المكان: استاد القاهرة الدولي
الزمان: 9 مارس 1974
الحدث: مباراة نصف نهائي كأس أمم إفريقيا بين مصر وزائير
مصر تتقدم بهدفين بأقدام مهاجم الإسماعيلي علي أبو جريشة، والمدافع الزائيري في مرماه، وساعة الحكم تشير أنه متبقٍّ على نهاية المباراة أقل من 10 دقائق، ينتفض فيها المنتخب الزائيري ويسجل ثلاثة أهداف دفعة واحدة، اثنان منها لنجم البطولة وهدافها مولامبا نداي، لتُقصي زائير منتخب مصر، وتفوز على زامبيا في النهائي، لتعلن نفسها بطلة لإفريقيا، لتبدأ الحكاية من هنا.
التتويج بالبطولة لم يكن الأول في تاريخ زائير، سبقه تتويج قاري بنفس البطولة عام 1968، وقت أن كانت تسمى بالكونغو كينشاسا، ووقت غياب مصر عن البطولة لظروف "النكسة".
بعد البطولة التقط رئيس الجمهورية الكونغولية موبوتو سيسي سيكو الخيط، وقرر إقحام أنفه في الكرة والرياضة، وتبنى ذلك المنتخب الفقير فنياً، ولكنه انصدم بقلة جودة اللاعبين وأن المفاجأة التي صنعها في إثيوبيا عام 1968 غير قابلة للتكرار بشكل الفريق الحالي، فقرر إرسال خطابات لكل اللاعبين الموجودين ببلجيكا أو المولودين هناك من أصول كونغولية للالتحاق بالمنتخب، ورفض بعضهم، ووافق البعض الآخر، ومنهم مولامبا نداي نفسه. مع الاهتمام الكروي ظهر اسم نادي "الإنجلبير"، أو ما يعرف حالياً باسم "مازيمبي"، الذي وصل لأربعة نهائيات إفريقية متتالية على مستوى الأندية، من عام 1967 حتى عام 1970، فاز في اثنين منها وخسر اثنين، منهما واحدة أمام الإسماعيلي المصري.
ولكن المنتخب الكونغولي خاض بعدها عدة تصفيات ونهائيات فشل فيها جميعاً، لكنه كان يتحسن بفضل بعض اللاعبين الموهوبين المنضمين حديثاً للمنتخب حتى بطولة 1974، التي كللت مجهود "موبوتو" وتوج باللقب تحت اسم "زائير"، بعدما غير موبوتو نفسه اسم الدولة ومنحها اسماً إفريقياً كما فعل مع كل مواطني بلده.
ليقوم بالإنعام على لاعبي المنتخب بكثير من الأموال والعقارات والسيارات لشراء ولائهم له، وأقام لهم احتفالية كبرى في استاد العاصمة كينشاسا، نفس الملعب الذي كان قبل سنوات مسرحاً لعمليات الإعدام العلني لبعض الطلبة المعارضين والسياسيين الرافضين لحكمه، ومنهم أربعة وزراء كبار في الدولة.
بعد مصر عام 1934 والمغرب عام 1970 جاء الدور على منتخب الفهود ليقوم بدور الممثل لإفريقيا في حلم الوصول للمونديال، وهو ما فعله بفضل الإعداد القوي وما يشاع عن شراء ذمم الحكام الأفارقة، وفاز على المغرب في مباراة فاصلة، لتكون زائير أول دولة من إفريقيا السوداء تشارك في كأس العالم.
ذهبت بعثة زائيرية كبيرة يتقدمها وزير الدفاع، وأهم أعضاء الجيش ووزراء الدولة للظهور في الحدث العالمي في ألمانيا الغربية، والتّرويج للحكم الديكتاتوري، ووضع المساحيق المكثفة على وجهه القبيح. خسرت زائير في المباراة الأولى أمام اسكتلندا القوية بلاعبها الذهبي كيني دالجليش بهدفين وأدت بشكل جيد، كان هذا قبل أن يعرف اللاعبون أن الاتحاد الدولي دفع 800 ألف فرانك للاعبين، وبدلاً من توزيعها عليهم انتهوا في جيب موبوتو وحاشيته.
ثار الفريق وهددوا بالانسحاب أمام يوغوسلافيا، ليقرر الاتحاد الدولي إعطاء كل لاعب مبلغ 3000 فرنك لإنقاذ البطولة من انسحاب إحدى فرقها، ويلعب الفريق مباراته أمام يوغوسلافيا لينهزم في واحدة من أكبر هزائم كرة القدم عبر التاريخ 9/0.
رسائل موبوتو وصلت للاعبين بعد المباراة، وفكّروا في عدم العودة وطلب اللجوء، ولكن الرجل كان لا يعبث معهم، وأرسل تهديداته لهم بالعقاب لو انهزموا بأكثر من 4 أهداف أمام البرازيل في المباراة الأخيرة لهم، ولو فكر أي منهم في البقاء بأوروبا فسيقوم بقتل عائلته كلها، فقاتل اللاعبون على كل كرة في المباراة خوفاً من التهديدات، بل إن البعض ذهب بقوله إن هناك من خاطب لاعبي البرازيل من اللجنة المنظمة، طالباً منهم التوقف عند ثلاثة أهداف فقط للحفاظ على حياة الزائيريين من انتقام ذلك الديكتاتور المستبد، لتنتهي المباراة وتعود البعثة بخيبة أمل و14 هدفاً في شباكهم، دون إحراز أي هدف، لينتهي حلم موبوتو في جعل كرة القدم مسرحه للعالمية.
لكن الرجل لم يتوقف، وصرف بعدها بثلاثة أشهر عشرة ملايين دولار لجلب "محمد علي" و"چورج فورمان" للعب مباراة القرن في الملاكمة بالعاصمة كينشاسا.
في عام 1994، وعلى هامش كأس إفريقيا للأمم، قام الاتحاد الإفريقي لكرة القدم بتكريم "بيير نداي مولامبا" على مجمل إنجازاته، طلب يومها وزير الرياضة الكونغولي من اللاعب السابق تسليم ميداليته لموبوتو، لكنه رفض.
بعدها بأيام قليلة في منزله في كينشاسا، حيث تقيم زوجته وأطفاله الثلاثة تعرض لهجوم من مسلحين، وتم قتل ابنه البالغ من العمر 11 عاماً أمام عينيه، قبل أن يتم نفيه دون باقي أفراد أسرته إلى جنوب إفريقيا، كل ذلك لمجرد أنه قال "لا" لموبوتو، قبل أن تقوم جنوب إفريقيا بلفتة إنسانية وتقوم بتكريمه على هامش كأس العالم عام 2010.
في مثل هذه الأيام، وتحديداً في الـ24 من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1965 قام "جوزيف ديزرييه موبوتو"، الشهير بـ"موبوتو سيسي سيكو" بالانقلاب على الرئيس المنتخب لدولة الكونغو، وأول رئيس للجمهورية بعد الاستقلال "يوسف كاسا فوبو"، وأودعه السجن، وذلك قبل أن يقتل "باتريس لومومبا"، الرئيس الأسبق للكونغو، ليحكم البلاد بقبضة من حديد، ويأكل هو وعصابته الأخضر واليابس، ويسرق كل خيرات الدولة، ويجعل شعبه في أسفل سافلين، ويسعى في الأرض فساداً لتحقيق أمجاد واهية، قبل أن يموت عام 1997 وحيداً مريضاً بالسرطان في المغرب، منفياً خارج وطنه، ويُوارى جسده التراب في الوقت الذي مات فيه "بيير نداي مولامبا" عام 2019 ودفن في وطنه، وسط جنازة شعبية كبيرة، تعبيراً عن امتنان شعبه لكل ما قدّمه ودفع ثمنه باهظاً في حياته.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.