لا بد وأنت تتابع المشادات الكلامية بين النشطاء المغاربة والجزائريين أن تجذبك الغرابة نحوها، لكن ما إن تتابع "خرجات" إعلامية لمن يصفون أنفسهم بمحللين سياسيين وخبراء استراتيجيين والهالة التي أحاطوا أنفسهم بهم، ستتأكد بما لا يدع مجالاً للشك سبب فشل البرامج التنموية في أوطاننا وعدم القدرة على تحقيق الوحدة الاقتصادية المغاربية.
جميل جداً أن تقرأ مقالات يفترض بها كشف عيوبك وأخطائك حتى تتدارك الأمر وتصلحها قبل فوات الأوان، لكن أن يكون الناقد فاقداً للأدوات العلمية والرؤية والتحليل المنهجي، لذلك فهذه هي الطامة الكبرى.
قبل أسابيع خرج الرئيس عبد المجيد تبون بقرار "خطير" قطع به شريان الوريد الذي ينقل 70% من حاجيات المغرب من الغاز عبر أنبوب الغاز المغربي، وأعاد المغرب 50 سنة للوراء، وقد يكون هذا الشتاء الأسوأ في تاريخ المملكة المغربية والشعب المغربي – ذلك التحليل خرج به مجموعة ممن يطلق عليهم محللو القنوات الاستراتيجيون في الجار الشرقي للمغرب.
هذا الموقف هو تجسيد بشكل خفي لما يحاول بعض المحسوبين على النظام الرسمي الجزائري تصديره للداخل الجزائري على أنه انتصار ينتظر جحافل الطبول، لكن الإخوة المحللين في الجزائر تناسوا شيئاً مهماً هو قراءة المشهد المغربي أو حتى مراجعة بيانات أجهزة التخطيط والإحصاء والمالية والاقتصاد. وفي قراءة مبسطة فإن الغاز الجزائري الذي يحاول البعض تصويره على أنه انتصار تاريخي لا يمثل حتى 7% من الاستهلاك السنوي للغاز بالمغرب، ويوجه كاملاً لإنتاج الكهرباء بمحطتي تهدارت وبني مطهر نواحي مدينة وجدة.
كذلك تناسى الإخوة في الجزائر أن المغرب لا يعتمد على الغاز في التدفئة بل على الحطب في بعض المناطق الجبلية والكهرباء في بعض المدن، والنقطة المهمة أيضاً أن توزيع الغاز في المغرب بالنسبة للاستخدام المنزلي لم يتم عن طريق الربط المنزلي كحال الجزائر، التي اعتمدته منذ سبعينات القرن الماضي، وتحاول اليوم التخلص منه بفعل زيادة الاستهلاك الداخلي إلى 45% من الإنتاج السنوي الداخلي.
ما يحاول المحللون الاستراتيجيون تصويره على أنه انتصار لا يتعدى أن يكون زوبعة في فنجان قهوته، فالمغرب كان دائم التوجس من تدهور العلاقات مع الجزائر إلى هذا الحد، لذلك حاول دائماً ألا يضع كل البيض في سلة واحدة، وهو ما تأكد من خلال ما أقدم عليه النظام الجزائري.
ما لم يستطِع المحللون الاستراتيجيون في الجزائر الحديث عنه هو ما مدى قدرة الجزائر على المحافظة على شركائها الأوروبيين أمام غاز الدب الروسي وخط الغاز المغربي النيجيري، وأسباب توجه إسبانيا نحو الغاز الأمريكي الرخيص، وكذا الإجابة عن قدرة المغرب على أن يصبح مصدراً للغاز بعد اكتشافاته بكل من محطة إنزكان وتندرارة والعرائش.
وفشل محللو الجزائر الذين استوطنوا القنوات الفضائية في إيجاد الخلطة الصحيحة، حيث بدأ المغرب في تصدير الكهرباء إلى بريطانيا عبر خط بحري مباشر. والأنباء عن افتتاح محطات توليد الكهرباء من الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية والريحية التي من المرتقب أن يبدأ المغرب في عمليات تصدير نحو دول جنوب الصحراء.
لعل أكبر أسباب تخبط النظام الجزائري في تبني توجهات وسياسات وعلاقات دبلوماسية خارج هذه المنظومة، فلا أرى عجباً أن يطالب الجزائر بعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، ولعل الأولى أن يطالب نفس النظام بأن يعود أبناء سوريا إلى قراهم ومنازلهم، ولا عجب أن يدافع بكل شراسة عن الصرب ضداً على استقلال، وتقرير مصير كوسوفو، لكن تحت نفس البند لا مانع لديها من تقسيم بلد مسلم آخر، ولا تمانع أن تصوت بالرفض وتجند قنواتها الرسمية والخاصة ضداً على المغرب في مواجهة الأخيرة مع إسبانيا والاتحاد الأوروبي في مخالفة واضحة للإجماع العربي والإسلامي.
إن ما يحدث ليس ضرباً من المواجهة الصدئة على مواقع التواصل الاجتماعي أو المناظرة على القنوات الفضائية، حيث أصبح موضوع الجزائر والمغرب سوقاً كبيراً للبيع والشراء، القضية تحتاج إلى قليل من البحث والاستقصاء قبل رمي الاتهامات والإشارات التي لن تقدم أي شيء، ولن تزيد شيئاً القضية إلا احتقاناً وتشدداً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.