هل تعبير “الاغتصاب الزوجي” موجود في الإسلام، وكيف تراه الشريعة؟

عدد القراءات
761
تم النشر: 2021/12/01 الساعة 10:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/09 الساعة 11:56 بتوقيت غرينتش

هذه القضية تُطرح حالياً هنا وهناك علناً وبالخفاء، وهي مسألة واقعية مهمة تعاني منها كثير من الزوجات، فباتت تحتاج إلى جواب فيه شرح وتفصيلات، ولذا لدي في البداية 3 نقاط سأطرحها أولاً ثم أبين الحكم:

– لا شك أن تعبير "الاغتصاب الزوجي" غريب، لأن فيه كلمتين متناقضتين، فكيف يكون "زوجاً شرعياً" ويكون فعله "اغتصاباً"؟!

 ولعله يُعبِّر عن حياتنا الحالية المليئة بالمتناقضات، ولذلك شاعت العبارة، وأصبحت متداولة للتعبير عن المعاشرة بالإكراه، فلا بأس أن نقولها ونستعيرها لأن العامة والفقهاء أصبحوا يستعملونها.

كما أننا ألفنا هذه التعبيرات المتناقضة؛ فنراهم يقولون "جرائم الشرف" يعني يعترفون أنها جريمة، ورغم ذلك يثبتونها ويشرعنونها اجتماعياً! وفوقها "يباركها القانون" الذي يُعفي الجاني من العقاب الرادع حين يجعلها نخوة وشرفاً.
ويتهم ويقول "نسوية إسلامية"، يعني هو يعترف أنها "إسلامية" تدعو لحق مشروع له أدلة من القرآن والسنة، وهو من الإنسانية… ولكنه يضيف إليها كلمة "نسوية" ليُنَفِّر منها، وليُبقي المرأة مظلومة والمخالفات الشرعية كما هي.

ولعل هذه التعبيرات تُستعمل عن قصد لتكون صادمة وقوية فيتنبه الناس لعظم الجرم الذي يرتكبه أصحابها. على أني أريد أن أُبَيِّنَ أنها قد تفيد العكس، وتجعل الناس يخافون منها، ويرونها دعوى باطلة، فانتبهوا.

 كان هذا أولاً، وأما ثانياً فسوف أُذَكِّر بأمرين هما من أهم مقاصد الزواج:

1- إٕشباع تلك الغريزة التي وضعها الله في الرجل وفي المرأة.

2- تحقيق ثمرتها وهو "الإنجاب"، والتمتع بالأمومة والأبوة.

الأمر الثالث: إذا كانت المرأة راغبة بالعلاقة، مثلها مثل الرجل، فلماذا تتهرب هي منها، أو تُعرِض عن زوجها، وهي تحتاجها وتزوجت لأجلها؟

وهنا بداية الحل "اسألوا أنفسكم: لماذا؟، أو اسألوها هي"، ثم عالجوا السبب.
وإياكم أن تشجعوا الزوج على العنف معها؛ فإن المرأة حين تتهرب من العلاقة الحميمية في زمن الفتن والإباحية والجرأة والإغراء، ودغدغة الغرائز وتحريكها فلا بد أن هناك سبباً قوياً لامتناعها؛ ولقد حكى قاضي دمشق الممتاز أن امرأة جاءته ليطلقها ولم تخبره عن السبب، فاستدعى زوجها فجاءه أشعث أغبر ملابسه متسخة ومبقعة وتفوح منه روائح كريهة.. فأجل الجلسة، وهمس للزوج بكلمات وبعد ساعة ناداها القاضي وطلب من شخص اصطحابها للبيت، دهشت وارتاعت فكيف ترافق رجلاً غريباً؟! وإذا به زوجها وقد بدل ملابسه وغسل شعره وأكرمه، والقصة حقيقية رواها جدي علي الطنطاوي وكان هو القاضي، وسردتها لأقول إن الزوجة قد تنفر من زوجها لسبب وجيه (كما قد ينفر هو منها)، وبالتالي المفروض مراعاة ما يلي:

الاهتمام بالنظافة، والحذر من روائح الفم والعرق وغيرها.

ولن أقول للزوج "اختر الوقت المناسب لزوجتك وانتبه لمزاجها" فقد لا تجتمعان بالرغبة، على أن إبداء الاهتمام والعواطف يسهل القضية، فالمرأة ولو لم تكن بالمزاج فإنه من السهل دخولها به، إذا عرفت كيف تلاطفها.

عليك بوقت لا تكون منهمكة بشيء وعقلها معه، خاصة لو كان طفلكما، فراقبها ربع ساعة لتختلس لحظة تلتفت فيها إليك فيها واقتنصها، أو بادرها بالكلام والسؤال ثم انتقل بها بسلاسة لما تريده، والأفضل أن تساعدها لتنهي ما بيدها من مهام، وتؤمن طفلها، وتدعمها نفسياً لتلتفت إليك وهي مطمئنة.

  تأمين الماء الدافئ.

 – وهناك من يجهد زوجته بدعوة لأصدقائه، ويتركها وحدها كل النهار بالمطبخ، ثم يطلبها آخر الليل وقد أنهكت.

أو يشغلها بالعناية بأمه وأبيه وهي واجباته هو ومسوؤليته، أو يتأخر ليلاً بزيارتهما ويتركها وحدها بالبيت، ضجرة تشعر بالفراغ والملل والحزن، ثم يأيتها بمنتصف الليل وقد غلبها التعب والنعاس، ويعتبر أنها مخطئة لو رفضت! والذنب ذنبه والحق عليه هو.

  التأكد من أنها لا تعاني من آلام، أو التهابات، تجعلها تخاف وتبتعد.

– وبقي أمر هو أهم من كل ما ذكرت وأساسي، ولذا أحب تنبيه الأزواج إليه، لأنه قل من يلقي له بالاً:

يستطيع الرجل في مجتمعاتنا تقييد المرأة معنوياً بطلباته، وإجبارها على ما يشاء لتفعله كما يسوغون له، ويمكنه التدخل بكل شؤونها (لباسها، صديقاتها، تسمية مولودها…)، ويظن أن هذا حقه ولن يضايقها أو يحفزها ضده (خاصة حين تتماسك هي وتسكت)، فيبدو له أن الحياة مستقرة، وأنها راضية، ولكن كل هذا -ومع مرور الأيام- يتراكم عند الزوجة، ويذهب بالمودة والمرحمة، ثم يتحول إلى سخط ونفور وتمرد أو برودة، وبالتالي هو أكبر مؤثر على هذه العلاقة الحميمية؛ فالمرأة كل متكامل، ولا يمكنها الاقتراب من شخص يؤذيها وهذه أهم فكرة رغبت اليوم بإيصالها.

 ويتبع ذلك: "إهانتها أمام الناس" أو أمام أهل الزوج أو أولادها، أو"الانتقاص منها ومن قدراتها"، فإياكم من هذه الأمور، لأنها لا تمر بسلام، ولن تنسى الزوجة مرارتها.

– ومن الأزواج من يقصر بحقوق زوجته، ويتقاعس عن واجباته، ويرمي أعباءه عليها، ثم يأتيها طالباً العلاقة، فترده إما انتقاماً أو عجزاً لأنها تكون مرهقة حقاً وهي تقوم بواجباتها وواجباتها، وهذا حقها شرعاً كما جاء في "المجموع شرح المهذب: وان اختارت المقام بعد الإعسار لم يلزمها التمكين من الاستمتاع ولها أن تخرج من منزله، لأن التمكين في مقابلة النفقة، فلا يجب مع عدمها".

فالزوجة حين لا يتبقى معها الطاقة ولا المزاج ولا الوقت لتفقد زوجها، وقد كثرت عليها المسؤوليات وتعبت، فمنطقياً أن يصبح هذا حالها في العلاقة الزوجية،  فكل حق يقابله واجب، وعلى كل زوج الاهتمام بالآخر. وإن الأنانية مرفوضة، ومدمرة للزواج كله وليت الدعاة يُنَبهون الأزواج لهذا، بدل الإفتاء بأن العنف جائز، وبدل تحريض بعضهم للأزواج على أخذ العلاقة بالقوة، مما أساء للكثير من العلاقات الزوجية.

وبقي أن نسأل: هل يحق للزوج إكراه الزوجة على العلاقة بالقوة؟

والجواب: النفقة حق الزوجة، فهل لو امتنع الزوج عنها، وخبأ ماله في خزنة، فهل يحق لها كسرها وأخذ نفقتها عنوة وبالقوة؟!

ستقولون: لا، ومثلها العلاقة الزوجية، لا يجوز أخذها بالقوة، ولو كانت حقاً.

ونصيحتي أن القهر والقوة تزيدان الأمور سوءاً، وسوف يتسبب للزوجة بأذى حقيقي في جسدها، وقد أثبت الطب أن الاسترخاء والترطيب مهم للعلاقة، وإلا أصيبت المرأة بجروح والتهابات، وأذى حقيقي ظاهري، هذا طبعاً عدا عن تدميره لنفسيتها.

ولأن ديننا الحنيف يراعي كل شيء، لم يأت -بأي نص- جواز إكراهها، وإنما اكتفى الحديث بتخويفها هي، وكان الترهيب فقط من الهجر الدائم المستمر: "باتت هاجرة لفراش زوجها"، وليس الامتناع أو إظهار عدم الرغبة مرة أو مرتين كل حين، ولقد أباح الشرع للمرأة أن تمتنع بحالات المرض والألم، والحزن والهم، بل لم يحدد لها الأسباب؛ لأن الرفض شأنها، والسبب بينها وبين ربها، وامتناعها غالباً ما يكون لأمر معنوي لا تمكن رؤيته ولا قياسه، وبالتالي الزوجة أدرى إن كان يستحق الامتناع أم لا.

وهكذا ترك الإسلام للزوجة تقدير حالتها النفسية، ولذلك خاطبها هي، ولم يحرض الزوج على الاعتداء عليها حال رفضت، وإنما أوكلها لربها، وعليه هو أن يصبر ويحتسب إن رفضت وامتنعت (كما تصبر هي عليه وتحتمله).

هناك من قال: حين وَقَعَت المرأة عقد الزواج فهذا يعني أنها قبلت ورضيت بإقامة العلاقة في كل وقت وعليها الالتزام. وعجباً لمن يقوله، فهناك من ينسى أننا بشر كل يوم في شأن، ولكن الأخطر، أنه ينسى أن  كثيرات من فتياتنا أكرههن أهلهن على الزواج، وينسى أن هناك من النساء من تلح بطلب الطلاق ويرفض زوجها، ثم يجبرها على المعاشرة، فكيف يصح منه هذا؟

وهناك من يهجرها ويؤذيها، أو يغيظها بضرتها، ثم يأتيها ليذلها ويقهرها، فهل تأثم لو امتنعت، وهل هذا يحل له اغتصابها كرهاً عنها؟!

والخلاصة والحكم "لا يحل أن يكرهها (كما يفتي بعضهم)"، فالفتوى الأصح تقول: "العلاقة الزوجية  قائمة على المودة والعطف والرحمة، والله تعالى أمر الزوج بالمعروف وبحسن الصحبة والمعاملة: "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"، فلا يكون الاتصال إلا بالتراضي والإقناع وعدم الإكراه.

 وإذا كانت الزوجة لا تستطيع ذلك لسبب ما، كتعب جسدي نتيجة عمل البيت وتربية الأولاد، فليس من المعاشرة بالمعروف أن يكرهها على حاجته وعلى الجماع بالقوة، لما في ذلك من الإضرار بها، وفي الحديث الصحيح: "لا ضررَ ولا ضرار". فالأصل في علاقة الزوجين التفاهم والتراحم والتودد، لا العنف والإكراه والتعنت، وعلى الزوج أن يراعي حال زوجته، ولا يطلب منها المعاشرة في أوقات ضيقها ونفورها، وعليه أن يصبر عليها في ذلك كله ويتودد لها حتى يتم اللقاء بينهما بأحسن حال.

وختاماً.. 

أيها الأزواج والزوجات رجاء اقرؤوا هذه المقالة بعناية، وتمعنوا فيها، فإنها ستفيدكم بكل حال لأنها عامة. واعلموا أن العلاقة الزوجية الحميمية أساسها الرغبة والقبول، للوصول للمتعة والاسترخاء فلا تجعلوها قهراَ واغتصاباً ومجالاً لحرب وصراع وهي أكثر ما يقرب بين الأزواج ويصهرهما، وإذا تعسرت فاستعملوا القوة الناعمة وإياكم والعنف فإنه قد يفيد لمدة، ولكنه يفقد أثره، ويحول الحياة للخراب.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عابدة المؤيد العظم
أستاذة الفقه والشريعة الإسلامية
عابدة المؤيد العظم، مفكرة إسلامية وباحثة في الفقه وقضايا الأسرة
تحميل المزيد