“لبنانيو الخليج” في خطر.. هل تعصف السعودية بالفارين إليها من جحيم بيروت؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/16 الساعة 09:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/16 الساعة 09:29 بتوقيت غرينتش
الرئيس اللبناني ميشال عون والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز (صفحة ميشال عون على فيسبوك)

قلق وخيبة وتعب وحزن وأمل ورجاء، هكذا يعيش المغترب اللبناني في دول الخليج العربي، إذ تلاحقه السلطة في لبنان بمشاكلها إلى حيث يعمل وينتج ويكد ليمد أهله في الوطن الأم بما يكفيهم من مذلّة الطلب.  

منذ زمن ليس بقصير، يشعر اللبناني أنّ وجوده مهدّد في الخليج وأنّ غربة متفاقمة تتربص به نتيجة تراكم أخطاء سلطات بلاده بلا شك، ولكن أيضاً نتيجة شعوره أنّ هناك من يريد الاقتصاص من تلك السلطات على حسابه.

الهجرة من لبنان بالأرقام 

تضاعفت نسبة الهجرة من لبنان مع بدء الأزمة المالية والاقتصادية غير المسبوقة، فبعدما لامست الواحد والأربعين ألفاً ونيفاً عام ٢٠١٨، ارتفعت بنسبة ٤٠٪؜ عام ٢٠١٩، لتبلغ ما يزيد عن واحد وستين ألف مهاجر، بمن فيهم الطلاب.

أمّا في العام ٢٠٢٠، وبسبب جائحة كورونا والإغلاق الكلي، تراجعت الأعداد بشكل كبير، ولكن ما لبثت أنّ سجلت معدلات قياسية مع بداية العام ٢٠٢١. وفي الفترة المقبلة، ستُظهر الأرقام حجم كوارث النزف المستمر لأبناء لبنان المنتجين، بسبب سوء أداء سلطة تلتهي بالمناكفات والارتكابات من دون أن تلتفت إلى ضغط الفاقة والعوز الذي يرزح تحته المواطن.

فمؤخراً، غدت الهجرة منفذاً وحيداً للعمل للشباب اللبناني بشكل أساسي، وللكهول أو كبار السن إذا ما استطاعوا إليها سبيلاً وسط ارتفاع الدولار الخيالي واحتجاز أموال المودعين في المصارف وفقدان فرص العمل وتدمير القطاعات الاقتصادية واحداً بعد الآخر. 

على ضفة الخليج 

خلال النصف الثاني من القرن الماضي، تعززت الروابط بين لبنان ودول شبه الجزيرة العربية، ووجد عدد كبير من اللبنانيين فرص عمل في الخليج استطاعوا عبرها جني ثروات وفيرة.

وعلى الضفة المقابلة، تحوّل لبنان إلى القبلة السياحية الأولى لمواطني دول الخليج خلال فترتيْن: بين ١٩٥٠ و١٩٧٥، ثم من عام ٢٠٠٠ إلى ٢٠١٠، حيث شكّل الخليجيون نسبة ٥٠٪ من سياح لبنان.

ومنذ العام ٢٠٠٠ ولمدة عقد، شكلت الاستثمارات الخليجية ٨٠٪ من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في لبنان مع توجه واضح نحو القطاع العقاري.

كما شكّل الخليج وجهة نصف أعداد المهاجرين من لبنان بحثاً عن عمل أو استثمار في حقول متعددة، أبرزها التعهدات والنفط والقطاع المصرفي والفندقي[1].

لم يستمر الاندفاع على المنوال ذاته، بل شكلت الأعوام اللاحقة بدء تراجع الحركة بالاتجاهين. فمنذ العام ٢٠١١، بدأ انسحاب المستثمرين الخليجيين من القطاع العقاري، وصولاً إلى عرض أملاكهم للبيع بشكل جزئي أو كلي.

ترحيل لبنانيين من الخليج 

قصة ترحيل بعض اللبنانيين من الخليج ليست جديدة، فقد افتتحتها دولة الإمارات عام ٢٠٠٩ بعيد الانتخابات النيابية نتيجة ورود معلومات للأمن الإماراتي عن إيواء معارضين إماراتيين، يعدون العدة لأعمال إرهابية في ضاحية بيروت الجنوبية.

وفي العاشر من شهر حزيران/يونيو ٢٠١٣، قررت دول مجلس التعاون الخليجي وضع عقوبات بحق أعضاء في "حزب الله" يقيمون على أراضيها. وفي الثالث عشر من مارس/آذار للعام ٢٠١٥، رحّلت الإمارات سبعين لبنانياً. وفي الكويت، أُلقي القبض في الثالث عشر من شهر آب/أغسطس ٢٠١٥ على خلية تابعة لـ"حزب الله"، عُرِفت فيما بعد باسم خلية العبدلي، وتعدادها ثلاثة أشخاص. وفي 21 آذار/مارس ٢٠١٦، قررت الكويت ترحيل أحد عشر لبنانياً بتهمة الانتماء لـ"حزب الله"، وذلك بعدما كان مجلس التعاون الخليجي قد صَّنَفَه منظمة إرهابية في الثاني من الشهر نفسه.    

ازهار العلاقات

يسجل للرئيس كميل شمعون افتتاحه لمرحلة تعاون وثيق مع المملكة عندما زارها عام ١٩٥٢ على رأس وفد رفيع للقاء الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود. وتطورّت العلاقات بين البلدين حتى أصبح للرياض كلمة مسموعة في كل الاستحقاقات اللبنانية، وسرعان ما افتتحت مرحلة السياحة وتملك السعوديين العقارات في لبنان. 

أسهمت المملكة بتشكيل قوات الردع العربية عام ١٩٧٦ بالرجال والمال بعد قمة الرياض التي عقدت حينها، وظلت على تماس مع أحداث لبنان حيث عملت بعيد اجتياح بيروت ١٩٨٢ على تأمين خروج آمن لآلاف المقاتلين الفلسطينيين.

وساهمت المملكة بتزكية انتخاب أمين الجميل بعد اغتيال أخيه بشير، غير أنّها وقفت ضد اتفاق السابع عشر من أيار/مايو لعام ١٩٨٣ تضامناً مع دمشق.

وفي الثلاثين من أيلول/سبتمبر ١٩٨٩، نجحت المملكة في جمع ما بقي من نواب لبنانيين بأحياء في مدينة الطائف لصياغة اتفاق يحمل الاسم نفسه. 

تعاظم الحضور السعودي في الحقبة الممتدة من ١٩٨٩ إلى ٢٠٠٥، عام اغتيال رئيس الحكومة آنذاك رفيق الحريري وارتفعت مساهمات المملكة بشكل كبير جداً. 

عام ٢٠١٠، تخطى حجم الاستثمارات السعودية ٤ مليارات دولار، أي ما يمثّل ٤٠٪؜ من الاستثمارات العربية التي بلغت ١٠ مليارات، جل ما بقي منها كويتي وإماراتي. 

تراجع الدور السعودي

وبعدها وتحديداً في العام ٢٠١١، بدأ مسار تراجع العلاقات اللبنانية-السعودية الذي تسارعت وتيرته في السنوات الماضية.

وفي شباط/فبراير ٢٠١٦، أعلنت المملكة العربية السعودية وقف مساعداتها للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، وإلغاء تمويل صفقة بملياري دولار لصالح الجيش من فرنسا رداً على مواقف "مناهضة لها" جاءت بسبب "مصادرة" "حزب الله" إرادة الدولة اللبنانية. وبلغ التراجع أوجه في تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٧ مع استقالة رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري في الرياض والعودة عنها في بيروت.

العلاقات الثنائية واصلت تدحرجها إلى أن علّقت المملكة في نيسان/أبريل ٢٠٢١ استيراد الخضار والفاكهة من لبنان بعد ضبط مخدرات بكميات في شحنة رمان.

في ١٨ أيار/مايو ٢٠٢١، تأزمت العلاقات على خلفية تصريحات لوزير الخارجية شربل وهبة الذي ما لبث أن استقال بطلب من رئيس الجمهورية. 

وفي ٢٦ أكتوبر/تشرين الأول، نُشرت مقابلة لوزير الإعلام جورج قرداحي، وفي التاسع والعشرين من الشهر نفسه استدعت المملكة سفيرها وليد بخاري وطلبت من سفير لبنان فوزي كبارة المغادرة. وكذلك فعلت البحرين بداية، ثم تلتها الكويت فالإمارات. 

إلى أين يتجه لبنان؟

اليوم، يصل لبنان إلى نهاية حقبة مع دول الخليج، مفتوحة على احتماليْن لا ثالث لهما: يقضي الأول بخروج المملكة ومعها دول مجلس التعاون نهائياً من لبنان على قاعدة المثل اللبناني: "الباب يلي بيجيك منو الريح سدو واستريح". وهذا احتمال مستبعد لجذريته وبعده عن مفهوم السياسة في العصر الحالي. فالسيادة اليوم لم تعد ترتبط بحدود على أهميتها، بل باتت أكثر ارتباطاً بالنفوذ والجيوبوليتيك.

أمّا الثاني، فينطوي على عودة مشروطة بوقف تصدير العنف إلى دول الخليج انطلاقاً من لبنان. فلا ترغب أي دولة خليجية بوجود خلايا تهدد أمنها وأنظمتها، ولا أحد يرغب في أن تكون لحزب لبناني قدرات إقليمية تتجاوز قدرة دولته بما لا يقاس، كما لا أحد يرغب في أن يمد يده لمن قد يتسبب له بالأذى. 

قبل أيام، تحدث آموس هوشستين، كبير مستشاري وزارة الخارجية الأمريكية لأمن الطاقة العالمي، والمفاوض الجديد لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، لهادلي كامبل على محطة CNBC ليقول إن لبنان بحاجة إلى أن تكون حكومات الخليج "داعمة على المدى الطويل"، خاصة بعد ترسيم الحدود البحرية مع "إسرائيل"، كي تساهم في استثمارات تسهّل على لبنان الاستمرار. 

إذن، لا استثمارات بلا أثمان ولا عودة بدون تحسين موازين القوى بين الأطراف المتنازعة إقليمياً، وإلى ذلك الحين انحدار إلى القعر بل إلى ما دون القعر في ظل حكومة أعجز من أن تعقد اجتماعاً أو تلجم دولاراً أو تؤمن أرزاً وسكراً. في غضون ذلك، سيظل المغترب اللبناني في دول الخليج العربي يشعر بتخلي دولته عنه وعن دورها في حماية مصالحه. ولكن، أوليست السياسة فن إدارة مصالح الناس والدفاع عنها؟

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

خلدون الشريف
كاتب وسياسي لبناني وشخصية نشطة في حل النزاعات
مستشار سابق لرئيس الحكومة اللبنانية، رئيس سابق للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني في الفترة من 2012 إلى 2014، رئيس مجلس إدارة "لبنان 24" سابقاً، كاتب سياسي وشخصية ناشطة في "حل النزاعات".
تحميل المزيد