مات هو وحبيبته بالسرطان، وصرخ عند وفاتها: “غبائي سبب طلاقنا”.. الحياة المأساوية لأحمد زكي

عدد القراءات
4,094
عربي بوست
تم النشر: 2021/11/18 الساعة 11:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/24 الساعة 09:45 بتوقيت غرينتش
أحمد زكي - وسائل التواصل الاجتماعي

حينما نموت لا يختفي أثرنا بشكل كامل، بعض الناس يرحلون عنا ولكنهم يظلون في قلوبنا، يتركون في عالمنا ما لا يمكن محوه.. هذه الافتتاحية قد لا تكون كافية للحديث عن الراحل "أحمد زكي" في ذكری ميلاده. لكن كل ما يمكن أن يُكتب أو يُقال عن "النمر الأسود" لن يكون كافياً، والسبب لا يتعلق بالمسيرة الطويلة والحافلة لأحد أهم نجوم السينما المصرية، التي يتخطی عمرها 100 سنة، ولكن لأن أحمد زكي، وكما وصفه الكاتب المصري الراحل خيري شلبي كان "خامةً نادرة من الأحجار الكريمة كالياقوت والعقيق واللؤلؤ والمرجان والزمرد، وصاحب مدرسة التشخيص بالأزميل"، في وصف شديد الدقة لفنان لا نرى مثله إلا نادراً.

ولكتابة هذا المقال كان لا بد من الاستعانة بكتابات ولقاءات عديدة، ولكن أبرز من تحدث عن أحمد زكي هو الكاتب الصحفي محمد توفيق، في كتابه "أحمد زكي 86"، الذي تتبَّع حياة زكي بجهد، وحب، وبحرص شديد، لنقل صورة شديدة الواقعية، مثيرة للشجن والحزن لرجل لم تتوقف الأحزان عن مطاردته منذ ميلاده وحتی وفاته.

أحمد زكي 86

في كتابه الصادر في العام الحالي عن دار "ريشة" للنشر والتوزيع، الذي حمل عنوان "أحمد زكي 86″، تناول الكاتب الصحفي "محمد توفيق" حياة أحمد زكي عن كثب في عام 1986، مع شذرات متفرقة ومشاهد عديدة من حياته، التي تُشبه لوحة جميلة تبثُّ في النفوس مزيجاً من السعادة والحزن. في 1986 كانت مسيرة أحمد زكي في أوج توهجها.

كانت النجاحات والأعمال الفنية تحاصره، وكذلك الأحزان، وكانت السينمات تعرض له أفلاماً عديدة، وكأنه ينافس نفسه فقط، ففي 1986 كانت أفلام: "البداية"، "شادر السمك"، "الحب فوق هضبة الهرم"، و"البريء" معروضة في السينمات في عام واحد، بل وفي نفس الفترة، بالإضافة لفلمين صدرا في الأعوام التي سبقت 1986 وهما "سعد اليتيم" و"الراقصة والطبال".

أحمد زكي في فيلم "ضد الحكومة" – وسائل التواصل

وللبريء قصة طويلة جداً، أشهر ما فيها في رأيي ليس تغيير مشهد النهاية، أو المنع الذي استمر لفترة طويلة، بالإضافة للمشكلات التي تعرَّض لها صناع العمل بسبب الرقابة الأمنية، وليست أحداث الأمن المركزي الشهيرة، ولكن المفارقة تكمن في تجسيد زكي لفيلم "زوجة رجل مهم"، الذي كان نقيض "البريء".

في "زوجة رجل مهم" يقوم أحمد زكي بدور ضابط متسلط، عنيد، نرجسي، يمارس سلطته علی الجميع حتی زوجته، يری نفسه فوق السلطة والقانون، يری نفسه القانون نفسه بكل صرامته وأخطائه. يتناقض الفيلمان في كل شيء بالرغم من أن البطل واحد، وبرزت هنا موهبة أحمد الرهيبة في التجسيد والتشخيص. صدر "زوجة رجل مهم" بعد عام واحد من عرض فيلم البريء، وتم تصويره أثناء فيلم "4 في مهمة رسمية"، لتكون تلك مفارقة أخری، وهي تجسيد شخصيتين في غاية الاختلاف في الوقت نفسه. 

في البريء يجسد أحمد زكي شخصية الجندي القروي الذي يُنفذ التعليمات بصرامة، يجسد ذيل السلطة وأضعف حلقاتها، الرجل الذي لا يعلم شيئاً إلا تنفيذ الأوامر وابتلاع الإساءة. 

وفي "زوجة رجل مهم" يجسد زكي دور ضابط مباحث، رجل من رؤوس السلطة في كل تجبّرها وغطرستها، رجل يعاند نفسه حتی يُثبت للجميع أنه لا يخطئ. 

نجح "صائد الجوائز" -كما لُقب- في إبراز المعنی بتجسيد المتضادين أمام العيان، نجح في لفت الأنظار وانتزاع الجوائز وصدارة شباك التذاكر، والسكن في قلوب المشاهدين، بل إنه انتزع مكانته من فم الأسد، وساهم بجهده وموهبته في تخليد اسمه بالتواجد في قائمة أفضل 100 فيلم مصري في القرن العشرين بـ6 أفلام، وهي: "البريء، زوجة رجل مهم، الحب فوق هضبة الهرم، أحلام هند وكاميليا، إسكندرية ليه، أبناء الصمت".

في كتاب "أحمد زكي 86" يقول الكاتب الصحفي محمد توفيق إن تاريخ ميلاد "أحمد زكي عبد الرحمن بدوي"، يوم الإثنين 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 1946 (وفقاً لبطاقته الشخصية) وليس في عام 1949 كما هو مثبت في موقع ويكيبيديا.

سنوات لا تُنسی

امتلك أحمد زكي ذكريات سيئة جداً. بالتأكيد لم ينسَ تاريخ وفاة والده، رغم أنه رحل وعمره أقل من عامين، ولكنه بالتأكيد كان يشعر بالفقد والحنين لرجلٍ لو عاش كان سيحمي قلبه الجميل من الحزن، الذي أكل روحه كما أكل السرطان رئته.

 افتقد أحمد زكي والده، وحاول تعويض هذا الشعور بالاعتماد علی أشخاص آخرين كان يشعر من خلالهم بعدم اليُتم، كان أحمد يتخذ جمال عبد الناصر أباً ككل المصريين، وحينما رحل جمال في عام 1969 تألم أحمد لرحيله وحزن جداً، وقضی أياماً متتالية بلا نوم. 

بينما بالتأكيد لم ينسَ يوم انفصاله عن الفنانة "هالة فؤاد"، والدة ابنه الوحيد هيثم، الذي عانی من اليُتم مبكراً مثل والده. تكرّر الشعور باليُتم والفقد مرة أخری بقسوة ومرارة حينما رحل الشاعر المصري "صلاح جاهين" في عام 1986. كان جاهين أخاً وصديقاً ورفيقاً وأباً حقيقياً لأحمد زكي، وكانت العلاقة بينهما  -التي امتدت لأكثر من 15 سنة- مثالاً إنسانياً عظيماً لا نجد له مثيلاً في حياتنا. 

صورة من زواج أحمد زكي وهالة فؤاد

تعرّف أحمد علی صلاح في السنة الثانية أثناء دراسته في المعهد العالي للفنون المسرحية، ومن وقتها لم يفارق أيٌّ منهما الآخر حتی رحيل جاهين المباغت، أثناء وجود أحمد في لندن لاستئصال المرارة، جسد أحمد زكي الذي كان يحمل أكثر مما يحتمل لم يتألم من المرض أو الوحدة فقط، ولكنه بالتأكيد تألم من الفقد بشدة وباستمرار.

الحب والصداقة في حياة فتى الشاشة

كان "أحمد زكي" صديقاً مقرباً للعديد من الفنانين، بعضهم يعتبره أخاً أو صديقاً، والأغلبية تعتبره أستاذ تمثيل وموهبة لا تتكرر. ومن ضمن صداقاته وأشهرها بجانب علاقته بصلاح جاهين هناك الصداقة مع (سعاد حسني 1942 – 2001) التي جمعته معها أول بطولة سينمائية مطلقة في فيلم "شفيقة ومتولي- 1978" بعدما ضاعت منه بطولة فيلم الكرنك، واجتمعا في فيلم "موعد علی العشاء 1981″، ليكون في مكانة البطل مرة أخری أمام السندريلا، وجاءت بعدها أعمال أخری مهمة في مسيرة الاثنين، كانت شاهدةً علی تناغم هذه الصداقة ومدی عمقها، بالإضافة لوجود جاهين كصديق مشترك بينهما حتی وقت رحيله. بحسب كتاب "أحمد زكي 86" فإن أحمد زكي نعی سعاد في صحيفة الأهرام قائلاً:

"يا أكثر الموهوبين إتقاناً.. وأكثر العباقرة تواضعاً.. وأكثر المتواضعين عبقرية.. بوجودك ملأتِ قلوب البشر بهجة، وبغيابكِ ملأتِها بالحزن، استريحي الآن، اهدئي، يا من لم تعرفي الراحة من قبل، لكِ الرحمة وكل الحب وكل التقدير، أسكنكِ الله فسيح جناته، يا من جعلتِ حياةَ الناس أكثر جمالاً".

كما كانت هناك صداقته بابنة الشرقية (سناء يونس 1942 – 2006) التي كانت قد سبقته في رحيلها إلی القاهرة لاحتراف التمثيل، بحسب رواية للكاتب الصحفي محمد توفيق.

فإن أول لقاء جمع بين أحمد وسناء كان علی محطة قطار الزقازيق، حينما طلب منها وفيق فهمي، مسؤول النشاط المسرحي في المدرسة أن تلبي دعوة أداء مسرحية رفقة فنانين المدرسة، وبالفعل حضرت سناء واستقبلها أحمد زكي، وبدأت بينهما صداقة استمرت لفترة طويلة.

أحمد زكي وابنه هيثم
هيثم أحمد زكي ووالده أحمد زكي

 رأت سناء أحمد في حالة صعبة جداً حينما سحبوا منه بطولة فيلم الكرنك ومنحوها لنور الشريف، وهو الأمر الذي حاولت سناء تخفيف حدته علی أحمد. وهناك رغدة، المرأة التي تحملت أكثر مما يمكن أن يحتمله أحد بجانب النمر الأسود، جمعت الأقدار الفنانة رغدة بالنمر الأسود في 4 أفلام فنية، بالإضافة لوجودها معه طوال الأشهر الأخيرة التي سبقت رحيله وحتی لحظة وفاته وشهدت آخر كلماته:

"أنا مقتلنيش السرطان، أنا قتلني لوع البشر". كانت العلاقة بينهما شديدة التقارب، تقول عنه إنه كان يفهمها من نظرة، وكانت هي أول من عرف حقيقة إصابة زكي بسرطان الرئة ووصوله لمرحلة متأخرة، لم تكن علاقات زكي محدودة، فبحسب تصريحات محمد وطني، مدير أعمال أحمد زكي، لجريدة الوطن، فإن الراحل كان علی علاقة جيدة بالرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، وكذلك مع عدد كبير جداً من رجال الثقافة والإعلام، مثل كمال الشاذلي وفاروق حسني وغيرهم.

هالة وأحمد.. حب وعناد

الرحيل المفاجئ لأحباب أحمد زكي لم يتوقف عند موت الأب الحقيقي أو الآباء الخياليين أو رحيل الأصدقاء، ولكنه زحف في اتجاه الحبيبة الوحيدة التي سكنت قلبه وحملت في أحشائها جسد ابنه الوحيد، ماتت هالة فؤاد في عام 1993، بعد صراع طويل مع سرطان الثدي. يقول الماكيير محمد عشوب في برنامج "الممنوع من العرض" إنه أول من نقل الخبر لأحمد زكي، الذي كان يقوم بتمثيل أحد المشاهد أعلی بناية في حي الخليفة، حينما علم أحمد زكي بالخبر حاول الانتحار بإلقاء نفسه من السطح، لولا حماية كل من هم في موقع التصوير لزكي، الذي ظلَّ يصرخ ويبكي.

"غبائي هو فشل زواجي من هالة فؤاد". 

كان يحلم أحمد ببيتٍ كبير يملؤه الصخب، والضجيج، ولم يكن يمانع إذا ملأه الصراخ والهرج ممزوجاً برائحة الطبيخ وركض الأطفال خلف بعضهم، لذلك حينما طلب من هالة فؤاد ترك الفن لم يكن هدفه أن يكون متغطرساً بشكل كُلي، كانت بداخله رغبة كبيرة في تعويض الوحدة التي عانی منها طيلة حياته. 

وفي المقابل كانت هالة فنانة، ومن عائلة فنية، ترغب في ممارسة حياتها بشكل طبيعي، كانت تری نجاح أحمد وتحفل به، ولكنها كانت تراه كالغرباء، وكانت تری أحمد نفسه لساعاتٍ قليلة خلال عدة أيام، لأنه كان يبيت في مواقع التصوير في بعض الأوقات. 

حينما افترقا لم يتمكن أحمد من تعويض الفقد الذي شعر به، لم يستطع أن يعيش نفس الشعور الجميل الذي عاشه مع هالة فؤاد، لذلك لم يتزوج، ولم يعد يطيق البيت، وبات نزيل الفنادق الدائم، وكأنه عاش ومات بلعنات الوحدة، وعدم الانتماء للبيوت.

هيثم أحمد زكي.. اللي خلّف مماتش

في 27 مارس (آذار) عام 2005، رحل أحمد زكي عن عالمنا، ودّعه عدد كبير من محبيه في جنازة شعبية هائلة، تاركاً خلفه مسيرةً حافلة من النجاحات التي لا تُحصی، وابنه هيثم الذي كان مُجبراً علی المقارنة الفنية مع واحد من أهم الشخصيات الفنية في تاريخ مصر. 

بدأت مقارنة هيثم مع والده مبكراً جداً، فبدايات هيثم كانت مع والده في فيلم "حليم"، الذي جسّد قصة حياة "عبد الحليم حافظ"، وقام هيثم بتجسيد دور البطل في مراحل الشباب، بينما أحمد زكي أدی الدور الرئيسي لحليم. لم تكن المقارنة منصفة أبداً، لا توجد مقارنة يمكنها أن تنصف أي شخص بجانب قامة فنية مثل أحمد زكي، لذلك عانی هيثم أحمد زكي من عدم تحقيق الشهرة خلال مسيرة فنية هزيلة، لم تشمل أعمالاً كبيرة أو نجاحات عظيمة، ولكنها حملت أوجه تشابه في حياة الرجلين. 

الراحل أحمد زكي يتحدث ابنه هيثم

وُلد هيثم في 4 أبريل (نيسان) عام 1984، وعرف الشعور بالوحدة مبكراً، حينما انفصل والداه بعد مرور أقل من عامين علی زواجهما، وعرف اليُتم مبكراً أيضاً، حينما رحلت والدته هالة وهو دون العشر سنوات، ليعيش مع جده وجدته اللذين رحلا واحداً تلو الآخر، وبعدهما رحل والده وهو في عامه الحادي والعشرين. تشابهت حياة الرجلين بشكل كبير، ولكن القدر كان أقسی علی هيثم، الذي لم يتمكن من تجاوز مرحلة الإخفاق في المقارنة مع والديه الفنانين، بل إن الحياة لم تمنحه الوقت الكافي كي يحقق أي شيء، لأنه توفي في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، إثر هبوط حاد في الدورة الدموية، ليصبح شهر نوفمبر شهر الحزن في ذكری رحيله، وشهر الاحتفاء بذكری ميلاد النمر الأسود.

لماذا نحب أحمد زكي؟

لم يكن شباك التذاكر وحده خير دليل علی أن أحمد زكي أصبح فتی الشاشة الأول، بل إن الحب الجارف للرجل الأسمر الذي يشبهنا كان يتوقف علی عوامل لا تُحصی.

كان زكي يعبر عنا في كل صورنا بلا تجميل، بلا ادعاء، بلا زيف، كان الرجل الذي لا يمكنك أن تحصر الأسباب التي تجعلك تحبه، فكلنا نمتلك أسباباً عديدة لحب أحمد زكي، وربما تكون كل هذه الأسباب مختلفة عن بعضها بشكل كُلي أو جزئي. 

ربما يكون سبب حبنا لأحمد زكي نابعاً من قصة حياته الحزينة، أو من قدراته الهائلة علی التعبير عن كل من يُجسدهم، ربما يُحبه الفنانون لأنه كان فناناً بحق، لا يبخل علی الفن بأي شيء، لم يكن "صنايعياً" يقبل بأي دور يُسند إليه من أجل المال كما يحدث الآن، وكما يصرح بعض الفنانين في الوقت الحالي، ربما لأن الظروف الصعبة التي خرج منها أحمد زكي للنور تشبه ظروف أي شخص من الطبقة الفقيرة أو المتوسطة في مصر؛ لذلك يُشكل زكي بارقة أمل للجميع. 

يُشكل أحمد رمزاً ثقافياً وفنياً وإنسانياً لكل من تعلّقوا بأعماله الفنية أو عرفوا لمحة من حياته، لا يمكنك أن تری أحمد زكي علی الشاشة إلا وتبتسم من تلقائيته في حواراته التلفزيونية، أو براعته في أداء شخصياته العديدة المتفردة، كان ومازال أحمد زكي رجل المستحيل، صاحب الطلة البهية التي تخطف الأنظار من الجميع، فهو نموذج حقيقي للفنان والإنسان.

أحب أحمد زكي لأنه كان يُقدر الفن ويحترم الجمهور، ولأنه عاش حياة حزينة جداً كان يستحق أجمل منها، ولأنه زكي، كما هو بكل عفويته وتلقائيته وبساطته، ولأنه رجل سعی للخلود ولم يخب مسعاه.

وأنتم لماذا تحبون أحمد زكي؟

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سيد عبدالحميد
كاتب مقالات وقصص قصيرة
كاتب مقالات وقصص قصيرة
تحميل المزيد