أنوار مانديلا و”جومو سونو”.. صراع كرة القدم السوداء ضد الفصل العنصري بجنوب إفريقيا

عربي بوست
تم النشر: 2021/12/06 الساعة 15:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/28 الساعة 12:50 بتوقيت غرينتش
الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا - رويترز

في عام 1910 تم إنشاء اتحاد كرة القدم بدولة جنوب إفريقيا، اتحاد تم تأسيسه على خلفية عنصرية، وكان أهم قراراته استبعاد اللاعبين أصحاب البشرة السوداء من كافة الأندية المؤسِّسة للاتحاد مهما كانوا أغلبية أو مميزين.

مع بداية تقنين العنصرية في جنوب إفريقيا عام 1913، لم يعد بإمكان السود أن يكونوا مالكين لأراضٍ أو محلات أو عقارات خارج المحميات المقيمين فيها، كانت سياسة الفصل العنصري بدأت في جنوب إفريقيا بشكل حاد ومُخيف وبرعاية بريطانية.

مع دخول شركات التعدين الأجنبية البلاد، بالتزامن مع توحُّش نظام الفصل العنصري، بدأت تلك الشركات في إقامة وتنظيم دورات كروية بين العمال؛ لرفع الحالة المعنوية لهم، كرة القدم والرغبي هما الطريق وهما أسهل وأقرب الرياضات لقلوب العمال البسطاء، كرة القدم تخص السود، والرغبي يمارسها العمال البيض.

نادي أورلاندو بيراتس ارتبط بشركة تعدين، وبدأ في محاولة جذب عمال سود وخرق القوانين للعب كرة القدم، ولكن تصادفه المشاكل بسبب حتمية وجود تصريح للمواطنين السود للتحرك بِحرية من مدنهم وقراهم، أورلاندو بيراتس لم يكن مجرد نادٍ عادي، كان مؤسسة تحمل شعار الصلاة والرياضة.

الهدف منه هو تطوير شبكة تضامن تتمحور حول كرة القدم والدين المسيحي، حيث يُنظر إلى النادي على أنه وسيلة لإبعاد الأطفال عن العصابات وتنظيم المناسبات الاجتماعية.

كرة القدم في قبضة العنصرية

في عام 1948 سقطت البلاد بشكل نهائي في قبضة العنصرية العلنية والمقننة. وصل الحزب القومي الذي يغلب عليه الطابع العنصري إلى السلطة، وانقسمت البلاد إلى قسمين من وجهة نظر عنصرية، كما تم حظر الزواج بين السود والبيض، وتم تصنيف السكان إلى أعراق مختلفة ووضع قطاعات الإسكان مفصولة.

وكان طبيعياً أن تتبع كرة القدم هي الأخرى السياسة القبيحة ذاتها، وهو ما حدث وبشكل أعمق. اتبعت كرة القدم خطى الفصل العنصري مع العديد من الاتحادات الرياضية. واحدة للبيض وواحدة للسود وواحدة للهنود وواحدة للأعراق الأخرى المختلفة. وفي عام 1974 تم حظر جنوب إفريقيا لفترة مؤقتة من "فيفا". وبعد أحداث قتل الطلاب السود في ثورة الطلاب، تم الحظر مرة أخرى بشكل نهائي عام 1976. لم يعد بإمكان جنوب إفريقيا المشاركة في أي تجمع قاري أو دولي لا على صعيد الأندية أو المنتخبات.

كان التصور العام لدى البيض في جنوب إفريقيا أن الرجل الأسود لا يستطيع أن يفعل شيئاً في كرة القدم، فالكرة لدى البيض لعبة الأذكياء، وفي نظرهم السود أغبياء، حتى ظهر "جومو سونو" ووقّع لنادي نيويورك كوزموس بجوار بيليه وبيكنباور. وفي 10 فبراير/شباط 1979، قرر البيض تنظيم مباراة بين فريق كرة قدم يمثلهم وهو هايلاندرز باركس، ضد النادي الذي يمثله اللاعبون السود وهو أورلاندو بيراتس. وافق البيض من واقع الثقة التي تصل لحد الغرور، على مشاركة "جومو سونو" مع السود، ولكنه اعتذر بسبب تعارض المباراة مع موعد زواجه.

تدخَّل القس الشهير "ديزموند توتو" وطلب من جومو تغيير موعد الزواج ولكنه رفض. ويوم المباراة، وفي أثناء ذهاب جومو لحفل زفافه قرر تشغيل الراديو لسماع المباراة، فوجد فريقه متأخراً في بدايتها بهدفين، وسمع توسلات المذيع بالانضمام إليهم لو كان يسمع ما يحدث.

وعلى طريقة الأفلام خلع جومو ملابس الزواج وارتدى ملابس الكرة ونزل قبل نهاية الشوط الأول بلحظات، ليلعب ما تبقى من المباراة ويقدم لزملائه ثلاث تمريرات حاسمة ويحرز هو نفسه هدفاً، ليفوز فريقه برباعية.

فوز مهم ورمزي ساهم في تسليط الضوء على ما يستطيع السود أن يفعلوه في مجتمع لا يؤمن بأحقيتهم ولا بأغلبيتهم ولا بحقوقهم المسلوبة منهم منذ قرون، من رجال ظنوا أن الله خلقهم بلون بشرة مختلف، فهم الأكثر عملاً وذكاء واجتهاداً، وبالتالي استباحوا ظلم من سواهم.

في عام 1996 نظمت جنوب إفريقيا بطولة الأمم الإفريقية على أرضها عقب السماح بعودتها للكرة العالمية بعد تخلصها من سياسات الفصل العنصري.

بطولة كانت مميزة، ملاعب جيدة غير معتادة في دول إفريقيا، طرق تشجيع مختلفة، الفوفوزيلا المزعجة الأشبه بطنين الذباب.

مع منتخب جيد يقوده مارك فيش ولوكاس راديبي ومارك ويليامز والراحل فيل ماسينجا ومجموعة من المواهب الجديدة علينا بالساحة والتي تظهر لأول مرة في بطولات إفريقيا بعد سنوات طويلة من الابتعاد.

شاركت مصر بمنتخب يقوده رود كرول، واستطاعت هزيمة جنوب إفريقيا على ملعبها ووسط جماهيرها بهدف المهاجم "أحمد الكاس"، قبل أن تخسر مصر في ثمن النهائي أمام زامبيا وتفوز جنوب إفريقيا بالبطولة الأولى في تاريخها.

أنوار نيلسون مانديلا

ثم في 5 ديسمبر/كانون الأول من كل عام، يحيي العالم ذكرى المناضل نيلسون مانديلا، رئيس المؤتمر الوطني الإفريقي وقائد عملية التحرر من السياسات العنصرية في بلاده والتي دفعت البلاد ألى حرب أهلية ومقاطعة من كافة دول العالم.

الرجل الذي قبع في سجن جزيرة روبن لمدة سبعة وعشرين عاماً، دون أن يرى النور ولو مرة واحدة، كان ثابتاً على مبدئه، محارباً من أجل وطنه، حتى خرج وقاد مع الرئيس دي كليرك مفاوضات التخلص من تلك السياسات القبيحة، ليأتي به شعبه رئيساً للبلاد ويفوز بجائزة نوبل للسلام، وينشر الأنوار في البلاد، قبل أن يسلم السلطة ويموت في عام 2013 عن عمر يناهز 95 عاماً، ولولاه لما نظمت إفريقيا كأس العالم. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

تحميل المزيد