بعد مرور عدة أشهر على سيطرتهم على كابول، لا تزال مسألة الاعتراف الدولي تواجه حركة طالبان الأفغانية. وسواء اعترف المجتمع الدولي بالحركة الإسلامية كحكومة شرعية أم لا، فإن ذلك سيُحدث فرقاً كبيراً فيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي والخبرة والمساعدات.
وفي المرة الأولى التي كانت فيها طالبان في السلطة، اعترفت ثلاث دول فقط بحكمها: باكستان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. هذه المرة، إذا أرادت طالبان الحصول على اعتراف المجتمع الدولي، فسيتعين عليها كسب ثقة العالم، بينما يجب على الدول الأجنبية أيضاً التصرف وفقاً للواقع على الأرض والتعامل مع طالبان من أجل استقرار أفغانستان.
في الوقت الراهن، يتردد كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة -وهما مانحان رئيسيان للمعونة- في التعامل مع الطالبان، وإن كانا يعترفان في الوقت نفسه بأن هناك بدائل قليلة للقيام بذلك.
في الأساس، لدى الكتلة الغربية شاغلان رئيسيان: إنهم يريدون ضمانات من طالبان بأن الحركة ستحترم الحقوق الأساسية، بما في ذلك حقوق المرأة، وأن الحكام الجدد لن يسمحوا لأفغانستان بأن تصبح مرتعاً للحركات "الجهادية" الدولية.
من جانبها، يجب على الدول الغربية -التي تهتم بشكل خاص بالاستقرار الأفغاني لأنها لا تريد موجة جديدة من المهاجرين المتجهين إلى شواطئها- التعامل الجيد مع طالبان إلى أقصى حد ممكن، لأن عزل المجموعة قد يدفع البلاد نحو الفوضى.
وفيما يتعلق بالصين، فقد تعاملت مع قيادة طالبان بشكل علني. وحتى في الوقت الذي كانت فيه طالبان تقاتل حكومة أشرف غني والجيش الوطني الأفغاني على الأرض، نشرت الصين صورة وبياناً لوانغ يي وهو يلتقي الزعيم السياسي لطالبان الملا عبد الغني برادر. وكان برادر على رأس وفد كامل يضم رؤساء المجلس الديني ولجنة الدعاية لطالبان، في تانجين بالصين.
كما صرحت وزارة الخارجية الصينية عقب الاجتماع بأن "أفغانستان ملك للشعب الأفغاني ومستقبلها يجب أن يكون في أيدي شعبها"، في إشارة إلى أن الحكومة السابقة لم تكن حكومة أفغانية، لكنها كانت وكيلاً للولايات المتحدة، وبالتالي فهي ليست شرعية.
وكانت الصين واحدة من الدول القليلة التي ظلت تفتح سفارتها في كابول عندما كانت جميع الدول الأخرى تقوم بالإخلاء.
السفارة الروسية أيضاً مفتوحة في كابول والروس يتعاملون مع طالبان. والتقى المبعوث الروسي في كابول مع طالبان بعد سقوط العاصمة ووصف الاجتماع بـ"الودي"، لكن نائب رئيس البعثة الروسية في الهند رومان بابوشكين في حديث حول العمل مع طالبان والاعتراف بها، قال إنه إذا كان لا بد من الاعتراف بطالبان على الإطلاق، فإن "الخطوة الأولى يجب أن تكون إجماعاً ذا صلة في الأمم المتحدة" والإشارة هنا إلى لجنة وثائق التفويض التابعة للأمم المتحدة.
ويتم تعيين لجنة وثائق التفويض في بداية كل دورة عادية للجمعية العامة. واللجنة مكلفة بفحص وثائق تفويض ممثلي الدول الأعضاء وتقديم تقرير إلى الجمعية، غير أن هذه ليست سوى خطوة لشراء الوقت، ولا يوجد ما يمنع أي بلد من الاعتراف أو عدم الاعتراف بدولة أخرى أو حكومة أخرى على الصعيد الثنائي، حتى لو لم توافق الأمم المتحدة على أوراق الاعتماد.
في غضون ذلك، طرحت الولايات المتحدة أيضاً مسألة الاعتراف بها بعد إضفاء الشرعية على طالبان. وفي مقابلة مع "سي إن إن"، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن: "إن الحكومة الأفغانية المستقبلية التي تدعم الحقوق الأساسية لشعبها ولا تؤوي الإرهابيين هي حكومة يمكننا العمل معها والاعتراف بها".
لذلك، عندما التقى السفير الهندي في قطر، ديباك ميتال، بزعيم طالبان السياسي شير محمد عباس ستانيكزاي، نشرت الحكومة على الفور تفاصيل الاجتماع، بيد أن المصادر قالت إنه لا يجوز النظر إلى الهند على أنها تبحث الاعتراف بنظام طالبان بعد.
ويواصل الدبلوماسيون والقادة السياسيون من مختلف البلدان استخدام عبارة مماثلة: "سوف نتابع أفعال طالبان، وليس الادعاءات".
ويعتقد معظمهم أن طالبان تسعى للحصول على قبول دولي أكبر والاعتراف في نهاية المطاف من المزيد من البلدان هذه المرة. ولكن جميع البلدان تقريباً في وضع الانتظار والمراقبة.
في ضوء هذا، ما زال على طالبان أن تقدم ما يجعل الدول تسعى للاعتراف بها، إن لم تكن غنيةً عنهم، ولا تؤرقها أي عزلة دولية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.