تشير الفاشية إلى شكل من أشكال القومية الراديكالية الثورية، والتي عادة ما تسمى "القومية المتطرفة"، والتي تهدف إلى "إعادة ميلاد" الأمة، فأصحابها يفضلون الأعمال بدلاً من البرامج السياسية التفصيلية. كما تتميز الفاشية بتمجيد العنف والعمل العسكري، والتعبئة الجماهيرية، والقيادة الكاريزمية. فيما يتعلق ببرنامجها الاقتصادي، فإن الفاشية تفضل بنية اقتصادية وطنية غير ليبرالية، ويعتقد أنصارها أنها تمثل "طريقاً ثالثاً" بين الرأسمالية والشيوعية، على الرغم من بعض أوجه التشابه مثل: مناهضة الليبرالية ومناهضة المساواة، إلا أن النظام الفاشي يختلف عن الأشكال التقليدية للديكتاتورية اليمينية؛ لأنه لا يتطلب فقط الطاعة السلبية من المواطنين، أو على الأقل غياب المعارضة، ولكن يتطلب المشاركة السياسية النشطة وارتفاع منسوب الثقة لدى الجماهير. على هذا النحو، لا تميل الأنظمة الفاشية إلى أن تكون سلطوية فحسب، بل تميل أيضاً إلى الشمولية، على الأقل في الطموح.
تم استخدام مصطلح "الفاشية" لأول مرة لوصف الحركة الإيطالية بقيادة بينيتو موسوليني في فترة ما بين الحربين العالميتين، وهي الوحدات الأصلية للمعارك Fasci di combattimento التي أسسها موسوليني في عام 1919، وتعني كلمة Fascio باللغة الإيطالية حزمة من العصي أو النقابة. علاوة على ذلك، أصبح شعار fascio littorio هو الرمز الأكثر شعبية للحركة الفاشية. وبالنسبة للأوساط الأكاديمية، كانت الفاشية موضوعاً للدراسة منذ الثلاثينيات، ومع ذلك، ظهر ما يعرف بـ"الدراسات الفاشية" في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وقدمت ثلاث مدارس فكرية تصوراً للفاشية، وهي كالآتي:
- النهج القومي.
- النهج التاريخي.
- النهج العام.
فيما يتعلق بالأولى، يرى بعض العلماء الفاشية على أنها ظاهرة وطنية فريدة من نوعها يحدها الزمان والمكان، وكان المؤرخ الإيطالي رينزو دي فيليس، من خلال دراساته المتعمقة بالحالة الإيطالية الموسومة بـ"موسوليني الدوتشي: سنوات الموافقة (1929-1936)"، ويركز هذا التحليل على أن "الفاشية" القومية لها خصوصياتها التي يحددها الزمكان، مثل الإيطالية (الفاشية) أو الألمانية (النازية)، والعديد من الأنظمة "الفاشية" في جنوب وشرق أوروبا كالكتائب الإسبانية، أو الحرس الحديدي الروماني، أو صليب السهم المجري.
ثانياً، يدعي باحثون آخرون أن الفاشية هي أولاً وقبل كل شيء ظاهرة تاريخية يجب فحصها في ضوء سياقها، لذلك فهي مشروطة بمسقط رأسها الأصلي- أوروبا في فترة ما بين الحربين العالميتين-، ويعرض الباحثون مقاربة براغماتية للفاشية كظاهرة سياسية ولدت من ظروف تاريخية محددة للغاية: الحرب، والأزمات الاقتصادية، والاضطرابات الاجتماعية والسياسية، وقد خلقت كل هذه الظروف في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي مزاجاً عنيفاً ومتشدداً، كما تزايد السخط وانعدام الثقة في النخب السياسية التقليدية، مما مهد الطريق أمام الحركات والأحزاب السياسية الراديكالية والمتطرفة.
أخيراً، يُعرِّف بعض الباحثين الفاشية على أنها ظاهرة سياسية عامة أكثر من تلك التي حدثت في الزمن (مثل فترة ما بين الحربين العالميتين) والمجال (مثل بلدان أوروبية محدد)، رغم ذلك لا تزال الحالتان الإيطالية والألمانية مراجع مهمة، ولكن يمكن أيضاً تطبيق المفهوم على حالات أخرى، داخل هذه المدرسة الفكرية، نجد على سبيل المثال التفسير الماركسي، الذي يُطلق عليه أيضاً نظرية الوكيل the agent theory، والذي يعود تاريخه إلى عشرينيات القرن الماضي ويرى الفاشيين كأيادٍ مسلحة لحماية المصالح الرأسمالية. ويمكن أيضاً العثور على نفس النهج، الذي لا يأخذ في الاعتبار المواصفات الوطنية المكانية أو الزمنية، في نظرية الفاشية باعتبارها النسخة اليمينية من الشمولية أو التوليتارية. هنا، يتم تحليل النازية الألمانية والفاشية الإيطالية في فترة ما بين 1921-1939، من ناحية، والاتحاد السوفييتي في عهد ستالين من ناحية أخرى، على أساس أوجه التشابه الأساسية في المواقف والأشكال التنظيمية والأساليب السياسية.
في الختام، يعتمد مدى استمرار وجود الفاشية كظاهرة سياسية منظمة بعد الحرب العالمية الثانية على كيفية تصورها، فإذا بحثنا عن استمرارية زمنية للفاشية التاريخية، فقد يجادل البعض بأن عدداً قليلاً فقط من الحركات الفاشية نجت من الحرب، وأبرزها الحركة الاجتماعية الإيطالية، والحركة السويدية الجديدة ، والحزب القومي الاشتراكي الألماني. ومع ذلك، إذا بحثنا عن مجموعات ذات إشارات أيديولوجية وتاريخية إلى الفاشية التاريخية، فيمكننا تضمين أحزاب ومجموعات مثل "CasaPound Italia" منذ عام 2008، وحركة المقاومة الشمالية NMR: Nordiska Motståndsrörelsen منذ 2001 في السويد، لقد دافعت هذه المنظمات والأحزاب عن شرعية الفاشية التاريخية وهي تحاول أن تعيد هذه الأيديولوجية المتطرفة إلى الواجهة، وذلك عبر إحياء خطاب الكراهية الموجه ضد اللاجئين والأجانب والأقليات الدينية، باختصار، الغرب يتجه نحو سيادة الخطاب الشعبوي الفاشي، والذي يحاول تقويض الديمقراطية والليبرالية التعددية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.