكذلك الانتخابات الفيدرالية، وطرق التصدي لمجمل الأزمات، بحيث يصيب عصفورين بحجر واحد، بمعنى يرضي الأطراف المعنية كلها، ويحقق ما يصب في منفعة الصومال بشكل عام ومصلحته.
المرشح الرئاسي حائز شعبية كبيرة ضمن الشعب بسبب حزبه الوطني، الذي يتطلع للوصول للحكم بصورة سلمية، ويتعاطف مع الشعب ويشاركه في جميع المظاهرات، التي تعبر عن سوء الأحوال في الدولة والقطاعات الخاصة، سواء التعليم أو الصحة، المرشح عاش وتابع بعمق وما زال يتابع بعناية تطورات الأحداث داخل البلاد، حيث قضى في الصومال فترة طويلة، فرص المرشح للفوز برئاسة الصومال على المستويات القياسية للنجاح، ولذلك ربما ما يفصله عن رفع راية الفوز والانتصار هو الإعلان عن النتيجة النهائية.
عبد الكريم حسين جوليد
يترشح المرشح للرئاسة للمرة الأولى، شغل منصب حاكم ولاية وإقليم "جلمدغ" حتى تم حجب الثقة عنه من قبل 46 نائباً، ورفض هذا القرار واعتبره غير قانوني حتى قدم استقالته، شغل منصب وزير الداخلية والأمن الداخلي في الحكومة الفيدرالية الصومالية، له شعبية كبيرة ضمن المجتمع الصومالي، وخصوصاً أنه مدعوم من قبل وجوه ثقافية وسياسية وشبابية ذات وزن ثقيل في أوساط المجتمع، تعهد بتصفير المشاكل الداخلية والخارجية واتباع سياسة إنهاء العداوات وتبادل المنافع والمصالح، يدعم الرئيس المرأة بقوة، ويؤكد على دورها السياسي، وتشغل حيزاً كبيراً في حزبه الذي اتخذ من "سهن" اسماً له.
سهن هي كلمة صومالية تعني ذا البصيرة، وتوحي بأن رئيس الحزب يعطي انطباعاً بأنه ملم وعلى قدر كبير من المعرفة بحالة وأوضاع الصومال.
خبرته العملية في الوسط السياسي، ووجوده وقتاً زمنياً كبيراً داخل البلاد تعطيه الأفضلية من ناحية الشعب، بسبب رغبة الشعب الصومالي وطبعه المتمثل في الإيمان أن كل رئيس جديد، وخصوصاً إذا كان من أبناء البلد ولم ينشأ في الخارج، يسعى إلى إحداث تغيير، وأقرب لفهمه وتلبية احتياجاته، المرشح مدرك وقادر على التعامل بحكمة مع القبائل في الأقاليم المختلفة والشعب الصومالي، الذي له باع طويل في فهم توجهاته ونظامه، الكثير من الدول معجبة بطموحاته السياسية مثل إيطاليا وتركيا ودول الخليج، إذا فاز بالرئاسة أعتقد أنه سيحظى مثل كل رئيس جديد بفرصة عادلة للحكم، إما بإحداث تغييرات جذرية أو الركود بالدولة، يشاع أنه ربما تكون لديه ظروف صحية خاصة، وأنه خضع لعملية جراحية في القلب عام 2016، يبدو المرشح رئيساً مثاليّاً للدولة ما لم تقف صحته عائقاً لترشحه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.