صنع اللاعب المغربي الشاب عبد الصمد الزلزولي الحدث في مطلع الأسبوع الجاري، بمشاركته في الفوز المهم الذي حققه نادي برشلونة على غريمه إسبانيول، في أول مباراة للمدرب الجديد لـ"البرسا" تشافي هيرنانديز.
وقد سعدت الجماهير الكتالونية والمغربية بالمستوى الرفيع الذي ظهر به المهاجم الشاب البالغ من العمر 19 عاماً، وبدأت تأمل في مشاهدته قريباً بقميص المنتخب المغربي الأول، لكنه أمل ممزوج بتخوف من أن يلقى عبد الصمد نفس مصير مواطنه منير الحدادي، الذي خطفه منتخب إسبانيا في سن مبكرة، قبل أن يتخلى عنه.
وُلد عبد الصمد الزلزولي يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2001، بمدينة بني ملال المغربية، وهاجر رفقة عائلته إلى إسبانيا عندما كان يبلغ من العمر 7 سنوات، حيث نشأ بحي "كاروتش" بمدينة إلتشي بمقاطعة أليكانتي، أحد أفقر أحياء البلاد.
وعاش عبد الصمد طفولة قاسية ساعدته لاحقاً على تحمل الصعاب وعدم الفشل في تحقيق حلم احتراف رياضة كرة القدم، قصد الولوج إلى حياة أفضل له ولعائلته المكونة من الأب والأم وشقيقين يكبرانه سنّاً.
إلتشي رفض الزلزولي.. وإيركوليس احتضنه
بدأ الطفل عبد الصمد ممارسة رياضته المفضلة ضمن فرق صغيرة بمدينة إلتشي، حيث ظهرت موهبته الكروية الخلاقة، لكن قدراته الفنية المميزة لم تشفع له لدى مسؤولي أكاديمية نادي "إلتشي"، الذين أعابوا عليه نقص لياقته البدنية وضعف حسه التكتيكي.
التجاهل الذي لقيه الزلزولي من طرف نادي مدينته وجده لدى النادي الكبير الآخر لمقاطعة أليكانتي، ونعني به نادي "إيركوليس" وبالضبط من مدرب فريق الرديف أنطونيو مورينو، الذي آمن بقدرة "الفنان" عبد الصمد على التطور، فضمّه لصفوف تشكيلته في صيف 2016، حيث واصل الفتى المغربي تكوينه قبل الالتحاق بالفريق الأول في عام 2019، والتعاقد مع النادي حتى صيف 2022.
وتألق الزلزولي بشكلٍ لافتٍ مع إيركوليس في الموسم الماضي 2020–2021، الذي خاضه في دوري الدرجة الثالثة، ما جذب انتباه بعض الأندية الإسبانية الكبيرة، على غرار فالنسيا وألميريا وبيتيس، فخطفه العملاق الكاتالوني برشلونة، يوم 31 أغسطس/آب الماضي، أي في آخر أيام الميركاتو الصيفي، بعدما دفع قيمة الشرط الجزائي بـ2 مليون يورو.
لكن الزلزولي لم يتعاقد رسمياً مع الفريق الأول للنادي الكاتالوني، بل مع الفريق الثاني، أي "برشلونة ب"، الذي ينشط في دوري الدرجة الثالثة ويدربه سيرجي برخوان.
وكان انضمام عبد الصمد للفريق الرديف لبرشلونة بمثابة حلم له… وهو الحلم الذي لم يكد يستيقظ منه حتى دخل في حلمٍ آخرٍ أكثر خيالاً بالنسبة له، ولم يكن يتوقع حدوثه بتلك السرعة… والذي لم يكن ليحدث لو لم يتعرض فريق "البلوغرانا" لسلسلة من الهزات في بداية الموسم الماضي.
إقالة كومان غيّرت حياة عبد الصمد 180 درجة
ولعل الكثير من القراء يعرفون قصة انضمام الزلزولي للفريق الأول لبرشلونة، وهي أنه بعد إقالة الهولندي رونالد كومان من منصب المدير الفني يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتعيين بديله بشكلٍ مؤقتٍ، مدرب فريق الرديف سيرجي برخوان، قام الأخير بترقية بعض لاعبي الفريق الثاني لبرشلونة إلى الفريق الأول، لتعويض الغيابات العديدة في صفوف النادي الكاتالوني بسبب الإصابات، وخاصة في خطَّي وسط الميدان والهجوم، فكان من بين هؤلاء "المُرقّين" الشاب المغربي عبد الصمد.
وفعلاً فقد استغل الزلزولي هذه الفرصة غير المتوقعة ليندمج مع نجوم "البرسا" ويخوض أول مباراة له في دوري الدرجة الأولى الإسباني لكرة القدم "لاليغا" يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول، عندما دخل بديلاً لزميله أوسكار مينغويزا في الدقيقة الـ80 من مواجهة نادي ألافيس (1-1)، ثم احتفظ به المدرب الجديد تشافي هيرنانديز في مجموعة الفريق المحترف، وأشركه يوم 20 من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، في ديربي كاتالونيا، أمام نادي إسبانيول، الذي تألق خلاله عبد الصمد بشكلٍ لافتٍ، حيث دخل في بداية الشوط الثاني بديلاً لمواطنه إلياس أخوماش، البالغ من العمر 17 عاماً فقط.
وقد أثنى تشافي هيرنانديز على أداء اللاعبين المغربيين الشابين، حين صرح عقب نهاية مواجهة إسبانيول: "لقد أدى إلياس وعبد ( يقصد عبد الصمد) مباراة كبيرة، فهما لاعبان موهوبان، ومن المهم جداً أن يكون لدينا هذا الجيل من اللاعبين الذين سيساعدوننا حتماً".
ويجب التوضيح هنا أنه بخلاف الزلزولي الذي لم يسبق له اللعب مع المنتخبات الشابة لإسبانيا، فإنّ إلياس أخوماش شكور يعتبر حالياً لاعباً دولياً إسبانياً، بحيث ينشط ضمن منتخب أقل من 18 عاماً، وبعدما لعب أيضاً مع منتخب أقل من 16 عاماً.
الزلزولي إذاً لم يسبق له حمل ألوان "لاروخا"، ولعب بالمقابل مع منتخب بلده الأصلي المغرب لأقل من 20 سنة، خلال البطولة العربية لهذه الفئة، التي جرت بالمملكة العربية السعودية، من 17 فبراير/شباط إلى 4 مارس/آذار 2020، حيث شارك عبد الصمد في 5 مباريات وسجل هدفين اثنين.
عراقيل أمام انضمام الزلزولي لمنتخب المغرب الأول
لكن مشاركة عبد الصمد الزلزولي مع منتخب الشباب لبلد أجداده لا يعني أنّ المغرب قد ضمن الاحتفاظ بهذه الموهبة الرياضية النادرة، بحيث لن يتم ذلك إلّا في حالة خوضه مباراة دولية رسمية مع المنتخب الأول "لأسود الأطلس"، ولذلك فقد باشرت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحركاتها بالتنسيق مع المدير الفني، البوسني وحيد خاليلوزيتش، لضم المهاجم الشاب لقائمة اللاعبين المشاركين في نهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم، المقررة في شهر يناير/كانون الثاني القادم.
وقد تصطدم هذه التحركات ببعض العراقيل، أبرزها الموعد الذي ستقام فيه نهائيات كأس أمم إفريقيا، والمقررة بالكاميرون من 9 يناير/كانون الثاني إلى 6 فبراير/شباط من العام القادم، بحيث قد يتعرض الزلزولي لضغوطات من محيطه للاعتذار عن تلبية دعوة منتخب المغرب، بحجة التفرغ لفرض نفسه وضمان مركز أساسي في الفريق الأول لبرشلونة.
وفي حالة رفض عبد الصمد المشاركة في "كان 2022" القادمة، فإنّ الفرصة ستكون مواتية لمسؤولي منتخب إسبانيا لإغرائه بالانضمام إليه، والذي لا تتضمن أجندته أي مباراة دولية حتى شهر مارس/آذار القادم، بمناسبة أيام الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا".
ومن المؤكد أنّ عبد الصمد الزلزولي يعرف جيداً قصة مواطنه منير الحدادي، النجم الحالي لنادي إشبيلية الإسباني، والنجم السابق لبرشلونة، الذي شارك مع منتخب إسبانيا الأول عندما كان عمره 19 عاماً و8 أيام، وذلك بلعبه 15 دقيقة من مواجهة مقدونيا يوم 8 سبتمبر/أيلول 2014، لحساب تصفيات بطولة أمم أوروبا لكرة القدم 2016.
وقد كانت تلك المباراة هي الوحيدة لمنير الحدادي مع منتخب إسبانيا الأول، ما جعله بعد سنوات عديدة يندم على اختياره، ويتمنى صدور قانون جديد من الاتحاد الدولي لكرة القدم يُرخص له تغيير جنسيته الرياضية والانضمام لمنتخب بلده الأصلي المغرب، فكان له ذلك عندما أعلنت الهيئة الكروية الدولية يوم 18 سبتمبر/أيلول 2020، سَن قانون جديد خاص باللاعبين المزدوجي الجنسية، يسمح لفئة منهم بتغيير جنسيتهم الرياضية واللعب رسمياً لمنتخب بلد آخر بدل المنتخب الذي حملوا ألوانه من قبل.
ويتطلب القانون الجديد الخاص بتغيير الجنسية الرياضية 4 شروط، هي أولاً: اللعب أقل من 3 مباريات مع المنتخب الأول، وثانياً: أن يكون عمر اللاعب أقل من 21 عاماً في تاريخ آخر مباراة رسمية مع المنتخب الأول، وثالثاً: عدم مشاركته مع المنتخب الأول منذ 3 سنوات، ورابعاً: عدم خوضه أي دورة نهائية لكأس العالم أو بطولة قارية مع المنتخب الأول.
الكرة الآن هي في مرمى عبد الصمد الزلزولي ومحيطه، وما عليه سوى تلبية "اختيار القلب" مثلما يصرح به الكثير من اللاعبين المزدوجي الجنسية عندما يحسمون مستقبلهم الدولي، وقد يكون الأمر كذلك أيضاً بالنسبة لإلياس أخوماش،، الذي يسعى المغرب لإقناعه بتغيير جنسيته الرياضية والانضمام لمنتخب "أسود الأطلس". و تلك قصة أخرى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.