قد تؤذينه بالوهم.. كيف تتخلصين من هاجس إصابة طفلك باضطراب التوحد؟!

عدد القراءات
1,075
عربي بوست
تم النشر: 2021/12/04 الساعة 09:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/04 الساعة 09:33 بتوقيت غرينتش
قد يعاني طفلك من بعض الأعراض التي تتشابه مع أعراض التوحد، لكنها لا تعني بالضرورة أنه مصابٌ به/ Istock

بعد انتشار الوعي الكبير في المجتمع باضطراب التوحد انتشرت ظاهرة خوف بين الأمهات الجدد من خطر إصابة أطفالهم به والاستماع لنصائح الصديقات والسؤال في المجموعات الإلكترونية عن كل عرض وسلوك يفعله الطفل ويخشى أن يكون سمة من سمات التوحد.

حتى صار الخوف مرَضِياً لدى بعض الأمهات، الخوف شعور فطري طبيعي إن كان في حدود المعقول، لكن حينما يسيطر على عقولنا وحياتنا فلابد من نقطة نظام تعيد ترتيب الحياة وتوازنها، ويجب أن نعلن شعار "إيمانك يجب أن يكون أكبر من خوفك"، آخذين الأسباب والسعي إليها بعين الاعتبار، ولذلك دعونا نعرف معاً كيف نستطيع التخلص من هوس إصابة الطفل باضطراب التوحد.  

بين أمهات الأمس واليوم

بين أجيال مختلفة يطرأ سؤال مُلح على أذهاننا هل كانت التكنولوجيا والانفتاح على العالم والانفجار المعرفي خيرٌ جمٌّ فقط أم إنه زاد من حيرة الكثيرين وتشتتهم؟

فبين أمهات الأمس واليوم فارق كبير وأهم سمة فارقة هي أن أمهات الأمس كنّ يكتفين بنصيحة الأهل والمختصين مع السعي والرضا وبذل الجهد، وإن قُدّر لطفلهم أن يصاب، يبذلون ما بوسعهم للحد من الاضطراب. بلا شك هناك البعض منهن أخطأ التعامل ولم يحسن التصرف أو لم يسارع بالتدخل المبكر، لكن الانفتاح المعرفي هذا لم يكن خياراً لديهن مما جعلهن أكثر قناعة بما في أيديهم.

وعلى النقيض تماماً، أمهات الجيل الحالي لديهنّ كل الوسائل الممكنة من علم وتقدم وازدهار معرفي وسهولة التوصل لكل جديد في شتى المجالات، وهذا ما كان يتمناه الناس قديماً، لكن للأسف كثرة الموارد المعرفية وغيرها زادت من حيرة الناس، فجعل الناس يتخبطون بينها ولا يعرفون من أين يبدأون وكيف يستمرون والى أين يصلون.

بلا شك هناك من استطاع أن يضع لحياته نقطه نظام وواصل السير بخطوات منتظمة مهتدياً بنصح الخبراء ومطبقاً لكل استراتيجية مفيدة له ولطفله، ولكن في الأعم الأغلب لازال تائهاً وفاقداً لضبط بوصلته مضيعاً وجهته متخبطاً بين نصح الصديقات ورأي الكبار وخوفه من حدوث ما لا يحمد، واعتبار كل تشخيص هو علامة للإصابة بالتوحد أو غيره وأخذ كل تشخيص على محمل الجد بشكل مبالغ فيه مما يصيبهم وطفلهم باضطراب نفسي نتيجة القلق المفرط والخوف من خطر الإصابة بالتوحد، ويبالغون أجَل لكنهم يحاولون الوصول لنتيجة مرضية لهم ولطفلهم.

وهناك فئة أخرى تتنافى تماماً مع سابقتيها، وهي الأمهات التي لا تبالي بشيء سوى نفسها، ولا تهتم لا لتربية طفل أو رعايته أو حتى الخوف عليه من أي مرض أو اضطراب، وتعتبر أن طفلها دائماً معافىً متعلماً ذاتياً ولا يحتاج سوى المأكل والمشرب فقط!

هذه الأعراض لا تعني دائماً أن الطفل مصاب بالتوحد

هناك حالات وأمراض كثيرة بأعراض ظاهرية تشبه بعض جوانب اضطراب التوحد، ولذا فإن تشخيص هذه الحالات يحتاج إلى متخصصين يقومون بدراسة الحالة دراسة متأنية للوصول إلى التشخيص المناسب، وإليك بعض الحالات التي قد تختلط مع التوحد لتشابهها ببعض أعراضه.

        صعوبات الارتباط العاطفي

عدم قدرة الطفل على إقامة روابط عاطفية مع الوالدين، وغالباً ما يحدث ذلك نتيجة الحرمان العاطفي أو القسوة، وهذا لا يعنى البتّة أنه مصاب باضطراب التوحد، بل يحتاج إلى الإشباع العاطفي والتعامل بشكل تربوي سليم معه.

        الاضطرابات اللغوية التطورية

قد يحدث تأخر في النمو اللغوي لدى الطفل، وعادة ما يكون نموه الاجتماعي طبيعياً نسبياً، فيعتقد الأهل أن أي تأخر في النمو اللغوي يعني أنه مصاب بالتوحد، وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق، بل يتعلق باضطرابات اللغة التطورية، ويحتاج إلى تشخيص دقيق، ومتابعة مع مختص متمرّس في المجال.

        اضطراب فرط الحركة

يؤدي فرط وزيادة الحركة إلى قلة التركيز في النشاط، ويخلط الكثير من الأهل بين اضطراب فرط الحركة والتوحد، فيعتبرون كل طفل مصاب بفرط الحركة مصاباً بالتوحد، ولكن هذا غير صحيح، وليس شرطاً أن يتواجدا معاً، لذا نكرر أن التشخيص الدقيق والتدخل المبكر هما أول وأهم الخطوات للاطمئنان والتعافي.

اضطراب فرط الحركة لا يعني إصابة طفلك بطيف التوحد/ Istock
اضطراب فرط الحركة لا يعني إصابة طفلك بطيف التوحد/ Istock

        الصمت الاختياري

بعض الأطفال يتكلمون في مكان ما كالمنزل مثلاً، ولكنهم يمتنعون عن ذلك في مكان آخر كالمدرسة، وعادة ما يكون ذلك طبيعياً في الأطفال حتى سن الخامسة من العمر، إلا أن بعضهم قد يكون لديهم مشاكل سمعية أو بصرية أو حتى نفسية، ولكن لا يعني ذلك أنه متعلق فقط بالتوحد وسيبقى التشخيص الدقيق هو المفتاح السحري لحل كل المعضلات.

•         الاكتئاب

يصيب الاكتئاب والحزن جميع الأعمار نتيجة عوامل مختلفة، لكن التعبير عنها يكون بصورة تجعل من الصعب القيام بتشخيصها، وقد يكون هناك تأخر في اكتساب المهارات الحركية والفكرية، وعند سن الدراسة تظهر علامات الحزن والانطوائية وعدم القدرة على التركيز والفشل الدراسي، فيعتقد البعض أن طفلهم مصاب بالتوحد، وقد يكون هذا غير دقيق تماماً.

        اضطراب قلة الانتباه والتركيز

هي حالة نفسية وعصبية تتميز بوجود تركيز ضعيف عند الطفل المصاب أقل مما هو متوقع لمن هم في عمره، ويصاحبه نشاط حركي زائد وسلوكيات متهورة، وتظهر دون سن السابعة في كثير من الأطفال المصابين، ويصيب الذكور عشرة أضعاف الإناث تقريباً، وأسبابه غير معروفة، ولكن تتركز على إصابات الجهاز العصبي، كما تختلف الأعراض من طفل إلى آخر، وقد تصاحب التوحد لكنها لا تعنى الإصابة بها منفردة، فيجب الرجوع إلى التشخيص الدقيق من خلال الدليل التشخيصي الإحصائي للجمعية الأمريكية للطب النفسي من خلال المختصين.

لتكونى أكثر اطمئناناً

إذا أظهر طفلك مثل هذه السلوكيات فعليك مناقشة الأمر مع طبيب الأطفال الخاص بطفلك، وسيقوم هو بتحويلك إلى طبيب المخ والأعصاب لتقييم حالة طفلك وتشخيص الدماغ والعمود الفقري والجهاز العصبي، وبعد ذلك يتم تقييم الطفل من قبل المختصين في مجالات التخاطب والسلوك.

ويتضمن تشخيص اضطراب طيف التوحد خطوتين:

1-   فحص نمو الطفل والتقييم التشخيصي الشامل.

2- إجراء تقييم شامل يتضمن (مراجعة معمقة تحلل سلوك الطفل وتطوره الشامل، مقابلة مع أولياء الأمور، إجراء اختبار السمع والبصر، الاختبارات العصبية والجينية).

كيف نحصل على الوعي الذي نريده، دون قلق؟

الموارد المعرفية والعلمية كثيرة أجل لكن ليس كل ما يعرض يناسبنا ولا يمكننا تطبيقه كله، مثل معلوماتنا عن التوحد، التي قد تقول إن الأعراض كذا وكذا، لكن لا يعني وجود عرضٍ منها، أن نضطرب ونحمل هموم الدنيا معتقدين أن الطفل مصاب بالتوحد.

وعليهِ، فيما يلي بعض النصائح والإرشادات التي تعينكِ على التركيز في خطواتك المعرفية، لتستطيعي الوصول للهدف دون أن تضلي الطريق، إليكِ بعضها:

  • حددي هدفك بوضوح وبصياغة ذكية، ويمكنك معرفة كيفية صياغة هدف ذكي من خلال البحث عبر الإنترنت، فهو متوفر بكثرة.
  • ركزي على الهدف وذكري نفسك به طول الوقت مستعينة بالكتابة، وألصقي بعض أهدافك أمامك في المطبخ أو غرفتك أو الردهة لتتذكري جيداً ما تسعين إليه.
  • خذي من الموارد والدورات قدر حاجتك، وطبقي قدر استطاعتك في حدود المعقول.
  • ضعي خطة مرنة قابلة للتعديل والإضافة عليها.
  • طبقي والتزمي بالخطة وكافئي نفسك حتى تستمرى.
  • تابعي مع مختص ماهر يساعدك في وضع الخطة وتطبيقها وتقييمها.
  • قيمي التطبيق واعرفي ما هي مواطن الضعف والقوة.
  • عدلي الخطأ وكافئي نفسك على الإنجاز.
  • استمري، إن تعبتِ ارتاحي لكن إياكِ أن تستسلمي.
  • استمتعي بكل خطوات الطريق دون التركيز على الوصول فقط.
  • تذكري أن الحياة رحلة تعلم وليست نهاية المنى.
  • تذكري دوماً أن عليكِ السعي فقط وليس تحصيل النتائج وأنه لا نتائج مطلقة أو ثابتة في الدنيا وهذا سيخفف من حدة توترك ويجعلك تستمتعين برحلتك فيها.

كيف تتخلصين من هاجس إصابة طفلك باضطراب التوحد

  • الإنسان عدو ما يجهل: اعرفي ما هو التوحد وكيف يمكن الإصابة به وأهم المؤشرات العامة لتجنب الإصابة به.
  • ركزي على التجارب الناجحة: اقرأي تجارب أمهات ناجحة في التعامل مع أطفالهم المصابين بالفعل بالتوحد لتدركي أنه حتى الإصابة به ليست نهاية العالم، ‏الحياة محطة اختبار وكل منا له اختباره.
  • ركزي على طرق الوقاية منه،‏ ركزي على توفير بيئة صحية آمنة.
  • لا تُعيّشي نفسك وأسرتك حدثاً قبل أوانه، انسجمي مع الحياة بوعي وحرية مسئولة دون خوف مفرط ولا مبالاة حد الإهمال، اسألي المختصين عند حدوث ما يقلقك.
  • توقفي عن الاستماع لمشكلات الأمهات ومتابعة مجموعات وصفحات "الماميز" ونصائحهن عن تربية البيبيهات.
  • تذكري أنك لست سوبر ماما أو سوبر woman: حياتك لا تشبه أحداً.. ما سيحدث لك وما لن يحدث يخصك وحدك فتوقفي عن حمل هموم العالم على أكتافك وعن الاستعداد لمواجهة ومحاربة مخاطر المستقبل التي هي مجرد احتمالات قد تحدث أو لا تحدث لكن الأكيد أنها ستقتلك خوفاً وقلقاً وتنكد عليك صفو عيشك.
  • ركزي على نقاط القوة أكثر من الضعف، ركزي على ما يجعل حياتك وطفلك آمنة وصحية.
  • للكون رب يحميه ويدبر أمره: التوكل والاستسلام والتفويض لله أبرد للقلب والعقل والوجدان.
  • تابعي مع طبيب متخصص إذا لاحظتِ أي أعراض حقيقية، لكن في الآن ذاته تذكري أن بعض الأعراض عارضة، قد لا تستدعي ذلك القلق الكبير.
  • لا تظلمي طفلك بالوهم، فتجعليه يعيش وهم المرض، وهو بالفعل معافى، وقد لا يكون يعاني من أي شيء، وقد يكون في مرحلة سهلة التدارك.
  • لا تظلمي الأسرة بإهمالها في مقابل القلق المبالغ فيه تجاه الطفل، فيجب الموازنة والتعامل بحكمة.
  • مصدركِ الوحيد هو المختصون وليست جروبات فيسبوك.

في النهاية.. قد تكمن الحلول في أبسط الطرق وأقربها، الحل السحري ليس دائماً هو الأصعب أو الأطول أو الأعقد، والطفل السوي المعافى ليس هو من يملك كل شيء بالعالم. هو الآخر له معاناة مختلفة.

البساطة والوضوح، الحب والاهتمام، التوكل والتفويض لله مع الأخذ بالأسباب والسعي، مفاتيح النجاح والوصول لكل هدف، فنعم قد تخشين من إصابة طفلك بالتوحد أو غيره، لكن إياك أن يفقدك خوفك متعة حب طفلك والاهتمام به ورعايته، وبدلاً من ذلك تعاملينه بالخطأ معاملة المريض ويحيا حياة ليست حياته نتيجة خوف سيطر على حياتكم، اطردي الخوف وليكن إيمانك اكبر من خوفك.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

آلاء مهدي
مدونة مصرية، وتربوية متخصصة فى الموهبة وصعوبات التعلم
حاصلة على بكالوريوس العلوم فى التربية الخاصة، كلية التربية الخاصة، جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، باحثة ماجستير صعوبات التعلم بكلية علوم الإعاقة والتأهيل، جامعة الزقازيق
تحميل المزيد