خلال الأيام السابقة ظهرت بعض المعارك التي انشغل بها الإعلام المصري مع رجل الأعمال نجيب ساويرس، ومطرب المهرجانات عمر كمال، مع الفارق بين الشخصين، إلا أن الهجوم الذي شمل الاثنين كان لمجرد كلمات خرجت اعتبرها النظام المصري تستحق العقاب؛ حيث نالت كما يقولون من "حرم مصر" الذي لا يجب المساس به، وسرعان ما نال الرجلين عددٌ من الاتهامات والهجوم من خلال الإعلام المصري، إضافة إلى القضايا التي تطوع بعض المحامين لرفعها أمام المحاكم المصرية لمحاكمتهما.
رجل الأعمال نجيب ساويرس، انتقد في تصريح له استحواذ الجيش على الاقتصاد المصري وأنه بذلك يضر بالقطاع الخاص، وإذا تناولنا هذه الكلمات من حيث المضمون فالأمر لا يتعدى كونه إشارة إلى الدولة للفت النظر إلى أمر ما، ولم يرقَ إلى اتهامات بالفساد أو غيره، ومن حيث الشخص القائل فالرجل لا يحتاج إلى تعريف من ناحية أنه مشارك للدولة فيما تقوم به، وأحد حلفائها الكبار الذي يساهم معهم في قطاعات كبيرة من خلال أنشطته المعلنة الاقتصادية والإعلامية وغيرها، وهذا أقرب إلى أنه كان من المنطقيّ أن تقابل تصريحات الرجل بنوع من التفهم وليس الهجوم.
كذلك المطرب الشعبي عمر كمال، الذي خاض معركة كبيرة مع نقابة المهن الموسيقية بسبب كلمات "خمور وحشيش" التي ما زالت تطارده حتى بعد تعديلها إلى "تمور وحليب" خلال حفله في جدة، فإن كانت الأولى أفسدت الذوق العام، فالثانية تبعها تعليق عن "طهارة أراضي الحرمين" سرعان ما ترجَمتها أدوات النظام المصري الإعلامية إلى "عدم طهارة الأراضي المصرية"؛ وبالتالي فالرجل يستحق المحاكمة على إهانة مصر، ويتم توعده بالفصل من النقابة، وربما هذا لا يكفي في نظر الإعلام المصري الذي يغار على اسم مصرـ الذي لم يُذكر أصلاًـ إلى هذه الدرجة.
المحتوى الذي تم بسببه الهجوم على عمر كمال وساويرس وغيرهما الكثير، هو مجرد أمر طبيعي الحدوث في أي مكان، سواء انتقاد أمر اقتصادي من قبل رجل أعمال أو "المزاح مع جمهور سعودي ببعض الكلمات" في حفل لمطرب شعبي، لكن الحالة التي رسَّخها النظام المصري من خلال الجهاز الإعلامي هي حالة تستهدف صناعة قدسية خاصة لبعض المصطلحات مثل اسم مصر أَو الجيش المصري، لتتَضمَّن بداخلها من غير ذكر مباشر "النظام المصري" وهو المعنِي في النهاية بالحماية والدفاع عنه وليس شيئاً آخر.
وهنا يأتي التساؤل عن الدور الحقيقي الذي يقوم به الإعلام المصري، والذي أصبح أمنيّاً أكثر من كونه إعلامياً، يقوم بدور الحراسة والتفتيش والتقاط سقطات من هنا وهناك؛ ليقوم بسبق أمني في إبلاغ النيابة العامة وليس سبقاً إعلامياً يناقش فيه موضوعات هامة ويتيح فيها الحرية لمن أراد أن يعبر عنه نفسه أو رأيه.
امتد الدور نفسه ليطال النقابات المهنية، فما قامت به نقابة المهن الموسيقية مع المطربين الشعبيين خلال هذه الفترة هو امتداد للدور الشمولي الذي امتازت به الدولة بكامل مؤسساتها، فمسألة "الحفاظ على الذوق العام" هو أمر يخضع للتفاوت في الرأي ويتم بحثه من خلال آليات عديدة، وإلا فمسألة المنع في ظل العالم الرقمي الذي أصبحنا نعيش فيه غير فعالة ولن تجدي في منع المحتوى الذي شاع بشكل غير مسبوق.
لكن اللافت في الأمر ليس تقييم أغاني المهرجانات، إنما هو حديث نقيب الموسيقيين هاني شاكر، عن منعه لعدد من المطربين، وآخر قرار بتحويل عمر كمال إلى التحقيق، أنه فعل ذلك بدافع وطني، وهو ما روَّج له الإعلام بدوره، إذ لا يملك أن ينتقد شيئاً "وطنياً"، وتناسى الجميع مسألة الحرية والإبداع التي هي أساس لعمل الفنانين، وإن كانت هناك من أُسس يجب احترامها وعدم تجاوزها، فهل من المنطقي أن تخضع لعقل النقابة حسب مفهوم الوطنية لديها؟
هل أصبح سيف "الوطنية" كما يراها النظام المصري هو السيف الذي يتم تسليطه على جميع قطاعات الشعب المصري بالحق أو بالباطل، وهل دور الإعلام والنقابات المهنية أن تُستعمل كأداة قمع، بغض النظر عن خصوصية كل حالة وأسبابها، أم أنه من الواجب أن تنفصل وتؤدي دورها بشكل مستقل؟
لقد أصبحت سلوكيات النقابات المهنية والإعلام المصري، أقرب لسلوكيات الإعلام والمؤسسات في العهد الشيوعي، إذ تعتبر النظرية الشيوعية أن وسائل الإعلام هي أدوات للحكومة وجزءاً لا يتجزأ من الدولة، والدولة يجب أن تملك وتقوم بتشغيل هذه الوسائل، والحزب الشيوعي هو الذي يقوم بالتوجيه.
كما يعتبر كارل ماركس، المؤسس الأول لهذه النظرية، أن الوظائف التي تقوم بها وسائل الإعلام هي نفسها الوظائف التي يقوم بها الجهاز الحاكم، وتتمثل هذه الوظائف في العمل من أجل بقاء وتوسع هذا النظام.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.