أحياناً سؤال مفصلي: "من وين أنت؟" يحدده جوابك، وبناءً عليه قد يحترمك السائل ويرفع لك القبعة، وقد تتفاجأ بأن طريقة التعامل معك قد تتغير للأسوأ فجأة.
العنصرية
العنصرية هي معتقدات وقناعات وتصرفات وأفكار تقوم على اضطهاد وتهميش فئات من المجتمع لأسباب مختلفة.. منها العرق أو اللون أو الدين أو الثقافة، وهي التي ترفع من قيمة مجموعة معينة أو فئة معينة على حساب الفئات الأخرى، بناءً على أمور مورّثة مرتبطة بقدرات الناس أو طباعهم أو عاداتهم.
وهناك العديد من صور التمييز مثل المناطقية والقبلية والمذهبية والحزبية التي لا تزال حتى يومنا هذا تضرب بنا وتغرس شوكتها في خاصرة الكثير من المجتمعات.
حوادث عنصرية
– أثناء الحرب العالمية الثانية أجرى الأطباء النازيون تجارب طبية زائفة تهدف للوصول إلى الدليل المادي على سيادة الجنس الآري وانحطاط الأجناس الأخرى غير الآرية، وعلى الرغم من قتل أعداد لا تحصى من المسجونين غير الآريين أثناء تلك التجارب، فلم يتمكن النازيون من العثور على أي دليل على نظرياتهم حول الاختلافات العرقية البيولوجية بين البشر.
– وفي الخميس 1 ديسمبر/كانون الأول 1955 عادت روزا باركس من عملها لتصعد الحافلة في طريق العودة لمنزلها، جلست في المقاعد التي يمكن للسود الجلوس فيها ما لم يكن هناك أبيض يريد الجلوس، ولسوء حظها امتلأت المقاعد الأمامية للبيض، وبموجب قانون الفصل الأمريكي بين الركاب على أساس اللون فإن عليها أن تخلي المقعد لهم، لكنها رفضت الامتثال للسائق الذي كرر الطلب مراراً مهدداً إياها بالاعتقال، فتم القبض عليها ودفعت غرامة مالية قدرها 10 دولارات.
هذه الحادثة أججت موجة احتجاجات متسلسلة وانتشرت دعوات لمقاطعة هذه الحافلات مع نشاطات سلمية حقوقية، استمرت المقاطعة 381 يوماً حتى توقفت حافلات لأشهر عديدة عن العمل.
وفي يونيو/حزيران 1956 أعلنت المحكمة الجزئية الأمريكية قوانين "جيم كرو" غير دستورية، وقد قاد الحملات لوثر كينغ الذي كان له أثر كبير في تغير قوانين العنصرية ضد السود في أمريكا وحصل في عام 1964 على جائزة نوبل للسلام.
الشوايا في سوريا
الشوايا اسم قلما يتبناه المعنيون المفترضون به من سُكان أرياف منطقة -الجزيرة السورية- كالرقة ودير الزور والحسكة، شمال شرق سوريا، وهم عرب مسلمون، موزعون على عشائر متنوعة، ويتمايزون عن البدو من جهة، وعن الحضر من سكان المدن من جهة ثانية.
ولقد عرفت حتى أربعينات القرن العشرين صراعات عنيفة بين الشوايا المستقرين وبين البدو، كانت تسمى "حرب البدو والشوايا".
وقد كانت نظرة مدن الجزيرة بالذات، ودير الزور بخاصة، استعلائية حيال الشوايا، وكانت محنة للشاوي أن يزور المدينة حتى خمسينيات القرن العشرين، كان هذا الوضع مشتركاً بين سكان الأرياف في سوريا حتى نحو نصف قرن تقريباً، لكن "الشوايا" هم المجموعة السكانية الوحيدة التي لا تزال تواجه بأحكام تبخيسية جداً في النطاق السوري العام.
العنصرية في الدراما
من الأمور الغريبة جداً في الدراما العربية النظرة الدونيّة والعنصريّة لسُكان الأرياف، لتُعرض لنا بصورة نمطية تحمل في مشاهدها العنصرية الواضحة.
ولو استعرضنا الأعمال العربية لوجدنا أنها تظهر أبناء الريف بطريقة سطحية ساذجة جداً، ويظهر شخصيّة الريفي أنه شخصٌ غبي ساذج يمكن التلاعب به ببساطة، وحتى كل أسمائهم غريبة ومستهجنة ومضحكة.
السخرية فن ولكن المسخرة قلّة أدب، وجميل أن تأتي بمشكلة حقيقية وتقدمها بطريقة كوميدية، هذا قيمة في الإبداع، ولكن أن تقف أمام الكاميرا لمجرّد السخرية من الآخرين وشكلهم ولهجتهم ونمط حياتهم فهذا أمر محال أن يندرج تحت أي صنف من الأصناف الفنية، وبرأيي هو ما يسهم في تكريس هذه النظرة النمطية في المجتمع.
أنت بدويّ؟!
الغريب في مجتمعي أن هناك من يظن أن البدو هم فئة متخلّفة غير متعلمة.. فئة همجيّة عشوائية وعلى أساس ذلك يُعاملون كطبقة أقل، وتم الترويج لهذه النظرة عبر الكثير من الوسائل لمحاولة زرعها في محيطهم، وقد مُورست هذه النظرة الدونيّة معي كشخص ومع الكثير ممن أعرف من أبناء البدو.
موقف شخصي
كنت أجلس في أحد الأماكن مع صديق لي، وموجود بالجلسة شخص زميل صديقي بالعمل، كان هو وصديقي يتحدثان عن شخص مشتَرك بينهما، وعلى ما يبدو أنه شخص سيئ لما ذكرا فيه من صفات سيئة، ثم قرر زميل صديقي أن يختصر الحديث عنه بالقول: "من الآخير.. عقله بدوي"، وكأن هذه الكلمة تختصر كل الصفات السيئة في صديقهما.. فتخيّل الموقف!
بيد أن الكثير من الشباب البدوي استطاع أن يحقق نجاحات مبهرة على جميع المستويات، وأثبتوا أن البدو هم أهل كرم وسخاء ومروءة وشهامة، وأصحاب عادات وتقاليد نبيلة، توارثوها كابراً عن كابر
حوادث تاريخيَّة..
– حين قال ﺃﺑﻮ ﺫﺭ الغفاري لسيدنا بلال بن رباح: "ﺣﺘﻰ ﺃﻧﺖ ﻳﺎ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﺀ ﺗﺨﻄﺌﻨﻲ".
فقام ﺑﻼﻝ مندهشاً غاضباً ﺃﺳﻔﺎً، ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻷرفعنك ﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ صلى الله عليه وسلم، ﻓﺘﻐﻴﺮ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ثم قال: "ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺫﺭ، ﺃﻋﻴﺮﺗﻪ ﺑﺄﻣﻪ؟! ﺇﻧﻚ ﺍﻣﺮﺅ فيك ﺟﺎﻫﻠﻴﺔ".
– وقد قال رسول الله في حجة الوداع: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ".
وهو خير دليل على أن الناس سواسية لا فرق بين أحمرهم وأبيضهم وأسودهم، وغنيهم وفقيرهم، وقويهم وضعيفهم ووسيمهم، لا فرق بين واحد منهم، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، هذا أول مبدأ لحقوق الإنسان، البشرية متساوية في أي إهاب، من أي جنس، من أي لون، من أي ثقافة، الكبير والصغير، والحاكم والمحكوم، والقوي والضعيف، والوسيم والدميم.
رسالة
العنصرية التي نالت من كثير من المجتمعات، لم تتمكن من المجتمعات التي عملت على إيجاد حلول حقيقية تخلصها من عواقب هذه الظاهرة، ما مكّنها بعد ذلك من بناء أمجاد عتيدة، بعد أن آمنت بالمساواة في الحصول على الفرص، وأيقنت أن التفوّق ليس حكراً على فئة واحدة، فصهرت جميع الإمكانات المتوفرة في أبنائها لترسم أجمل صور التكافل والتكاتف في الطريق إلى الحضارة.
وللإعلام دور كبير جداً في التأثير على المجتمع، وعلينا أن نحرص على أن يكون هذا الدور إيجابياً في نبذ العنصرية، ويقع على عاتق المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية دور كبير في توعية الجيل الجديد وتثقيفهم وزرع الأفكار الصحيحة في عقولهم ونفوسهم. وأيضاً تعتبر الأسرة النواة الأولى في المجتمع، لذا يتوجب عليها زرع أفضل القيم في نفوس أبنائها، وتربيتهم على حب الآخرين، ونبذ التفاخر واحتقار المختلف.
وقد خلقنا الله -عزَّ وجل- جميعنا من طين، لا فرق بين عربي ولا أعجمي، ولا أبيض ولا أسود.. قد خلقنا شعوباً وقبائل لنتعارف، ولنعلم أن العنصرية داء مقيت، وهي خنجر التفرقة، وميزانها ليس عادلاً البتّة، فلنتعايش فيما بيننا بحب وإخاء وبساطة.. أو لتلفظنا الحياة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.