كل السُّنن الكونية تقر بحتمية الزواج واجتماع الجنسين في حظيرة الزواج؛ واجمعت أنه بداية الاستقرار والوئام والاستراحة من أعباء العزوبية والوحدة. الزواج عبارة عن حياة جديدة تحمل أوجهاً مختلفة؛ منها الحلو بأفراحه والمر بأحزانه.
الزواج عالم فسيح مجهول المصير والمآل؛ يهرول الكل نحوه بكثير من الأمل والخوف والترقب؛ فقد تطول مسيرته أو تقصر على حسب الظروف والعلاقة بين الطرفين.
وقبل رحلة الزواج يبحث كل واحد من الطرفين عن شخصية متميزة وإنسان من المدينة الأفلاطونية، تلك القرية الفاضلة؛ تتوفر في شخصيته أو شخصيتها كل شروط الوفاق والتفاهم والقبول؛ مما يؤخر أحياناً تنفيذ مشروع الزواج لدى الكثيرين بسبب المبالغة في الطلبات والصفات المرجوة وصعوبة اكتشافها بين ثنايا هذه الجموع الآدمية.
الوصفات الشعبية لإفساد الزواج
في مجتمعنا تسود الكثير من النظريات والتحليلات الغفيرة تجاه الزواج؛ والتي لا تنبني على أسس علمية أو تحليلات نفسية واجتماعية لها منهجية سليمة وواضحة. وإنما تلك النظريات محض قراءات وتفسيرات نبعت من رؤى أصحابها ومجربيها؛ وربما توافق بعضه الواقع أو تخالفه. وأكثر النظريات السائدة تميل نحو السلبية والخوف؛ مما يجعل الزوج أو الزوجة يتشبعان بكثير من التخوف والسلبية والحذر تجاه بعضهما؛ وتطبيق تلك النظريات على أرض الواقع ينتج أخيراً تفكك الأسر وعدم ديموميتها أو خلوها من شروط الوئام والهدوء.
يلقَّن الكثير من الرجال جمل من قبيل "إن المرأة يجب ألا تخرج عن سيطرتك؛ أو تتحسس منك اللين والتعاون الزائد أو المشاركة الدائمة في الخدمات المنزلية، فذلك ينتج عنه عواقب لا تحمد عقباها؛ وذلك لأن المرأة لا تقدر تلك الطيبة والتعاون. وستفهم تعاونك كسلوك نابع من شخصيتك الضعيفة والتي لا ترتقي إلى الرجولة التي كانت تراها من والدها أو أقربائها الذكور".
ومن خلال مثل تلك الاعتقادات والقراءات، يسود الجفاء والهجر بين الزوجين بغياب التعاون والمساعدة والرحمة والمودة، وغالباً سيكون مصير الزواج إما الانفصال أو الاستسلام لقسوة الأمر الواقع.
والحال عند النساء ليس أفضل كثيراً، فـ"عليك أن تحذري من الرجال فإنهم استغلاليون وطماعون؛ يمجدونك في بادئ الأيام وقبل أن يزول بريق الشباب من جسدك؛ وينتهي الود والحب الذي يبديه لك مع أول مولود ترزقين به. فحينها ستبدئين بمرحلة جديدة عنوانها الإهمال والضياع؛ واستعدي لأن تصبحي السيدة الكبيرة أو القديمة، فحتماً يطول نظره نحو فتيات أصغر منك سناً وأجمل منك مظهراً وأكثر منك بريقاً وأناقة.. عليك أن تشدي الوثاق عليه وتجعليه تحت تصرفك كي لا يتكبر ويتغطرس. اسأليه متى يأتي ومن أين أتى ومع مَن كان؟ ولماذا تأخر عن البيت؟.. تعلّمي قول الكلمات المناسبة في الوقت المناسب، كأن تقولي: أتظنني منتهية الصلاحية؟ هناك الكثيرون سيهرولون خلفي إن تخليت عني، وسأجد من هو أكثر منك مالاً وأفضل منك خُلقاً وخَلقاً".
الخلاصة
من خلال هاتين الصورتين نفهم أن الدروس التقليدية والنظريات المتغلغلة في مجتمعنا تحوِّل الزواج إلى سجن يحوي شخصين لا يفارقان بعضهما ولا يجتمعان معاً كذلك؛ فيعيشان في نكد وحقد وتنافس وعراك دائم؛ وتنعدم بينهما ثنايا السلام وكل شروط التوافق وقبول الآخر ويموت الود الذي كان عماد الحياة الزوجية وحتى في آخر أيامهما.
والحل يكمن في التدريس والتثقيف، وتفريغ العقول من الأفكار والآراء الهدامة التي لا تبقي ولا تذر. وتعليم المجتمع أن الحياة الزوجية التحام وامتزاج؛ وتحمُّل وقبول للطرف الآخر بخطئه وصوابه بعدل بين الزوجين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.