يقال: "ومن يتهيب صعود الجبال، يعش أبد الدهر بين الحفر"، وعلى غرار هذا البيت من الشعر العربي كان فيلم الرعب والخيال "The Green Knight".
عن The Green Knight
يقص علينا الفيلم قصة أسطورية أرثرية، قصة الفارس جيوين مع الفارس الأخضر "The Green Knight" والتي تحدث في حقبة الملك أرثر البريطاني الذي انتزع السيف من الحجر.
وهناك يجد ابن أخت الملك جيوين نفسه بلا قصة، بلا أسطورة يحكيها وسط فرسان الطاولة المستديرة العظماء، فجلهم تتحدث قصصهم وأساطيرهم عنهم، أما جيوين فليس سوى شاب حالم.
ومن بين براثن سحر والدته، يظهر الفارس الأخضر، يقتحم قلعة كاميلوت، ويدخل بحصانه حمى الملك العظيم أرثر، ثم يلقي تحديه، فالفارس الأخضر سينتظر أن ينهض من بين جمع الفرسان ذاك فارس شجاع، يسدد له ضربة تقطع رأسه، وإذا نجح الفارس، فسيحصل على مجد لا يقارن لسنة كاملة، على أن يذهب بعد السنة إلى قلعة الفارس الأخضر، كي يسدد له الأخير نفس الضربة.
يجبن فرسان كاميلوت أمام الفارس الأخضر، لكن جيوين ينهض من خلف ملكه ويقبل تحدي الفارس المرعب، وبضربة قاصمة يقطع رأس الفارس الأخضر، لكن الفارس لا يموت، ويحمل الجسد الرأس بيده ويضحك بينما يخبر الملك وحاشيته بأنه سينتظر عاماً واحداً فقط ليرد الضربة.
يمر العام ويحصل جيوين على مجده الموعود، لكن حينما يأتي موعد رحلته للقاء الفارس، يجبن ويفقد شجاعته، يلجأ لسحر أمه كي يحمي نفسه، وتتحول رحلته الطويلة لرحلة بحث عن شجاعته المفقودة.
عن الشجاعة المفقودة
بعد صدور الفيلم في الثلاثين من يوليو/تموز خلال العام الحالي، قضيت الكثير من الوقت بحثاً عن الفيلم، متوقعاً أنه سيكون سرداً خيالياً آخر لقصة أسطورية شعبية من مفضلاتي القصصية، فطالما عشقت الملاحم الأرثرية منذ نعومة أظافري تزامناً مع معرفتي لقصة السيف في الحجر.
لكن مؤخراً فقط وبعدما نسيت الفيلم لبعض الوقت بين مشاغل الحياة، عثرت عليه أخيراً، وقررت أن أمنح نفسي بعض الوقت لمشاهدته، وبشكل أفضل مما توقعت بكثير، كان الفيلم أعظم سردية ممكنة لتلك القصة.
فبين تلك المشاهد المذهلة الأشبه بلوحات رسمها المخرج الشاب دايفيد لاوري بيديه، يمكنك رؤية الشجاعة المفقودة التي يحاول جيوين إيجادها كي يلقى مصيره المحتوم على يد الفارس الأخضر.
وهنا نجد كمشاهدين أننا لسنا أمام عمل خيالي، بل واقعي ولكن بسرد أشبه بحلم ساحر يأخذنا في رحلة يواجه فيها الفارس موته، وسط لوحة تلخص خوف البشر من الموت وبحثهم عن شجاعة مواجهته.
وبين خطوط تلك اللوحة يعطينا المخرج رمزياته التي تكشف أسرارها، فالفارس الشاب، ليس سوى فتى غر، لم ينضج بعد، ولم يواجه تحدياً مميتاً من قبل، وخوفه يتمثل في حزامه السحري الذي أعطته والدته إياه، حزام يحميه من الموت، ويقيه من كل شرور العالم، لهذا يتعلق الفارس بذلك الحزام، يظن أنه سيؤمن به حياته ويحميه من المصير المحتوم.
ولهذا في اللحظة الفاصلة التي يتعين على جيوين فيها أن يتلقى الضربة بيد الفارس الأخضر، يجبن ويهرب، ونرى حياته بأكملها وهي مليئة بالحفر، وذلك لأنه تهيّب صعود الجبل المسمى بالموت.
لكن تلك الأحداث ليست سوى حلم بعيد في عيني جيوين، حلم يجعله يدرك قول الشاعر زهير بن أبي سلمى:
"ومن هاب أسباب المنايا ينلنه.. وإن يرق أسباب السماء بسلمِ".
فيترك حزام والدته مبتسماً، يتحول لأسطورة خالدة رغم موته.
في النهاية
يمكنني القول إن الفيلم رحلة داخل الذات الإنسانية، ربما تكون بلا معنى للبعض، ولكنها بالتأكيد ستكون مثمرة لآخرين، فليس جيوين سوى بشر وليس الفارس الأخضر سوى موت محتوم، وبين هذين القطبين تتألق الرحلة الخالدة والصراع الأزلي بين مشاعر البشر ورغبتهم في الحياة وبين الموت.
فأن تموت شامخاً على قمة الجبل، خير من الحياة بين حفرِه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.