عارضت إسرائيل بشدة الاتفاق النووي بين إيران من جهة وأمريكا وحلفائها الأوروبيين في الجهة الأخرى عام 2015، وشنت حملة إعلامية شعواء على الاتفاق الذي تفاوض عليه الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، كما هددت بالقيام بعمل عسكري ضد طهران، والآن كما في عام 2015 يشير رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى أن بلاده مستعدة للانفصال عن الولايات المتحدة وحلفاء آخرين لاتخاذ إجراءات عدوانية ضد إيران، إذا لزم الأمر. كما حذرت الولايات المتحدة من أن العمل العسكري ممكن إذا اقتربت إيران من إنتاج سلاح نووي.
تعود العداوة بين إيران وإسرائيل إلى عام 1979، عندما قامت الثورة الإيرانية عام 1979، التي شهدت صعود حكومة الإمام الخميني، حددت تل أبيب بأنها شيطان العالم الصغير، وأطلقت الدولة الثورية الإيرانية على الولايات المتحدة لقب "الشيطان الأكبر".
ومنذ ذلك الحين، سعت تل أبيب بكل الوسائل الممكنة لمعارضة طهران وتحجيم نفوذها وحصارها، وفي الوقت نفسه أنشأت إيران ما سمي بجبهة أو محور المقاومة، التي ضمت "حزب الله" اللبناني ووكلاء شيعة آخرين، وتهدف إلى استهداف إسرائيل، الحليف الوثيق للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
ومن وجهة نظر إسرائيل، فإن الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة أوباما مع إيران قد أضر بأمن تل أبيب في منطقة تناصب شعوبها إسرائيل العداء وتمر باضطرابات لا حصر لها، إذ انهالت الثورات والانقلابات العسكرية والحروب الأهلية وانعدم الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا.
ورغم انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق في 2018، كانت الحكومة الديمقراطية الجديدة في واشنطن تتفاوض بشكل غير مباشر مع إيران في فيينا لتنشيط الاتفاق النووي، الأمر الذي أشعل الخوف في إسرائيل مرة أخرى.
وليس هناك شك في أن إسرائيل كانت متشككة في الاتفاق النووي لعام 2015، عندما تم التفاوض عليه لأول مرة، ولكن يبدو أن إدارة نفتالي بينيت الإسرائيلية تلاحق معارضتها للصفقة بطريقة مختلفة تماماً.
كان الاتفاق النووي لعام 2015 بين إيران والقوى العالمية الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين نتيجة لمفاوضات دبلوماسية متقنة. وعارضت إسرائيل، في ظل حكومة بنيامين نتنياهو السابقة، الصفقة بشدة، حتى إنها رفعت مستوى التوتر مع إدارة أوباما لمستوى غير مسبوق.
ورغم معارضة إسرائيل لامتلاك إيران القدرات النووية، فإن تل أبيب طورت سراً أسلحة نووية لم يتم إنتاجها بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وهي اتفاقية دولية تنظم قواعد المخزون النووي العالمي.
ولكن معارضة نتنياهو لم تمنع إتمام الصفقة، وأظهر هذا أن اعتراضات حليف واحد خلال المفاوضات لن تكون على الأرجح جيدة بما يكفي لعرقلة الاتفاق النووي لخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA).
وحتى بعد انسحاب إدارة ترامب السابقة من الصفقة في عام 2018، ما زالت خطة العمل الشاملة المشتركة قادرة على البقاء بسبب صمود الشركاء الآخرين مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين.
وفي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، عندما استؤنفت المفاوضات، كانت الظروف السياسية مختلفة تماماً عن عام 2018. وقد تغير الهيكل الكامل للمثلث النووي في جميع المجالات.
والآن لدى الدول الثلاث؛ إسرائيل والولايات المتحدة وإيران، حكومات مختلفة تماماً، وفي الوقت الحالي يقود إسرائيل ائتلاف هشّ بعد استبدال حكومة نتنياهو، بينما تشكك الحكومة الإيرانية المتشددة الآن في الصفقة، وهذا على الرغم من أن الرئيس الأمريكي جو بايدن أبدى رغبته في العودة إلى الاتفاق النووي.
لدى إسرائيل مشاكل أكثر من مجرد حكومتها الهشة. كما أنها تفتقر إلى الرؤية السياسية فيما يتعلق بالصفقة، وتعارض تل أبيب الصفقة دون تقديم أي بديل عملي لها، وتريد أساساً استمرار استراتيجية الضغط الأقصى على إيران، التي أدت إلى توحش الأخيرة وفرض سيطرتها على كثير من الأصقاع العربية المجاورة لإسرائيل.
في إطار اتفاق 2015، عرضت إدارة أوباما حلاً سياسياً لمنع إيران من تطوير قنبلة ذرية، ونتيجة لهذا فقد خفف نهج إيران نحو واشنطن قليلاً تحت حكم حكومة حسن روحاني المعتدلة، ولكن في ظل حملة الضغط القصوى التي شنها ترامب، والتي فرضت عقوبات موسعة على طهران، أصبحت إيران أكثر عدوانية على الصعيدين الداخلي والخارجي، حيث قامت بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات قريبة من صنع سلاح نووي. وفي ظل حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي المتشددة، من غير المرجح أن تتوصل إيران إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بدون أي تخفيف للعقوبات.
ومع ذلك، إذا لم تتم استعادة الاتفاق فقد تتحول الولايات المتحدة إلى إسرائيل. ويمكن لواشنطن أن تستخدم إسرائيل ضد طهران فيما يتعلق بخيارات الخطة "ب"، التي يمكن أن تتراوح من العزلة الدبلوماسية إلى مضاعفة الضغط الاقتصادي ضد إيران، أو حتى تأخير مسيرة إيران نحو الأسلحة النووية، من خلال العمليات السرية والسيبرانية ضد إيران.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.