أخيراً وبعد أشهر عجاف احتجبت فيها فلا جديد يقدم بالكلام أو يُضاف، ضلّ فيها قلمي طريقه، وزاد في خصومته مع نفسي وأفاض، ذلك كان شعار قلمي في أشهر مضت، ولكنه اليوم عاد، بعد أن واجه ما نراه في بلادنا ظاهره جماد، بركان غضب كلما ضاقت عليه جوانبه انفجر في نفسه، ولا يدري عن ذلك غيره.
تابعت باهتمام بالغ ردود الأفعال الغربية، والمساحات التي خُصصت لها في صحف شهيرة، صبت جام غضبها على الكابتن محمد أبو تريكة، وكالوا له الاتهامات، حتى وصل ببعضهم الأمر إلى مطالبة شبكة "بي إن سبورت"، بفسخ تعاقدها معه؛ عقاباً على ما اقترفه من جريمة شنعاء، كما يراها هؤلاء!
لم تستوقفني ردود الأفعال الغربية على الأمر؛ كونها ليست المرة الأولى التي نرى فيها التطرف والانتقائية في المواقف، وعدم الاتزان في الطرح، والانحياز العاطفي على حساب القيم الإنسانية، بل ومصالح شعوب الأرض ومستقبلهم، تحقيقاً لرغبات حُكام العالم وأسياده، الذين لم يكتفوا بإفقار العالم، بل يطمحون لما هو أسوأ، بالعبث في فطرة البشر وتحويلهم إلى حيوانات مُطيعة في تنفيذ الأوامر، شرسة في تحقيق رغباتها بمنطق الغاب.
أما الذي شدّ انتباهي وأجبر قلمي على الكتابة فهي تلك الكلمات التي أطلقها البعض من بني جلدتنا، آخذين نفس الموقف الغربي، واصفين حديث الكابتن محمد أبو تريكة بالجريمة، ومن بين هؤلاء زميل عزيز له إسهامات كبيرة في مجال حقوق الإنسان، تركت على كلماته تعليقاً مقتضباً حتى يحين وقت الاستفاضة.
عُدت إلى حديث الكابتن، وبعين الناقد الساعي، للوقوف على خطأ، أو أن أجد منطقاً معتبراً استند إليه الزميل في اتخاذ موقفه.
استمعت منصتاً لحديثه حتى لا يأتي أحدهم فيقول عني "مُنحاز"، لِمَ لا؟ فأنا أهلاوي يجد في التالتة شمال عاصمةً لجزء من اهتماماته، لم يمنعه انشغاله بقضايا حقوق الإنسان والعمل العام عن تشجيع فريقه.
انتهى البحث، ومن منظور حقوق الإنسان لم أجد في حديث الكابتن محمد أبو تريكة سوى استخدامه لحقه في التعبير عن رأيه حول قضية الميول الجنسية "الشاذة"، التي وصفها بالخطيرة والفجة، والتي تُجرّمها الأديانُ، وتنتقص من كرامة الإنسان، وتتعارض مع فطرته، ودعا إلى ضرورة التوعية بالتربية والتعليم للحفاظ على الأجيال القادمة.
لم أجد تهديداً واحداً ولا تحريضاً بالإيذاء البدني أو النفسي على أصحاب هذه الميول، ولم يستخدم أي لفظ يُفهم منه احتقار أو إهانة، اقتصر حديثه عن السلوك الذي يراه منافياً للفطرة، وفيه امتهان لكرامة الإنسان، وهذا في طرح وعرض الآراء يندرج تحت بند الموضوعية واحترام الآخر، فمن أين جاء من أدلوا بدلوهم بقائمة الاتهامات؟ وكيف يستطيع الإنسان التعبير عن وجهة نظره برفض سلوك فئة مجتمعية يتنافى مع فكره وقيم مجتمعه ودينه؟ أم أن القواعد تُفعّل في حين وتُعطّل في أحيان أخرى، نزولاً على رغبة من يمنحون صكوك التحضر!
إن تقبّل الآخر هو أن أرفض فكره وسلوكه إذا كان مخالفاً لفكري، دون أن أعتدي عليه، أو أن أمتهن كرامته، لا كما يفعل هؤلاء من كذب وترهيب وهُراء.
أخيراً وقبل الختام أودّ أن أشير إلى نقطة، يجب على مُقدسي الحقوق الفردية المنتمين فكرياً للغرب أن يُدركوها، وهي في عُجالة:
اعتياد المجتمعات على نمط حياة وسلوكيات معينة ومستمرة لفترة من الزمن يصنع عرفاً وشكلاً للحياة، حتى وإن كانوا بلا قيم أخلاقية لا يلقى أي فعل شاذ، دخيل أو حديث الالتحاق بالمجتمع قبولاً لديهم، وبالتالي يوجه بمراعاة النمط، ومن هنا أدعوكم لاحترام قيم المجتمعات العربية كما تحترمون وتتكيفون مع القيم الغربية.
كل مجتمعات العالم تجمعها حزمة من القيم كالخير والشر ومساعدة المحتاج والتضامن والتكافل، والحقوق، كالحق في الحياة، وحرية التعبير والإبداع، وحرمة الجسد، والمحاكمات العادلة، والتعليم، والتنقل، والسفر، والحريات التي تكفل بعضها القوانين وتجرم غيرها، ولكن نفس المجتمعات المتفقة في بعض الأمور تختلف في البعض الآخر، فلكل مجتمع خصوصيات ودين ورغبات أفراده التي تحدد ما الحقوق وإطارها وشكل استخدامها، ونطاق الحرية المسموح بها، وغيرها من الحريات التي تُمثل جريمة، وعليه كلُّ محاولات فرض فعلٍ منبوذٍ ومُجرّمٍ من مجتمع على مجتمع هو جريمة ضد الإنسانية.
الحق تكفله وتُنظّمه الدساتير والقوانين، واستخدامه دون تعسف لا يمثل جريمة تحت أي ظرف من الظروف، وهذا ما قام به الكابتن محمد أبو تريكة، مستخدماً حقه في التعبير عن الرأي، في مسألة تندرج تحت بند الحرية، فللحرية درجات، منها ما هو مكفول، ومنها ما هو منبوذ، ومنها ما يمثل جريمة، فالإنسان الحر في عقيدته ودينه حر في جسده وعلاقاته، سواء كانت طبيعية أو شاذة، ولكن المجتمعات اختلفت، فمنها ما يكفله قانونها، ومنها ما يجرمه، وأبو تريكة ينتمي لمجتمعٍ منظومتُهُ الأخلاقية والدينية والقانونية تُجرّم هذا النوع من الحريات.
مجتمع لا يحرّض على اقتحام وانتهاك حرمة منازل من يأتون بهذه الأفعال داخل منازلهم، ومن لا يسعه السر في شذوذ أفعاله ينتقلُ إلى براح مجتمعات تبيحها علناً وتصفها بالسلوك الطبيعي.
فيا كل من كتب كلمات بثوب من أسقطه هواه في بحر العوج، وشهد بما يروق له القلب مفترياً على الحقيقة.
يا من تحمل في نفسك قيمة، وفي القلب منهم كل مُدافع عن حقوق الإنسان، لعظمة شأنهم وطهارة رسالتهم، لسنا أوصياء على أحد، ولا نملك الحق في فرض وجهات نظرنا على الناس، التماشي مع الأفكار الغربية والمواقف المتناقضة لا يصنع رأساً يسعى لبناء الإنسان بالمعرفة، ولا قلباً يُدرك حقيقة أنه رغم اختلاف الألوان والأعراق فإن قلوبهم واحدة، ولا ضمير يتألم مع كل جريمة أو انتهاك في حق إنسان، بل يصنع أداة جديدة في يد من أفقروا العالم ويستعبدون أهله.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.