سيمفونية الوقت القاتل.. الليلة التي حصل فيها فيرغسون على لقب “سير” من الملكة إليزابيث

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/29 الساعة 13:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/29 الساعة 13:46 بتوقيت غرينتش
السير أليكس فيرغسون (رويترز)

إذا أردنا أن نقولب النجاح في مفهوم واحد فلن نستطيع إلى ذلك سبيلاً، لأن لكل نجاح قصة ولكل قصة أبطالها. والبطل يُقيَّم بحسب قوة الإنجاز وصعوبة الظروف التي وُلد منها ذلك الإنجاز.
في الـ26 من مايو/أيار سنة 1999، لم يكن هنالك حديث إلا حديث نهائي دوري أبطال أوروبا، النسخة التي صعد إلى مشهدها الختامي ممثل ألمانيا بايرن ميونخ الذي اعتاد أن يحمل لواء بلاده في المنافسات الخارجية، كما اعتاد أن يكون الوجه المضيء لبلاد الماكينات بعمل يشابهها في الدقة ويتفوق عليها في جمالية الأداء.

على المسرح ذاته صعد أيضاً الفريق الإنجليزي مانشستر يونايتد المُكنى بـ"الشياطين الحمر"، لقب أُطلق عليهم لارتداء الألوان الحمراء، إضافة إلى أدائهم المميز في جميع المباريات التي يخوضونها.

جمال المشهد بدأ من مسرح المواجهة ملعب "كامب نو" بمدينة برشلونة، الذي يعتبر رمزاً تاريخياً للمدينة؛ فقد استغرقت عملية بنائه ثلاث سنوات من بداية وضع أول حجر في الموقع سنة 1954 إلى أن تم افتتاحه سنة 1957، وكان محظوظاً لارتباط اسمه بهذا النهائي فيما بعد، الهتافات كانت صاخبة؛ فكل مشجع يرغب في الخروج سعيداً عند نهاية المباراة بتتويج فريقه.

بمجرد إعلان حكم اللقاء النهائي بييرلويجي كولينا والذي يحمل الجنسية الإيطالية صافرة بداية المشهد الختامي من البطولة، حتى اشتعلت المدرجات في مشهد فريد من نوعه. على أرضية الملعب 22 لاعباً مقسمين إلى فريقين ويجتمعون باعتبارهم من نخبة النجوم التي تزين سماء كرة القدم العالمية آنذاك. وكما كان متوقعاً من المحللين والمتابعين لكرة القدم قبل المباراة، منذ البدايات كانت السيطرة للفريق الألماني؛ حيث تمكَّن من التسجيل  مبكراً بأقدام ماريو باسلر الذي أضاءت فرحته سماء ألمانيا قبل أن تُنير درب رفاقه نحو اللقب الحلم. وهو الحلم ذاته للمشجع الذي قَدِم من إقليم بافاريا لمساندة معشوقه في النهائي حين أحيا هدف باسلر الأمل بتتويج بايرن ميونخ باللقب ورسم الابتسامة على مُحياه؛ إذ سيدر عليه العديد من الأموال في حال انتهاء المباراة بفوز الألمان، في النهائيات اللاعبون يكتسبون الشهرة والألقاب والأموال، وعدد من المشجعين وأصحاب مكاتب المراهانات يجنون الأموال هُم أيضاً. الفرحة تسع الجميع في حال الفوز، للانتصارات الطعم ذاته مهما اختلفت النوايا، سار كل شيء على ما يُرام.. المباراة شارفت على الانتهاء وجماهير بايرن ميونخ قلوبها تخفق فرحاً بأعين ترنو نحو السماء، المكان ذاته الذي وُضع لبايرن ميونخ في مخيلتهم.

عدد من مشجعي مانشستر يونايتد قد فقدوا الأمل فلم تتبقَّ سوى دقيقتين على نهاية اللقاء ولا رغبة لهؤلاء المشجعين في رؤية الألمان يشربون نخب الانتصار أمام أعينهم. 

المسألة أعمق من كونها مجرد مباراة تُلعب أو نهائي عادي، فهنا ليالي الأبطال فلا يتسيدها إلا الفائزون ولا يمتطي صهوة جوادها إلا من يمتلك الجرأة للتغلب على خوفه قبل التغلب على الخصم الذي يواجهه بأرضية الملعب. النهائيات لا تتكرر وإن فعلت فليس بالألحان ذاتها.. بدأ الحكم الإيطالي كولينا يُناظر ساعته فقد انتهى الوقت الأصلي من المباراة ولم يتبقَّ إلا ثلاث دقائق أعلنها كبديل عن الوقت الضائع من المباراة وبالأعين ذاتها يُناظر دكة بايرن ميونخ التي تبدو منتشية بآثار الفوز إلى غاية الآن، وفي الدكة المحاذية لها وجوه شاحبة تعتلي مُحيا بدلاء الشياطين الحمر باستثناء شخص وحيد الذي اعتاد أن يكون الاستثناء في عالم التدريب.. الرجل الأسكتلندي أليكس فيرغسون الذي رأى ثلاث دقائق متبقية  يُمني نفسه بمعجزة من السماء تقلب موازين الكفة لصالحه.

عند حلول الدقيقة الـ91 اهتزت أركان الملعب في طرف وحل الصمت القاتل على طرف آخر، الألمان ضربوا بالسلاح الذي يستخدمونه، فمقولة "المستحيل ليس ألمانياً" طبقها الإنجليزي تيدي شيرنغهام رفقة لاعبي مانشستر يونايتد، أمر لا يُصدق لعشاق مانشستر يونايتد ولعشاق بايرن ميونخ كذلك. عادت الروح مجدداً للحمر بعد تعادل الكفة بهدف لمثله، في هذه اللحظة سقط لاعبو بايرن ميونخ نفسياً؛ فكمية الإحباط التي تسللت إلى أنفسهم كانت كفيلة بوقوفهم مذهولين؛ إذ إن شعور التتويج والانتصار قد تم إيقافه مؤقتاً، الأمر يحتاج لقوة شخصية وحضور قوي لتدارك الموقف من جانب الألمان. وبالنظر للمقياس النفسي، لاعبو مانشستر يونايتد هم المتفوقون؛ فقد عادوا إلى الحياة مجدداً والدافع لديهم أصبح أقوى من نظرائهم.

هذا الأمر الذي قلب الموازين مجدداً، ففي الدقيقة الأخيرة من عمر اللقاء، استغل النرويجي جونار سولشاير تشتت تفكير لاعبي بايرن ميونخ وفقدان تركيزهم في اللقاء وباغت الأقدام المرتعشة للألمان ولامس التتويج بقلبه قبل أن تُلامس أقدامه الكرة مُعلنة بثبات هدف الانتصار لمانشستر يونايتد.

ملخص مباراة مانشستر يونايتد وبايرن ميونخ 2-1

في ظرف دقيقتين انقلبت الكفة؛ فمن كان فائزاً أصبح خاسراً، ومن كان يذرف دموع الحزن بات الآن يمسح بابتسامته التي تعتري مُحياه دموع الفرح، يقول كولينا حكم المباراة في وصفه لهذا اللقاء هو أعظم حدث قمت بإدارته.. كل شيء تغير في لحظات.. كيف ولماذا؟ لا أحد يعلم حقيقة ما حدث.

ذاك العام كان من أكثر الأعوام نجاحاً للمدرب الأسكتلندي الذي تُوج مع مانشستر يونايتد بالثلاثية التاريخية واتشح بلقب "السير" من الملكة إليزابيث، كما اعتلى قمة قلوب عشاق كرة القدم بصفة عامة ليس محبي الشياطين الحمر فقط، فالكل يجزم بأن فيرغسون هو الاستثناء الحقيقي في تلك المباراة وفي تاريخ مدينة مانشستر.

أما عن بايرن ميونخ فلا مواساة تجدي ولا كلمات بإمكانها أن تزيح الغبار الذي تراكم على أرفف الأحلام في قلوب العاشقين لكبير بافاريا، فقد تُرك الأمر للزمن لعلّه يُنسي العقول ما حدث ويطفئ نيراناً اجتاحت تلك الأحلام فأصبحت أثراً بعد عين.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صالح الهمالي
صحفي رياضي وإعلامي ليبي
صحفي رياضي وإعلامي ليبي
تحميل المزيد