منقوش على جدران الفاتيكان: فليغفر الله للجميع إلا باجيو

عدد القراءات
928
عربي بوست
تم النشر: 2021/12/02 الساعة 14:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/03 الساعة 08:56 بتوقيت غرينتش
روبرتو باجيو بعد إهداره ركلة جزاء في نهائي مونديال 1994

تقلّد المسؤولية وساماً واتكأ على إمكانياته فخانته قدماه، لحظات تمضي ومع مرورها تترك أثراً لمجد سُطرت صفحاته بأحرف من ذهب.

يُجبَر قرّاؤها على الوقوف احتراماً لتميز انفرد في سرد حكايته عما حوله تارة، وترفع قبعات آخرين لرائعة من روائع فنون الجلد المدور، ليكون معاكساً لقوانين الطبيعة فيها، فما أن تهب رياح السنوات مروراً لتمحوا بعضاً من معالمه حتى يزداد رسوخاً في دفاتر التاريخ. يتوهج لمعاناً في سماء الأخير ليضيء أمجاداً ولّى ذكرها.

روبرتو باجيو بعد إهداره ركلة جزاء حسمت نهائي مونديال 1994

يرسم سبيلًا يستدل به من أراد أن يلامس المجد في طريق هم كثرٌ من ساروا فيه، وقلة هم من نقشوا أسماءهم على جنباته. روبيرتو باجيو اسم أضاء سماء كرة القدم العالمية وبحروف الاسم ذاته اكتوى بلعنة نهائي مونديال 1994 لتنقش بعدها الأحزان على أسوار الستين مدينة بإيطاليا، وعلى أجراس كنائسها صدحت أصوات زائريها ونقشت على أسوار الفاتيكان فليغفر الله للجميع إلا باجيو.

ذلك ما سُرد، وتلك كلمات ما دوّن في صفحات إيطاليا وسجلات كرتها العالمية، وما كان قبل ذلك إرثٌ ما إن يُقرأ التميز في أحد أسطره، حتى يليه آخر يحمل من الإبداع الشيء الكثير.

روبيرتو باجيو الذي أبصر النور في 18 من فبراير/شباط 1967، ومن مدينة كالدونو خطا أولى خطواته، ولامست كرة القدم قلبه قبل أن تُداعب قدماه إياها، عشقه لكرة القدم لم يلبث أن يضيء في سنة حتى يتوهج في أخرى، لتكون محطة فيتشنزا هي البدايات لانطلاق قطار النجومية في مسيرة لاعبٍ فرض ذاته نجماً أينما حل، بدايات لامست التألق بأقدام صاحب 15 ربيعاً، والذي استمر رفقة نادي الشمال الإيطالي 5 سنوات، أمضى توقيعه خلالها على 13 هدفاً مغازلاً بها شباك الخصوم.

سنوات اكتسب من خلالها نضوجًا، لينتقل إلى نادٍ أكبر من سابقه، فمن جمال أسوار مدينة فلورنسا استمد تميزه، فيورنتينا قلب فلورنسا النابض في الكالتشيو والتي تمكن فيها باجيو من نسج إبداعاته في سمائها.

6 سنوات سطع فيها نجم باجيو مع الفيولا مُدوناً اسمه على 39 هدفاً وبمجموع 94 نزالاً في مختلف المنافسات، ولأن الكالتشيو كان قبلة النجوم آنذاك، فما أن يخرج من باب أحد أنديته حتى يدخل إلى آخر، ولأن من يجانب الكبار لا يستهويه البقية، كانت مدينة تورينو وعريق أنديتها السيدة العجوز هي الوجهة والغاية المرجوة، وبمبلغ هو قياسي في ذلك الوقت قدر بـ 19 مليون دولار أمريكي ليستمر العطاء ذاته، ويعتلي قمم الأمجاد بعد أن فرض نفسه رقماً صعباً بين كبار النجوم ويزداد قرباً من قلوب عاشقيه، ليخوض 141 مواجهة بألوان البيانكونيري وبرصيد 78 هدفاً اختتم مسيرته معه.

عدم اكتفائه بنادٍ واحد وتفكيره المتواصل بخوض تجارب متجددة كان ملازماً لمسيرته، والتي قرع أجراس التألق فيها مجدداً مع أحد أعرق رموزها الكروية، ميلان كبير إيطاليا وحامل لواء المجد في المعارك الخارجية، نجاحات كُتبت في دفاتر دوريات إيطاليا وكؤوسها التي احتسى فيها باجيو طعم التتويجات وعزف على ألحانها منفرداً في مسارح أعرق أنديتها، مجيئه إلى ميلان زاد من تألقه، فتمكن من حصد الأسكوديتو رفقة الديابولو.

ويدخل تاريخ الكالتشيو من أوسع أبوابه بكونه أول لاعب في تاريخ الدوري الإيطالي يتوشح رداء البطولة مرتين على التوالي مع فريقين مختلفين، ورغم عدم بقائه في أسوار ميلان كثيراً إذا تمكن من توقيع 12 هدفاً فقط في مجموع 51 مواجهة، إلا أنه ترك أثراً جميلاً في قلوب عشاق النادي اللمباردي، وبعد بقائه حبيس الدكة في ميلان وجد حريته مع بولونيا والذي نجح معه من العودة إلى دك شباك الخصوم بمعدلات كبرى وبمحصلة 22 هدفاً في 30 لقاء.

روبرتو باجيو بقميص منتخب إيطاليا
أسطورة إيطاليا روبرتو باجيو في مونديال 1994

خطوات باجيو

لمعان بدأ يخفت وميضه فبعد بولونيا وقع مع قطب ميلانو الأزرق والذي لم تسِر الأمور فيه كما يجب، حيث ارتفع صوت الخلافات بين باجيو والمدير الفني للفريق آنذاك مارشيلو ليبي، ليغادر من الباب الضيق ويستقر على خيار بريشيا والذي وقع معه سنة 2000، لينجح في إشباعه رغبته بعدم الاعتزال متوارياً وراء ستار النسيان، لتكون بريشيا على موعد مع تدوين 43 هدفاً خلال 95 مباراة، ويدون اسمه في سجلات عظم هدافي الكالتشيو بما يناهز المائتين ونيف من الأهداف باحتلاله المركز الخامس خلف بيولا ونوردال ومياتسا وألتافيني.

تلك خطوات قد خطاها باجيو مع مختلف الأندية والتي قابلها تألق مع الأزوري، إذ شارك في 3 كؤوس عالمية، والتي بدأ نسج خيوط التميز فيها في مونديال 1990، والذي كان شاهداً على أول أهدافه المونديالية، تميز تواصل في مونديال 1994 ووقتها ذرفت إيطاليا الدموع واغرورقت أعين عشاقها بعد ضياع الحلم بكرة باجيو التي أخطأت الطريق فتاهت معها إيطاليا في دروب الأحزان.

وتظل علامة الجزاء هي علامة تجرع منها باجيو طعم الآهات، ويستمر ذكراها مؤلمة لكل من شاهدها، ويظل وقعها شديداً مهما مرت السنوات مبتعدة عنها باجيو لم يفقد الأمل وحاول في مونديال فرنسا 1998 ولكن محاولاته لم تؤتِ أكلها، لتكون نسخة عاصمة الأضواء آخر الصفحات المونديالية في تاريخ باجيو رفقة الأزوري، والذي نجح معه في تسجيل 27 هدفاً في 56 مباراة.

تاريخ نُقشت حروفه بالذهب، ودونت كلماته بحبر الإبداع الذي انفرد في صياغته وسرده، ليكون مرافقاً للقمة في حاضره، ويستمر ذكره ملامساً إياها وإن تلاشت أقدامه من أسوار ملاعب كرة القدم والتي كتب آخر صفحاته فيها سنة 2004، ملاعب هادئة هي كانت، فما إن وطئت قدماه أراضيها حتى عانقت سماؤها روحه، وتغنت باسمه قلوب العاشقين، باجيو ساحر نثر إبداعاته على مسارح كرة القدم العالمية ليتواصل وقعها مع مرور السنوات ويظل صداها يصدح في سماء تاريخ كرة القدم.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صالح الهمالي
صحفي رياضي وإعلامي ليبي
صحفي رياضي وإعلامي ليبي
تحميل المزيد