انتشار تكنولوجيا بكين العسكرية وخطر “المجموعة 42”.. مخاوف واشنطن من الشراكة الصينية الإماراتية

عربي بوست
تم النشر: 2021/12/06 الساعة 12:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/06 الساعة 12:21 بتوقيت غرينتش

ترى واشنطن في الصين التهديد الأول للهيمنة الأمريكية التي تشكلت عقب الانتصار في الحرب العالمية الثانية، وما تلا ذلك من إعادة بناء النظام الدولي عبر شبكة من المؤسسات والمنظمات التي تكفل توافق السياسات والأنشطة المالية والاقتصادية مع المصالح الأمريكية. 

وقد تبنت الإدارة الأمريكية منذ عهد أوباما استراتيجية "محور الارتكاز الآسيوي" التي صاغها توماس دونيلون مستشار الأمن القومي الأمريكي، وتركز على دعم الروابط الدبلوماسية والعلاقات التجارية والأمنية لواشنطن مع منطقة آسيا والمحيط الهادئ عبر إقامة شراكات مع القوى الناشئة، والانخراط بشكل أكثر عمقاً في المؤسسات الإقليمية من أجل تعزيز التعاون الإقليمي، وتعزيز التحالفات الأمنية وتطويرها. ولاحقاً أعيد تسمية تلك الاستراتيجية لتصبح "إعادة التوازن في آسيا".

وفي ضوء أولوية التهديد الصيني ينشغل مجتمع الاستخبارات الأمريكي والبنتاغون بمراقبة التوسع الجيوسياسي لبكين، وبالأخص في المجالات الحساسة مثل شبكات "الجيل الخامس" والكابلات البحرية، حيث يعتبر كل منهما مجالاً استراتيجياً وحيوياً يتعلق بجمع المعلومات الاستخباراتية، ويمتد هذا الاهتمام الأمريكي إلى رصد الأنشطة الصينية في منطقة الخليج العربي، وبالتحديد الشراكات الصينية- الإماراتية.

المراقبة الأمريكية للأنشطة الصينية

في نهاية عام 2018 أوصت لجنة مراجعة العلاقات الاقتصادية والأمنية بين أمريكا والصين التابعة للكونغرس في تقريرها السنوي بأن يحشد دان كوتس مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية آنذاك الوكالات الخاضعة لسلطته لإنتاج تقرير سري بعنوان "تقدير الاستخبارات الوطنية" بحيث يرصد مبادرة "حزام واحد، طريق واحد" التي دشنتها الصين لتفعيل مشروع طريق "الحرير" عبر بناء طرق ومرافئ وسكك حديد ومناطق صناعية في 65 بلداً، مما سيسمح للصين بالوصول إلى إفريقيا وأوروبا بشكل أسرع وأقل كلفة. وقد صدر التقرير المشار إليه في ظل اهتمام واشنطن المتزايد بمعرفة المزيد عن المشاريع الصينية الجديدة وتأثيرها على المصالح الأمريكية ومصالح حلفائها. 

خريطة كابل السلام

وفي نهاية عام 2020 أشرف آدم شيف، الرئيس الديمقراطي للجنة الدائمة للاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي على كتابة تقرير تطرق لأبرز التهديدات التي تواجه واشنطن، وقد صدر بعنوان "قانون تفويض الاستخبارات" لعام 2021. وأعطى التقرير الصين الأولوية رقم واحد في التهديدات حيث ذكرها قرابة 60 مرة في صفحاته البالغة 157 صفحة، مقارنة بذكر روسيا 11 مرةً فقط، واثنتين لأفغانستان، بينما لم يرد لكوريا الشمالية ذكر على الإطلاق. وفي ظل ما سبق، أخبرت إدارة بايدن عقب توليها السلطة العديد من الدول الحليفة أنها لن تتساهل في المسائل المتعلقة بالأنشطة الصينية المهددة للأمن الأمريكي.

نماذج لمكافحة التمدد الصيني من الكابلات إلى الخليج العربي

تطبيقاً للتوجهات الأمريكية المذكورة أعلاه، اعترضت واشنطن لدى باريس على مشاركة شركات صينية في مشروع كابل "السلام"، الذي يربط باكستان وشرق أفريقيا بأوروبا؛ إذ من المفترض أن يربط الكابل مدينتي جوادر وكراتشي الباكستانيتين بميناء مرسيليا الفرنسي عن طريق جيبوتي، فضلاً عن أجزاء أخرى من الكابلات ستربط بين كينيا وجنوب إفريقيا. 

الرئيس الصيني شي جين بينغ مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون/رويترز

مشروع كابل "السلام"، يُعد جزءاً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، وتم طرحه في عام 2019 عبر تكتل لعدة شركات متعددة الجنسيات ضمت شركة "كابل السلام الدولية" التابعة لشركة "هينغتونغ" الصينية، وشركة "PCCW" العالمية من هونج كونج، وشركة "أورانج" الفرنسية التي يفترض أن تمد عبر شركتها الفرعية "أورانج مارين" قرابة 1200 كم من الكابل في غرب البحر الأبيض المتوسط. 

وتعتبر واشنطن أن مسار الكابل يرسم خرائط الطموحات العسكرية لبكين، حيث توجد أول قاعدة للجيش الصيني خارج أراضيه في جيبوتي، كما تُشغّل الصين ميناء جوادر الباكستاني، الذي يمكن استخدامه كقاعدة بحرية. عملياً، لم تستجب باريس للاعتراض الأمريكي بحجة ضرورة عدم عزل الصين عن المجتمع الدولي، وواصلت الشركات الفرنسية العمل في مد الكابل.

وفي مجال آخر، تشعر واشنطن بالقلق من التمدد الصيني في الخليج العربي، وبالأخص في مجال الصناعات العسكرية، ففي عام 2019 تأسس مختبر الابتكار العلمي والتكنولوجي الصيني- الإماراتي (CEST) ليختص بنقل تكنولوجيا الطائرات بدون طيار الصينية إلى الإمارات.

ويقع مقر المختبر في مجمع صناعي بأبوظبي تملكه شركة "المجموعة الذهبية العالمية" المملوكة جزئيا للصندوق الإماراتي (توازن). وهي شركة تشير "وكالة الاستخبارات الدفاعية" التابعة للبنتاغون إلى أنها انخرطت في دعم أنشطة "فاغنر" الروسية في ليبيا عبر شرائها مروحيات وأنظمة دفاع جوي ودبابات من بيلاروسيا، وإرسالها إلى مقاتلي فاغنر بليبيا.

ووفقاً لدورية إنتليجنس أونلاين، فقد زار قادة عسكريون أمريكيون الإمارات في أغسطس/آب 2020 لاستجلاء مدى وجود استراتيجية إماراتية فيما يتعلق بانتشار التكنولوجيا العسكرية الصينية، كما طلب الكونغرس من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تقديم تقرير عن التكنولوجيا الدفاعية والأمنية وأشكال التعاون الأخرى بين الصين والإمارات، وذلك في ظل المخاوف من نقل تكنولوجيا وأنظمة دفاع أمريكية حساسة إلى الصين عبر الإمارات. 

القلق الأمريكي تزايد مؤخراً مع عرض شركة "المجموعة الذهبية العالمية" الإماراتية طائرة مسيرة استخبارية وهجومية من طراز "النسر الذهبي" تنتجها شركة "Norinco" الصينية، وذلك في معرض دبي للطيران المنعقد في نوفمبر 2021.

رصد التعاون الصيني- الإماراتي لا يقتصر على النواحي العسكرية فقط، إذ دعا مجلس النواب الأمريكي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي ضمن "قانون تفويض الاستخبارات لعام 2022" مدير الاستخبارات الوطنية "أفريل هاينز" إلى تقديم تقرير في غضون شهرين حول التعاون الصيني الإماراتي في القطاعات الاستراتيجية، وذلك في  ظل الاستثمار المشترك لشركة سينوفارم الصينية وشركة "المجموعة 42" الإماراتية في عدد من المشاريع في صربيا.

من المفارقات أن واشنطن لعبت دورًا أساسيًا سابقاً في تحقيق تعاون استراتيجي بين شركات من البلاد الثلاثة، فعندما رفضت إدارة أوباما في عام 2010، بيع طائرات بدون طيار إلى الإمارات، اشترت أبوظبي لاحقًا طائرات مسيرة صينية طراز "وينغ لونغ" ثم زودتها بتقنيات إلكترونية متطورة من إنتاج شركة "إليبت" الإسرائيلية

"المجموعة 42" الإماراتية هي مُشغّل مشروع الجينوم البشري في الإمارات، وتعمل على تطوير منصة "استخبارات جغرافية مكانية" قادرة على دمج مصادر مختلفة من صور الأقمار الصناعية إلى تدفق الفيديو. وقد وقفت أيضاً خلف تطبيق "تيك توك" الذي صُمم للاستحواذ على البيانات الشخصية للمستخدمين، قبل حذفه من متجري آبل وجوجل بعد صدور تحذير من الاستخبارات الأمريكية. ويرأس "المجموعة 42" الصيني بنج شياو أحد أعضاء مجلس أمناء جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، والرئيس السابق لأول شركة إماراتية اقتحمت مجال البيانات الضخمة، وهي شركة بيجاسوس التابعة لشركة "دارك ماتر" التي تمتلك مراكز بحث وتطوير في الأمن السيبراني بالصين.

تحظى "المجموعة 42" بعلاقات متزايدة مع شركات الأمن السيبراني الإسرائيلية، وقد افتتحت في العام الحالي مكتباً لها في تل أبيب، وهو ما يجعل مجتمع الاستخبارات الأمريكي متخوفا من تشكل تحالف تمتزج فيه التقنيات الإسرائيلية مع التمويل الإماراتي والبنية التحتية الصينية المتطورة في المجال السيبراني. 

ومن المفارقات أن واشنطن لعبت دورًا أساسيًا سابقاً في تحقيق تعاون استراتيجي بين شركات من البلاد الثلاثة، فعندما رفضت إدارة أوباما في عام 2010، بيع طائرات بدون طيار إلى الإمارات، اشترت أبوظبي لاحقًا طائرات مسيرة صينية طراز "وينغ لونغ" ثم زودتها بتقنيات إلكترونية متطورة من إنتاج شركة "إليبت" الإسرائيلية.

عقبات في وجه واشنطن

تمثل منطقة الخليج العربي إحدى ساحات الصراع على النفوذ بين واشنطن وبكين، وبالأخص في ظل التخوفات الأمريكية من قدرة الصين مستقبلاً على إعادة تشكيل النظام الدولي وتحييد النفوذ البحري الأمريكي عبر ربط المصالح الاقتصادية للعديد من الدول بالمصالح الصينية بالتوازي مع عدم تدخل الصين في الشؤون الداخلية لتلك الدول مما يجعلها حليفاً مفضلاً وأقل إزعاجاً من واشنطن.

وتحاول واشنطن استخدام صفقة بيع طائرات للإمارات طراز F-35 البالغة تكلفتها 23 مليار دولار لدفع أبوظبي بعيداً عن بكين. بينما تسعى أبوظبي من جهتها إلى تنويع علاقاتها الخارجية وعدم الاقتصار على التحالف مع واشنطن، وبالأخص في ظل الانسحاب الأمريكي من المنطقة، وبزوغ الصين كلاعب صاعد بقوة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد مولانا
باحث في الشئون السياسية والأمنية
باحث في الشئون السياسية والأمنية
تحميل المزيد