الصومال، تلك الدولة العربية الإسلامية ذات الأهمية الجغرافية السياسية، نظراً لموقعها الاستراتيجي؛ إذ تقع في منطقة القرن الإفريقي وتتمتع بأطول شريط ساحلي على البر الإفريقي مما جعلها مطمعاً للدول الأجنبية، ومثار فتنة لجيرانها لرغبتهم في استئثار جزءٍ من الفطيرة الصومالية الاستراتيجية، وتنبع هذه الأهمية من الموقع الجغرافي بسب قربها لكلٍّ من منطقة البحر الأحمر والمحيط الهندي، وتمركزها في نقطة لقاء قارتي إفريقيا من الغرب وآسيا من الشرق، وإشرافها على البحر الأحمر الذي يربط البحر العربي والمحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط بواسطة مضيق باب المندب، وهذا هو الموقع الذي ربط آسيا بإفريقيا عن طريق الموجات البشرية الزاحفة من شبه الجزيرة العربية إلى قارة إفريقيا، تتميز الصومال بتمتعها بجميع مصادر القوة لبناء دولةٍ قويةٍ، مكتفية ذاتيّاً؛ إذ تتوفر فيها المساحة والموارد الطبيعية الغنية ولما تتميز به المنطقة من الخصائص الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، والحضارية.
الدولة الصومالية دائماً ما كانت على المحك بسبب الحكومات الضعيفة السابقة التي كانت تحكمها، وعدم توفر السمات الأساسية لقيام الدولة بها، مما أدى إلى العديد من الصراعات الجوهرية التي كان من نتائجها تقسيم الصومال، ونهب ثرواته، وإعاقة أبنائه عن الاستقرار، وإلغاء دور الشعب المغلوب على أمره، وبرغم أن هذه أحداث سابقة والدولة الصومالية تتعافى وعلى مسار الازدهار والتطور في القرن الحالي، تحتل الصومال في الآونة الأخيرة محل أنظار واهتمام العالم لتتبوأ بذلك مكانة على مستوى دول العالم؛ إذ بدأت في استقطاب العديد من الدول التي قامت بإعادة فتح وإعمار سفاراتها في الدولة وإعادة العلاقات الصومالية الدبلوماسية للتعاون في المصالح المشتركة في جميع المجالات وتقديم الدعم الإنساني والعسكري، وكذلك رغبة العديد من الشركات من مختلف دول العالم في القيام بأعمال تجارية واستثمارية في جميع القطاعات، وافتتاح مؤسسات مالية جديدة بنظام متطور وعالمي في الصومال، ويرجح رغبة بعض الدول في اتخاذ الصومال مقراً ثابتاً ونقطة استراتيجية من منبع التنافس الدولي على هذه الدولة واعتبار كل جهة أن لها الأحقية في الصومال؛ بمعنى الحصول على جزء من بواعث ومجالب القوة التي تمتلكها هذه الدولة ومحاولة الاستيلاء عليها، وتحاول الكثير من الدول مجاملة الصومال وتفرض أخرى نفوذها عليها بعد سطوع أهمية دولة الصومال وقيام دولة ذات هيكل تنظيمي متكامل قد يكون له مدى كبير في التأثير في المنطقة والعالم يتخطى البعد المحلى والإقليمي المتوقع.
الصومال في هذه المرحلة بحاجة إلى جميع الدعم الذي يمكن أن يحصل عليه من جميع الأطراف سواء كانت من الدول أم من الأمم المتحدة لاستمرار الدولة بالسير بقوة متماسكة، بعد النهوض وقيام حكومة فعلية، ولإنجاز ذلك يرحب الصومال بجهود كل الدول التي تدعمه ويعدها شريكاً إقليمياً يساعده في التقدم إلى الأمام، تعد المرحلة الحالية مرحلة مصيرية يتم فيها إجراء الانتخابات الرئاسية لاختيار الرئيس العاشر لجمهورية الصومال، وتسير البلاد التي تسعى لإحداث تغيرات جذرية واعتماد دستورٍ دائمٍ لها نحو خطى ثابتة ومسار صحيح لتحقيق أهدافها والرؤية التي تطمح لها.
العملية الانتخابية في الصومال
تتم الانتخابات في جمهورية الصومال حالياً عبر اتخاذ نظام انتخاب عشائري، باسم نظام الـ"4.5"، وهو نظام يقسم المقاعد الانتخابية لأربع حصص ونصف الحصة، وتذهب الحصص الأربع الكاملة لأكبر أربع عشائر في البلاد، والنصف الأخير لمجموعة عشائر تمثل الأقلية.
وتدير العملية الانتخابية لجنة الانتخابات الفيدرالية واللجان الإقليمية في الولايات ولجان حل المنازعات الأساسية ويعيَّن أعضاء هذه اللجان من خلال التوافق بين مقديشو ورؤساء الولايات؛ وذلك لاختيار أعضاء مجلس الشيوخ (الغرفة العليا في البرلمان ) 54 مقعداً، وتم الانتهاء من هذه المرحلة في الشهر السابق، وتم البدء بالخطوة الثانية وهي اختيار أعضاء مجلس الشعب (الغرفة السفلى في البرلمان) 275 مقعداً، التي ما زالت مستمرة، مع ملاحظة إصرار اللجان التأكيد على حصة المرأة وارتفاع مشاركتها في البرلمان بنسبة 30% وهو ما يدعمه الدستور الصومالي الحالي، وبعد اكتمال الانتخابات في مجلسي الشعب والشيوخ، يجتمع المجلسان اللذان يشكلان البرلمان، وعبر الاقتراع السري لأعضاء البرلمان يتم بذلك اختيار رئيس الجمهورية من بين المرشحين لرئاسة الدولة.
المرشحون الأوفر حظاً للرئاسة وسعة نطاق الدعم
رغم أن الانتخابات البرلمانية ما زالت مستمرة وفور اكتمال العدد الكلي لأعضاء البرلمان 329 نائباً، سيتم بشكل رسمي تسجيل المرشحين للرئاسة لتقديم خطتهم السياسية للبرلمان، وهناك مجموعة من المرشحين يحظون بفرصة أكبر لرئاسة الصومال حسب شخصية وسياسة وشعبية كل فرد والدعم الداخلي والخارجي الذي يتمتع به، لذلك يعدون الأقوى في المنافسة على الحكم.
لا يخفى على أحد التدخل الأجنبي المؤثر على سياسة الصومال بشكل كبير وتموضع بعض دول داخل الصومال ودورها الذي لعبته في إخماد الأزمة السياسية التي حدثت مؤخراً بين الرئيس المنتهية ولايته والقائم بأعمال رئيس الوزراء، لذلك في ظل هذا النظام العشائري الذي تتم بموجبه الانتخابات، والتي تعد قبلية تعددية وعشوائية نوعاً ما في الانتخابات البرلمانية قد يؤدي إلى تدخل أكبر من جانب الدول الأجنبية والدفع بمرشحهم المفضل وتحفيزه لمواصلة التقدم نحو الأمام، وذلك لعدم وجود شفافية ورقابة ذات مصداقية، وبالتالي لا بد أنها تلعب دورا استراتيجياً ومهمّاً في الانتخابات الرئاسة الصومالية القادمة.
هذه المزاحمة لا تكاد تخلو من الإثارة والضجة التي تزيد من حدة السباق ووطأة المنافسة على الرئاسة وتجذبنا لا إراديّاً للميل نحو مرشح رئاسي معين بحيث لا مجال للإلهاء، للاستقصاء والبحث عن الأسباب التي تجعلهم مرشحين أفضل من غيرهم، ويتمتعون بمزايا تجانس وتندرج ضمن المعايير والقواعد الرئاسية لاختيار الرئيس المثالي.
لذلك سأحاول تخصيص هذه المساحة للتعريف بالمرشحين الأوفر حظاً في الرئاسة على ثلاثة أجزاء للمقال، وسأتناول في هذه الجزئية شخصيتين مهمتين:
- محمد عبد الله محمد
يترشح الرئيس الملقب بـ"فرماجو" لرئاسة الصومال مرة أخرى، هناك اعتقاد راسخ ومتداول أن يعود فرماجو لرئاسة الصومال لفترة رئاسية أخرى أو على أقل أن تمتد فترة ولايته لعامٍ آخر نظراً للبطء في إجراء عملية الانتخابات الجارية.
قام الرئيس المنتهية ولايته باتخاذ العدالة والمساواة شعاراً لحزبه، لذلك قام بتغيرات عديدة خلال فترة حكمه؛ مما أكسبه شعبية بين الشعب وتأييد الكثير له من الداخل وفي الخارج، وتدعم الرئيس المنتهية ولايته دول كثيرة نظراً لتوجهاته السياسية وشعبيته، منها دول الخليج وتركيا وإثيوبيا وإريتريا وكذلك كل من الولايات المتحدة وبريطانيا ومن المرجح أن تدعمه الصين.
بشكلٍ عامٍ علاقاته الدبلوماسية مع الدول في الوقت الحالي بها نوع من الحذر كونه مرشحاً رئاسياً، ويعتقد أن احتمال عودته للحكم كبيرة، الرئيس المنتهية ولايته قام بكثير من الإنجازات خلال فترة توليه الحكم ويقوم بكثير من التغيرات الإيجابية في الوقت الحالي، وما يحتاجه هو مزيد من الوقت؛ وهو ما لا يملكه كون ولايته منتهية ويسابق مع الزمن للحصول على فرصة رئاسية جديدة مع تنافسه ضد المرشحين الآخرين.
حسب الباحث السياسي نور الدين ربو المرشح والرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو يحظى بولاء ثلاثة رؤساء من ولايات الفدرالية الذين تم تعيينهم بتدخل مباشر منه، ما يعني أن انتخاب نواب هذه الولايات لفرماجو يعتمد بمدى قرب وقوة العلاقة بين فرماجو وقادة تلك الولايات.
من وجهة نظري، لا يمكن اعتماد انتخاب نواب تلك الولايات الثلاث لفرماجو حصراً، نظراً لقربه من رؤساء تلك الولايات، لا شك أن البعض سينتخبه ولكن مع التقلبات والتحالفات والمفاجآت التي دائماً ما تحدث واتخاذ بعض النواب مدى قناعتهم بالبرامج السياسية التي سيقدمها المرشحون أساساً للتأثير على توجههم وتصويتهم للمرشح المناسب للرئاسة تبقى هذه مجرد احتمالية.
المرشح والرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو أكاديمي وسياسي عمل في الدبلوماسية منذ التسعينيات، مؤسس حزب العدالة والمساواة وأمينه العام، فاز برئاسة الصومال عام 2017، وكان فوزه كاسحاً، ونتيجة غير متوقعة للأغلبية، حقق العديد من وعوده الرئاسية التي ضمن بها إعادة دور الصومال واستعادة كرامة وشرف المواطن الصومالي في المحافل الدولية، حتى إنه تخلى عن جنسيته الأمريكية كمبادرة للتأكيد على أهمية الافتخار بالجنسية الصومالية والوطنية وكون الشعب مواطنين ولهم دولة قادرة على حمايتهم وتحقيق مطالبهم، يستطيعون بكل جرأة وبصوتٍ عالٍ الافتخار بها في ميادين الدولية والمحلية؛ مما زاد من روح الوطنية لدى الشعب، من المهام التي قام بإتمامها بنجاح، وتستحق الإشادة ورفع قبعاتنا احتراماً لها خوضه معركة النزاع البحري مع كينيا، ورفعها في محكمة العدل الدولية، وكسب الصومال القضية بجدارة، واستعادت حدودها البحرية التي كانت ملكها وجزءاً من خريطتها منذ البداية، يعد هذا إنجازاً تاريخيّاً يبرهن خروج الصومال من حالة الضعف وبزوغ بوادر القوة وشدة التحمل لضغوطات الدبلوماسية غير عادلة، والتي أنهكت حكومتها المثابرة، والتي ناهضت بعزمٍ للحصول على أحقية ملكيتها من الطمع الكيني غير الشرعي، ومن نجاحاته أيضاً تعزيز وتمكين المؤسسات العسكرية في الدولة؛ إذ كانت رواتب الجيش تصرف شهريّاً حتى اليوم على خلاف الحكومات الأخرى، قام بتنمية قطاع الطيران ومكن الطيران المدني، ومنحت شركات الطيران شهادات المشغل الجوي لأول مرة منذ ثلاثين عاماً، تصدى للفساد في الداخل، واتخذ موقفاً حيادياً من الأزمة الخليجية التي أظهرت أن الصومال قادر على اتخاذ مواقف حاسمة في قضايا إقليمية دولية، وأعاد تعمير وزارة البريد والاتصالات والتكنولوجيا الحديثة، من بعض الإخفاقات في فترة ولايته أولها محاولة تمديد الحكم، التي ربما كادت أن تهوي بالبلاد نحو القاع، ونشوب حرب أهلية الصومال في غنى عنها حالياً، الفشل في تصدي لحركة الشباب بقوة، إذ إن هجوم زوبي كان أكبر هجوم دموي يحدث في الصومال، لا ألومه ولا الحكومة؛ إذ إن الحركة المتطرفة تقوم بهجمات منذ وقتٍ طويلٍ ومحاربتها تحتاج تكاثفاً من قبل الجميع، في العموم المرشح والرئيس المنتهية ولايته فعل الكثير من أجل الصومال وما زال يحاول، لذلك يستحق الحصول على ولاية أخرى وأن يصب تركيزه على تقوية علاقاته مع رؤساء الولايات وتعزيز الحكومة الحالية وإضافة التعديلات اللازمة والضرورية وتعيين ذوي الكفاءات العالية والهمة، لتحقيق النتائج المنشودة ومستقبل أفضل لجمهورية الصومال.
- حسن شيخ محمود
رئيس سابق للصومال وسياسي رفيع، عرف المرشح بكونه إسلاميّاً معتدلًا، وأنه أكاديمي وناشط اجتماعي وأستاذ جامعي ومؤسس جامعة الصومال الوطنية، ولكن المرشح حسن شيخ محمود اليوم هو شخصية سياسية ذات صيت عالي وهو مؤسس والرئيس الحالي لحزب السلام والتنمية السياسي، ويترشح بقوة للرئاسة القادمة، المرشح رجل متعلم ومثقف له احترام كبير في المجتمع، كانت من أهدافه الرئاسية السابقة الإصرار على تحقيق مصالحة وطنية شاملة ومحاربة الأيديولوجيات المتطرفة بالعلم قبل السلاح، هو أول رئيس اُنتخب عبر انتخابات عادلة تجري لأول مرة داخل الصومال بعد 43 سنة، وكذلك أول رئيس ينتخب بعد عملية إعادة الإعمار، التي بدأت من عام 2000، اتهم في فترة رئاسته بالفساد، واستغلال السلطة والمحسوبية، بالإضافة إلى فشل حكومته في ردع حركة الشباب التي استهدفت مناطق حساسة في الدولة عبر تفجيرات دموية وترافقها مع عمليات اغتيال عديدة لنواب البرلمان، ولا يمكن لومه بالتحديد؛ لأن ذلك تطلب عملاً حكوميّاً متكاثفاً من جهة والأفراد من جهة أخرى، يملك المرشح شعبية كبيرة في داخل ويتمتع بتأييد كبير من أنصاره بفضل شخصيته الحكيمة وسياسته، ورغم بعض التصادمات السياسية التي انتهجها فترة رئاسته؛ فإنه ما زال يحظى بتأييد ودعم كبير من جميع الدول بلا استثناء بفضل العلاقات القوية معها، وبالأخص تركيا ودول الخليج، من إنجازاته حظر الأسلحة، تعزيز البنك المركزي للصومال، تنظيم اللغة الصومالية، تمكين الخدمة القضائية، قام بالعديد من المبادرات لتنمية الشباب وحقوق الطفل، سعى جاهداً لتنمية وإعمار الصومال، ووقع اتفاقات عديدة، وأسس مجلس المعوقين الصومالي، المرشح سياسته واضحة، ومعروفة للشعب ودول الجوار والمجتمع الإقليمي، لا أحد يعارضه، ولا حتى على ترشحه للرئاسة، والشيء العجيب في الأمر أن الكل يريده، ولا يريده في الوقت نفسه، ربما لرغبتهم في التغيير، للاختلاف على شعبيته ومحبة الجميع له.
السؤال هنا: ما الجديد الذي سيضيفه المرشح الرئاسي حسن شيخ محمود لدولة الصومال؟
يتبع..
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.