أعلن رئيس الوزراء ناريندرا مودي أن الهند ستلغي قوانينها الزراعية الثلاثة المثيرة للجدل بنهاية هذا الشهر، بعد أكثر من عام على بدء الاحتجاجات الواسعة ضدها. وقادت القوانين عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى مسيرة إلى العاصمة دلهي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لبدء اعتصام احتجاجي تسبب في اضطراب كبير، وعرقل جدول الأعمال التشريعي للحكومة، وأدى إلى مقتل كثير من المزارعين.
ومثلت هذه الخطوة تراجعاً نادراً للزعيم البالغ من العمر 71 عاماً، الذي وقف بحزم في مواجهة الانتقادات الشرسة حول الخطوات الأخرى التي اتخذتها حكومته، مثل الحظر المفاجئ للأوراق النقدية ذات الفئات العالية وإلغاء السلطات شبه المستقلة التي تتمتع بها الأغلبية المسلمة في كشمير، كما أيد قانون الجنسية الذي يستبعد المهاجرين المسلمين، حتى رغم الاحتجاجات العنيفة في بعض الأحيان.
ولكن المزارعين يشكلون كتلة تصويتية مؤثرة بشكل خاص في الهند، سواء بالنسبة لأعدادهم الهائلة أو لأنهم غالباً ما يتم تصويرهم بشكل رومانسي على أنهم قلب وروح الأمة الهندية. فهم مهمون بشكل خاص لقاعدة مودي ويشكلون أجزاء كبيرة من السكان في بعض الولايات التي يحكمها حزبه.
وجاء الإعلان في يوم مهرجان جورو بوراب، عندما يحتفل السيخ، الذين شكلوا معظم المتظاهرين، بعيد ميلاد مؤسسهم جورو ناناك. أدت القوانين الزراعية تلك بشكل خاص إلى نفور مجتمع السيخ، الذي يشكل غالبية السكان في البنجاب، إحدى أهم الولايات التي ستجري فيها الانتخابات المقبلة.
وفي البداية، حاولت حكومة مودي تشويه سمعة مزارعي السيخ، من خلال تجاهل مخاوفهم باعتبارها مدفوعة بالقومية الدينية. وأطلق عليهم بعض قادة حزب مودي اسم "خليستانيين" في إشارة إلى حركة من أجل وطن السيخ المستقل. وجاءت هذه المزاعم بنتائج عكسية، مما زاد من غضب المزارعين.
وهنأ زعماء المعارضة، الذين وصفوا القوانين في وقت سابق بأنها استغلالية وأيدوا الاحتجاجات، المزارعين.
لماذا سحبت حكومة مودي القوانين؟
يقول الخبراء إن الانتخابات سبب رئيسي. ولطالما اعتبر السياسيون الهنود أنه من غير الحكمة تنفير هذه الكتلة الضخمة، كما أنهم مهمون بشكل خاص لحزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي، ومن المقرر إجراء الانتخابات في أوائل العام المقبل في بعض الولايات الرئيسية مثل ولاية أوتار براديش، الأكبر والأكثر اكتظاظاً بالسكان في الهند، والبنجاب، ويأمل حزب مودي في استعادتها. وكلتا الولايتين لديهما عدد كبير من المزارعين، ولا سيما البنجاب.
وحزب مودي يحكم بالفعل ولاية أوتار براديش لكنه يتعرض لضغوط هائلة بسبب سوء تعامله مع الجائحة والاقتصاد المتعثر، وإذا تخلى المزارعون عن حزبه خلال الانتخابات، فلن يؤدي ذلك فقط إلى تقليص فرصه في تشكيل حكومة الولاية لولاية ثانية، بل سيضعف أيضاً فرصه في الحصول على أغلبية ساحقة في الانتخابات الوطنية لعام 2024.
وترسل ولاية أوتار براديش معظم المشرعين-80- إلى البرلمان الوطني، الذي يضم 552 مقعداً، ويتمتع حزب مودي بقاعدة ضئيلة للغاية في البنجاب، لكنه يأمل في تشكيل حكومة هناك وتعزيز قاعدته الانتخابية الوليدة في ولاية هاريانا الزراعية المجاورة، التي يحكمها حزبه. ومن جانب آخر يقول الخبراء إن القرار المفاجئ قد لا يساعد الحزب.
ماذا يعني ذلك بالنسبة للمزارعين المحتجين؟
إنه فوز لهم- على الأقل في الوقت الحالي-، فمنذ إقرار القوانين العام الماضي، خيم المزارعون في ضواحي نيودلهي، خلال شتاء قاسٍ وطفرة مدمرة لفيروس كورونا، كما خرجت مظاهرات مناهضة للقوانين على مستوى الجمهورية، وتفاوضت الحكومة في البداية مع المتظاهرين وعرضت تعليق القوانين لمدة 18 شهراً، لكن المزارعين استمروا في الضغط من أجل الإلغاء الكامل.
هل هذا يعني انتهاء الاحتجاجات؟
لم تنتهِ بعد، إذ قالت مجموعات المزارعين إنها ستواصل الاحتجاج حتى يتم سحب القوانين رسمياً خلال جلسة البرلمان المقرر أن تبدأ في ديسمبر/كانون الأول. وتقول إن الاحتجاجات ستستمر حتى تطمئنها الحكومة على الأسعار المضمونة لبعض المحاصيل الأساسية، وهو نظام تم تقديمه في الستينيات لمساعدة الهند على تعزيز احتياطياتها الغذائية ومنع النقص.
لماذا أثارت هذه القوانين الجدل؟
قالت حكومة مودي إن القوانين كانت إصلاحات ضرورية لتحديث الزراعة الهندية. ولكن المزارعين يخشون من أن تحرك الحكومة لإدخال إصلاحات السوق في الزراعة سوف يجعلهم أكثر فقراً، كما لم تكن القوانين واضحة بشأن ما إذا كانت الحكومة ستستمر في ضمان أسعار بعض المحاصيل الأساسية.
وقلق المزارعين من أن القوانين تشير إلى أن الحكومة كانت تبتعد عن نظام يبيع فيه الغالبية العظمى من المزارعين للأسواق التي تقرها الحكومة فقط، فأعربوا عن قلقهم من أن هذا من شأنه أن يتركهم تحت رحمة الشركات التي لن يكون عليها أي التزام قانوني بدفع أسعار مضمونة لهم، وقد يؤدي إلى سيطرة تلك الشركات على القطاع كله.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.