الخيار العسكري مطروح لكن عواقبه غير مضمونة.. حكاية المواجهة المؤجلة بين إيران وأمريكا وإسرائيل

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/17 الساعة 13:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/17 الساعة 14:02 بتوقيت غرينتش
ناقلة النفط التي صادرتها إيران في خليج عُمان/ رويترز

نشر الحرس الثوري الإيراني والتلفزيون الرسمي التابع لإيران مقاطعَ فيديو يدّعي أنها عملية إنزال عسكري، للسيطرة على ناقلة نفط تحمل نفطاً إيرانياً، كانت قد سيطرت عليها الولايات المتحدة في بحر عُمان.

سرد الطرفان روايتين متناقضتين، فالجانب الإيراني كان قد نشر بياناً عبر التلفزيون الرسمي يتحدث عن أن الولايات المتحدة صادرت ناقلة تحمل نفطاً إيرانياً معداً للتصدير إلى فنزويلا، ونقلت الولايات المتحدة النفط إلى ناقلة أخرى، وقادتها إلى جهة مجهولة، لتتدخل فيما بعد قوات تابعة للحرس الثوري لتقوم بالسيطرة على الناقلة والعبور بها إلى ميناء بندر عباس الإيراني.

الرواية الأمريكية لم تنكر الواقعة من حيث المبدأ، ولكنها قالت إن البحرية الأمريكية كانت في موقع "المراقب للحادثة"، بغض النظر عن تعارُض هذه الروايات، تعتبر هذه الواقعة حادثة مهمة للغاية إذا ما تم وضعها في سياقات التوقيت، الأدوات والأهداف.

ساحة الصراع الإيراني الإسرائيلي 

خلال السنوات التي أعقبت الانسحاب الأمريكي أحادي الجانب من الاتفاق النووي الإيراني (المعروف رسمياً بخطة العمل المشتركة)، تحولت مياه الخليج إلى ساحة صراع إيراني- إسرائيلي لفرض معادلات ردع ورسم خطوط حمراء فيما يتعلق بالأمن القومي لكلا الطرفين. أبرز هذه الحوادث كان الهجوم الذي نفذته طائرات مسيرة انتحارية ضد السفينة الإسرائيلية "ميرسر ستريت"، في أغسطس/آب الماضي، والتي خلّفت قتيلين من طاقم السفينة. في مياه الخليج كذلك، اقتصر التشاحن بين الولايات المتحدة وإيران، على بعض الحوادث البسيطة، والتي لم تتعد مجرد إطلاق طلقات تحذيرية، دون الانخراط في مواجهة مباشرة.

تأتي هذه الحادثة في توقيت مهم للغاية، أولاً من ناحية أن الطرفين يستعدان للعودة إلى مفاوضات فيينا، وثانياً من ناحية مرافقة طائرات إسرائيلية من طراز "F15" للقاذفة الأمريكية "B-1B" عند عبورها "الأجواء الإسرائيلية"، لتكمل الأخيرة جولتها على طول الحدود البحرية الإيرانية في مياه الخليج.

هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها القوات العسكرية الإيرانية عمليات الإنزال المظلي، بالإضافة إلى تدخل الزوارق الحربية السريعة، إذ إن أغلب المواجهات في مياه الخليج اقتصرت على استخدام الطائرات المسيرة، أو الألغام البحرية، أو الصواريخ التي تعمّدت إيران أن تكون مجهولة المصدر.

وأما عن الهدف من هذه العملية، فيجب القول إن الطرفين قد يتحضران بالفعل لمواجهة مباشرة، ولذلك يقومان بالتصعيد بطريقة غير مسبوقة. ويواجه هذا الخيار مصاعب لوجستية عديدة تجعله خياراً مستبعداً، فإن الطرف الإيراني والطرف الأمريكي، وحتى الطرف الإسرائيلي تفادوا المواجهة المباشرة على مدار أربعين عاماً مضت، إذ تدرك هذه الأطراف أنّ مواجهة مباشرة بينها لن تنحصر في الحدود الداخلية، بل ستتعدى الحدود وتشعل منطقة الشرق الأوسط بكاملها. من جهة أولى فقد عملت طهران على تقوية ودعم حلفاء لها في المنطقة، يضاهي تسليح وعدد هؤلاء الجيوش الرسمية في بعض الأحيان.

إنّ الانخراط المباشر في حرب ضد إيران سوف يدفع هؤلاء الحلفاء إلى شن حروب فرعية على المصالح والقواعد الأمريكية والإسرائيلية أينما كانت، فهم ينظرون إلى الحرب ضد إيران على أنها أُم المعارك. 

من جهة ثانية، فإن عدم التوصل إلى اختراع صواريخ بالستية قادرة على اختراق الجبال يجعل مهمة القضاء على المنظومة الصاروخية الباليستية الإيرانية أمراً شبه مستحيل، إذا ما فرضنا أن الولايات المتحدة لن تستخدم أسلحتها النووية، فإنها وعلى الرغم من امتلاكها لصواريخ باليستية عابرة للقارات كصاروخ "ترايدنت2" وصاروخ "فنتمان"، وعلى الرغم من تطوير إسرائيل لصواريخ باليستية متوسطة وبعيدة المدى تسمى "Jericho3" يصل مداها إلى ما يقارب 4800 كيلومتر، فإنّ هذه الصواريخ لا تستطيع اختراق "المدن الصاروخية" التي تقع في بعض الأحيان على عمق 70 كيلومتراً بحسب قائد القوات البحرية الإيرانية علي رضا تنغسيري.

قد تستطيع المواجهة المباشرة بين إسرائيل والولايات المتحدة وإيران تحييد بعض المفاعلات النووية الإيرانية وتعطيلها، إلا أن التقارير الأمنية تشير إلى أن إيران نشرت منظومات دفاع صاروخية (باور 373 الإيرانية، وصواريخ إس 200 الروسية) حول جميع المفاعلات النووية، وهذا ما يجعل من الصعب تحييد جميع هذه المفاعلات، ناهيك عن أن مثل هذا الهجوم سوف يدفع طهران للخروج من معاهدة انتشار الأسلحة النووية، والتحرك نحو تصنيع القنبلة النووية، التي يدعو الكثير من الأصوليون إلى تصنيعها كعامل ردع في المنظومة العسكرية الإيرانية.

الخلاصة

ختام القول: رغم أن الخيار العسكري في الملف النووي الإيراني يواجه تحديات ومصاعب عديدة، فإن هذا الخيار ليس مستبعداً في الجملة، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى الأحداث من دائرة أوسع؛ إذ يروّج اليمين الأصولي في البلدان المتنازعة إلى أنّ المواجهة المباشرة هي أمر حتمي لا مفر منه، ولكن مع إقرار الولايات المتحدة بأنها لم تصرح بالعملية لتفادي عرقلة عملية المفاوضات مع إيران، يتضح أنّ الولايات المتحدة تدرك مخاطر المواجهة العسكرية مع إيران.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حامد أبو العز
باحث سياسي فلسطيني
باحث سياسي فلسطيني
تحميل المزيد