يخوض حرباً لا نعلم عنها شيئاً.. الأسباب الحقيقية وراء منع هاني شاكر لأغاني المهرجانات

عدد القراءات
1,803
عربي بوست
تم النشر: 2021/11/24 الساعة 10:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/24 الساعة 12:19 بتوقيت غرينتش
هاني شاكر نقيب الموسيقيين منع أغاني المهرجانات

"ممنوع من السفر

ممنوع من الغُنا

ممنوع من الكلام"

  • كلمات الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم.

في كل مرة يصدر قرار بمنع أو تقييد أو حجب شيء ما في مصر -وما أكثرها- تتردد كلمات الفاجومي في رأسي.

بإطلالة سريعة على قائمة "الممنوعات المصرية" حالياً فإننا نجد للفنون نصيباً ضخماً، فبعد جدل بانوراما "الفيلم الأوروبي" التي صار يتطلب حضورها تسجيل بيانات شخصية بلا اعتبار أو حاجة إلا لأسباب أمنية، ومنع فيلم "Eternals" في عدة دول عربية من بينها مصر بالتأكيد، أتت قرارات منع مغنِّي المهرجانات الشعبية من الغناء، بأمر من نقيب المهن الموسيقية هاني شاكر.

أزمة المصطلحات الفنية

يعترض البعض حينما يقال منع "مطربي" أو "مغني" المهرجانات، رافضين بشكل قاطع منح لقب مطرب أو مغنٍّ لكل من لم يتم تسجيلهم بنقابة المهن الموسيقية، أو لم ينالوا وثيقة الاعتماد وصك الإعجاب من الأجيال الفنية السابقة، ممسكين بذيل المشكلة، وتاركين رأسها الذي يكمن في أسباب المنع.

ليضعوا الأزمة في إطار أخلاقي بنزعات طبقية فجة، أو في قالب أصولي متصلب.

على طريقة نقباء الداخلية والجيش يتمسك كل من لهم سلطة إدارية فنية، وعلى رأسهم نقيب الموسيقيين هاني شاكر، بوضع فن الغناء تحت طائلة العادات والتقاليد، أو التوجه الموسيقي الكلاسيكي المعقد، وكلاهما أكل الدهر عليه وشرب، وأنشئت مفاهيم فنية جديدة بمعاييرها الخاصة، تاركة تلك القديمة في طيات التاريخ.

تويتر/ هاني شاكر يهاجم محمد رمضان
نقيب الموسيقيين المصريين هاني شاكر

في الماضي كان من اللازم امتلاك صوت جميل للاتجاه صوب الطريق الفني، وكان من اللازم البحث عن منتج فني يضع المطرب تحت رحمته بعقد احتكار، حتی يتمكن من تسجيل الأغاني وبيع شرائط "الكاسيت" والوصول لقطاع عريض من الناس، مع نصائح مستمرة بضرورة شرب الينسون والزنجبيل دوماً للحفاظ على جودة الصوت.

تلك الصورة النمطية "السخيفة" تم محوها بشكل كامل، بخلق مدارس غنائية جديدة، خارجة عن المألوف، ولكنها توصل ذات المعنى، ألا وهو التعبير عن الذات والتعبير عن فئة محددة يمتلكون نفس الحق في إيجاد من يعبر عن ذواتهم بالطريقة التي تتناسب معهم.

في أوائل الألفية الحالية لمع نجم "أوكا وأورتيجا"، ومن قبلهم ولكن بدرجة أقل "فيفتي" و"السادات" و"عمرو حاحا" وغيرهم، رُددت أغانيهم في الأفراح والحفلات وأعياد الميلاد ومعظم المناسبات السعيدة، وأصبحوا بطريقة ما نجوماً سينمائيين على يد "السبكي"، الذي أنتج لهم عدة أفلام كانت امتداداً طبيعياً لأفلام المقاولات.

لم يمتلك أي منهم صوتاً جيداً أو فرقة موسيقية مكونة من عازفين مشهورين، ولكنهم نجحوا في احتلال المشهد الموسيقي بشكل كامل، في غياب الإمكانيات المتعارف عليها لخوض تحدي الغناء. أحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك التمرد على أعراف المهنة وأساطين الموسيقى هو أنهم لم يكونوا بحاجة لاعتراف منهم، لم يبحثوا عنه ولم يحاولوا إرضاءهم. موسيقى المهرجانات الشعبية خُلقت كتعبير عن طبقات في المجتمع لم يلتفت إليها نجوم الغناء أثناء اختيارهم وتسجيلهم لأغانيهم، طبقات خلقت باتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء في مصر، طبقات فقيرة ومتوسطة في التعليم والثقافة ومصادر الدخل ومستوى المعيشة.

تاريخ الموسيقى الممنوعة

على مدار تاريخ الموسيقى المصرية تكرَّر نموذج الرقيب الأخلاقي أو الإداري الذي يمثله "النقيب" هاني شاكر حالياً، التاريخ الطويل للصراع بين الفنان والرقيب يعود في أصله إلی قرن كامل أو أكثر، بدايةً من منع أغنيات المطربة "منيرة المهدية"، التي كان يتم منعها بحجة "الخلاعة"، أو أغاني "سيد درويش" التي كانت تتحدث عن تعاطي المخدرات.

وكذلك ثنائية "الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم"، اللَّذَيْن تعرضا للحبس والمنع مرات عديدة بسبب أغانيهما، بالإضافة لأغاني "فؤاد حداد"، التي تم منعها من الإذاعة خلال سبعينات القرن الماضي، وصولاً لأحمد عدوية، الذي كان يتم محاربته لنفس الأسباب المتعلقة بحماية الذوق العام والحفاظ على أخلاق النشء والدفاع عن الهوية الموسيقية المصرية.

اعتقال يحيى حسين
يحيى حسين مع الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم/مواقع التوصل الاجتماعي

بمد الخط الزمني على استقامته لم تشهد الموسيقى المصرية تطوراً إدارياً أو ذوقياً رغم الطفرات العالمية في كل المجالات المؤثرة في الفن، فما يحدث في الوقت الحالي ليس بجديد أو غريب، وعلى الأرجح ستتصاعد النبرة الوعظية المبطنة باحتقار طبقي، ستؤدي لزيادة عدد الممنوعين من الغناء، والذين يصر الإعلام على تصدير خطابات كراهية ضدهم، باستخدامه مصطلحات شديدة القسوة كـ"الحرب علی المهرجانات"، "التصدي لظاهرة المهرجانات"، مع دعوات المنع التام من ظهورهم في أي مكان.

"ياما حكما وأجزجيه

ياما حنوتيه وطربيه

بقو أغنيا

علا حس الكوكانجيه"

  • أغنية الكوكايين، تلحين وغناء سيد درويش وكلمات بديع خيري.

الطبقية والفوقية الفنية

تضمنت تصريحات "النقيب" هاني شاكر مع المذيع أحمد موسی أسباب منع 19 مغنياً من الغناء في أي مكان بمصر. استوقفتني عدة كلمات بدت دخيلة علی الحوار، كلمات مثل "العادات والتقاليد"، "دفع الرسوم"، "مش هيغني تاني أبداً"، و"لم يتقدم للاختبار".

تُحيلنا كلمات هاني شاكر للتساؤل عن سر العداء الشديد تجاه مغنّي المهرجانات. ولماذا تحتد نبرة الصوت عند الحديث عند المهرجانات، وتهدأ عند الحديث عن "الراب"؟

ابني ومراته راحوا حفلة ويجز، أنا علی اتصال شخصي بيه

هاني شاكر في تصريح صحفي

تصريح جديد قاله نقيب المهن الموسيقية يجعلنا نری عن كثب سبباً آخر لعداء المهرجانات.

نحتاج لتعريف الراب وسرد بداياته سريعاً لمعرفة السر، الراب هو لون فني نشأ في دول أمريكا الشمالية بداية من جامايكا ووصولاً للولايات المتحدة ومن بعدها كل دول العالم، يعتبر الراب هو فن العصابات، ويعتمد على التفاخر بالذات وهجاء الخصوم فيما يشبه الشعر الجاهلي العربي القديم.

في مصر يعد سبب انتشار الراب هو وجود لون جديد مستحدث من الراب التقليدي وهو "التراب- Trap Music"، يعتمد علی المؤثرات الصوتية الإلكترونية وبساطة الكلمات وقلة حدّتها مقارنة بالراب، ومن أبرز نجومه مروان بابلو وويجز. في الأصل يعد الراب لوناً موسيقياً غربياً، نجح مغنو الراب المصريون في صبغه وتمصيره، وجعله ملائماً ورائجاً ومتصدراً لتريند اليوتيوب في مصر، بالإضافة لاستخدامه في العديد من إعلانات العلامات التجارية الشهيرة.

نجح الراب في مزاحمة المد الجارف لوجود المهرجانات في صدارة المشهد الموسيقي العام وتقاطع معه أحياناً، من خلال إعلانات العلامات التجارية أو التعاونات الثنائية التي هدفت لنشر اللونين الموسيقيين بشكل أكبر.

أحمد موسى يحاور الفنان هاني شاكر في "على مسئوليتي"

بينما يُعد المهرجان لوناً موسيقياً مصرياً بشكل كامل، يتم الإشارة إليه بالغناء الشعبي، دلالة علی تعبيره عن قطاع عريض من الشعب، وبالرغم من سماع الجميع لهذا اللون ووجوده في كل حفلات وأفراح كل فئات المصريين باختلاف طبقاتهم، فإن النخبة من الوسط الفني أو الطبقات الاجتماعية العُليا أيدت قرارات المنع بعرائض طويلة علی مواقع التواصل الاجتماعي، بينما لو حدث هذا الشيء مع أي مغني راب أو أي مطرب في أي شعبة فنية أخری كنا سنجد كل هؤلاء يرفعون رايات الأسئلة عن حرية التعبير!

"عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا وأخلاقنا"

جملة أخری من تصريحات نقيب المهن الموسيقية تضعنا أمام عدة أسئلة، أبرزها ما وظيفة الفن، وعمّن يجب أن يُعبّر؟

الفن هو وسيلة تحايل علی قسوة الحياة، طريقة للاعتراض لقول لا في وجه أي شيء، كل إنسان من حقه أن يمارس الفن بدون أن يتم اتهامه بالإساءة للوطن أو التاريخ. من الواجب أن يتخلی المسؤول عن دوره في التنظير وخلع عباءة الناقد، ويسعی هو بنفسه لخلق فنه الخاص الذي قد يتمكن من مواجهة ما يدّعون أنه يفسد الذوق العام، أين هو دور الدولة من رعاية الفنون أو أي نشاط ثقافي؟ ولماذا يتم تحديد ما يجب سماعه من عدمه بناءً علی رأي شخص واحد؟ 

أتساءل ما هو دخل كلمات مثل "الجمهورية الجديدة" و"الهوية المصرية" بحديث عن الفن والموسيقى! 

من الواضح أن المرجو من معركة هاني شاكر المفتعلة هو أحداث صخب بلا أثر، في العصر الحالي قرارات مثل المنع لن تكون مؤثرة بشكل كامل علی الموقوفين، ولكنها بلا شك قرارات ظالمة تحمل في طياتها طبقات متعددة من الشعور بالفوقية تجاه مغنِّي المهرجانات.

إن السلطة مهما كانت شرفية أو إدارية أو صورية تمنح بعض النفوس شعوراً رهيباً بالقوة، وتجعل ضعاف النفوس تحت رحمتها تفعل بهم ما تشاء، وتظهر في مثل هذه الظروف من يستخدمون السلطة في البطش بالآخرين، أو شن الحرب عليهم، حرب من الممكن أن يفوز فيها صاحب المنصب بأي شيء، قد يخدمه في حديثه استخدام مصطلحات سياسية كي يتم الالتفات إليه وينجح في حشد النخبويين والفئة التي تُهلل لقرارات المنع والإيقاف ضد أي جهة، وبلا أي إدراك. 

هاني شاكر يهاجم
حمو بيكا، أحد أشهر مغني المهرجانات في مصر حالياً/الشبكات الاجتماعية

من المتوقع أن يخرج علينا نقيب المهن الموسيقية أو أي مسؤول في أي جهة فنية، ليعلن أن ما يفعله مغنّو المهرجانات مخطط من قوی الشر لإسقاط هيبة مصر، وأنه يخوض حرباً لا نعلم عنها شيء، وستجد كلمات مثل هذه صدی رائعاً عند البعض، قد يتم التضحية بمغنّي المهرجانات ليكونوا مثالاً حياً علی كل من يقرر التعبير بطريقة لا تناسب النخبة الفنية أو السادة المسؤولين في النقابات، كل الأشياء التي تحدث لم تعد مثيرة للتعجب، ولكنها بلا شك مازالت مثيرة للسخرية.

يدعونا الموقف للتساؤل: ما الذي يميز الراب عن المهرجانات في نظر النقابة؟ كل أسئلة لا تحمل إجابات دقيقة تنقلنا لتعريفات مطاطية حول الروتين أو الذوق المفضل للنقابة، كل ما يحدث في الوقت الحالي يجعلنا نتساءل عن الهدف المرجو من المعارك الوهمية التي لا تُسمن ولا تغني، ولا تفيد أحداً، إلا من يشعلونها ليتصدروا التريند خوفاً من النسيان أو زحف علامات العمر علی وجوههم وطبقات صوتهم.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سيد عبدالحميد
كاتب مقالات وقصص قصيرة
كاتب مقالات وقصص قصيرة
تحميل المزيد