قبل أسابيع استفز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجزائريين بتشكيكه في وجود أمة جزائرية قبل الاحتلال الفرنسي سنة 1830، لكن الإليزيه تراجع الأسبوع الماضي وأصدر بياناً عشية مؤتمر دعم ليبيا الذي احتضنته باريس الجمعة الماضي عبر فيه عن "احترامه الكبير للأمة الجزائرية وتاريخها وسيادتها"، وتأسف للجدل الذي أعقب تصريحاته الاستفزازية الأولى التي أدت بالجزائر الى استدعاء سفيرها وغلق مجالها الجوي في وجه الطائرات العسكرية الفرنسية، وكذا غلق كل قنوات التواصل بين البلدين، مما أثار موجة غضب كبيرة في الأوساط الشعبية في الجزائر وحتى الجالية الجزائرية في فرنسا، لما اعتبروه قلة أدب وقصور في الوعي والنضج السياسي لرئيس لم يكن بحاجة إلى استفزاز الجزائريين، ولا إلى تصحيح الخطأ بخطأ آخر عندما تأسف للجدل والضجة الإعلامية على حد تعبير بيان الرئاسة، ولم يعتذر على تصريحاته التي حملت مغالطات وقلة احترام للأمة الجزائرية وتاريخها وسلطتها وشعبها.
مكر ماكرون!
أثناء الحملة الانتخابية للرئاسيات التي ترشح لها ماكرون قبل خمس سنوات عندما كان مجرد مرشح وصف ممارسات الاحتلال الفرنسي في الجزائر بأنها كانت جرائم حرب ضد الإنسانية، وعشية الانتخابات الجديدة ارتكب حماقة لم يقدر مفعولها، قبل أن يحاول الاستدراك ويقر بأنه متمسك بعلاقات متميزة مع الجزائر التي يحترم سيادتها وتاريخها، ويقدر الأمة الجزائرية التي يدرك جيداً أنها أعرق من الأمة الأمريكية مثلاً
ماكرون أراد استدراج الرئيس الجزائري لحضور مؤتمر ليبيا لحشد التأييد لأجندته عشية الانتخابات الرئاسة فيها، وتلطيف الأجواء مع الجزائر والجالية الجزائرية في فرنسا، تحسباً لانتخابات الرئاسة المقررة السنة القادمة في فرنسا، لذلك سعى على مدى أيام حسب جريدة لوبينيون الفرنسية للاتصال هاتفياً بالرئيس الجزائري الذي لم يكتف بعدم حضور المؤتمر، بل أبدى تشدداً غير معهود في السابق مع الجانب الفرنسي، حيث أمر بعدم الرد على الاتصالات والمراسلات الواردة من الجانب الفرنسي وتجميد كل الأنشطة واللقاءات الدورية التي كانت مبرمجة سواء في باريس أو الجزائر في سابقة أولى من نوعها لا أحد يعرف مداها رغم المصالح المشتركة في عديد من المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية التي تربط بين البلدين منذ الاستقلال، حتى أن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة الذي شارك في مؤتمر باريس ممثلاً للجزائر، تفادى بدوره الالتقاء على انفراد بماكرون أو وزير خارجيته جان إيف لودريان.
التأسف لا حدث بالنسبة للجزائر الرسمية!
كل المؤشرات توحي بأن الجانب الجزائري لم يهضم تصريحات ماكرون السابقة التي تهكم فيها على الجزائر الدولة والأمة والشعب على حد سواء، لكن بالمقابل لم يعِر أي اهتمام للأسف الذي أبداه في بيان الرئاسة المتناقض مع ما صدر على لسانه من قبل حتى أنه لم يصدر بشأنه أي تعليق أو رد فعل رسمي جزائري، وكأنه لا حدث، أو كأنه الطلاق النهائي مع ماكرون عشية انتخابات الرئاسة الفرنسية التي تلعب فيها الجالية الجزائرية دوراً كبيراً كعادتها في تغليب كفة أحد المرشحين.
أما في الأوساط الشعبية في الجزائر فإن غالبية الجزائريين عبروا في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي عن امتعاضهم من جديد وعدم حاجتهم إلى احترام ماكرون للأمة التي أهانها من قبل، وعاد ليعبر عن احترامه لها لأجل مصلحته ومصالح بلده، لذلك حان الوقت لتغيير الموازين وإعادة النظر في العلاقات السياسية والاقتصادية مع فرنسا التي لم تتخلص من عقدتها التاريخية.
التأسف مسيء لفرنسا أيضاً!
حتى في فرنسا لم يسلم ماكرون من انتقادات اليمين المتطرف الذي استغل الفرصة لربح النقاط في صراع الرئاسيات المقبلة، معتبراً أن بيان الإليزيه مهين للدولة الفرنسية التي لا يجب أن تأسف على تصرفات وتصريحات رسمية حتى ولو كانت خاطئة، أو تعتذر على ممارساتها وجرائمها أثناء فترة الاحتلال مهما كانت بشاعتها لأن فرنسا في نظرهم فقدت في حرب الجزائر كما تصفها العديد من أبنائها، بينما لا يزال البعض الآخر يعتبر تشكيك ماكرون في وجود أمة جزائرية خطأ سياسياً فادحاً، فيه مغالطة تاريخية أو قلة احترام من طرف رئيس فرنسي وعد بالاعتذار للجزائر قبل خمس سنوات، لكنه لم يف بوعده، بل يتمادى في الإساءة للجزائر وفرنسا على حد سواء، والإساءة لنفسه كرئيس وعد بمعالجة ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا، لكنه أعاد إلى ذاكرة الجزائريين تلك النزعة الاستعمارية التي لم تتخلص منها فرنسا.
على الجزائر أن تحرص بدورها على مصالحها، وتحترم نفسها وكرامتها ورصيدها، وتتخلص من تبعيتها في تقدير الكثير من المتتبعين في الجزائر مهما كان الثمن، لأن المتضرر الأكبر سيكون فرنسا واقتصادها، وبنسبة كبيرة المرشح للرئاسيات المقبلة إيمانويل ماكرون الذي أكد أنه مجرد مراهق سياسي لم يصل مرحلة البلوغ ليقرر مصير بلد من حجم فرنسا.
ماكرون يشعر بالخطر في الانتخابات
أثناء الحملة الانتخابية للرئاسيات التي ترشح لها ماكرون قبل خمس سنوات عندما كان مجرد مرشح وصف ممارسات الاحتلال الفرنسي في الجزائر بأنها كانت جرائم حرب ضد الإنسانية، وعشية الانتخابات الجديدة ارتكب حماقة لم يقدر مفعولها، قبل أن يحاول الاستدراك ويقر بأنه متمسك بعلاقات متميزة مع الجزائر التي يحترم سيادتها وتاريخها، ويقدر الأمة الجزائرية التي يدرك جيداً أنها أعرق من الأمة الأمريكية مثلاً، لكنه لا يجرؤ على القول بأنها لم تكن موجودة قبل منتصف القرن الثامن عشر، وهو الذي يدرك جيداً أن الاحتلال جاء مباشرة بعد حادثة المروحة التي لوح بها داي الجزائر في وجه القنصل الفرنسي وطرده من القصر بعدما طالبه بدفع الديون المترتبة على فرنسا، ما يعني أن الجزائر كانت دولة وأمة وفرنسا كانت ممثلة بقنصل قبل الاحتلال الذي جاء بعد ثلاث سنوات من الواقعة.
إلى أي مدى سيصل الاحتقان؟
هو السؤال الذي يطرحه المتتبعون بإلحاح في الجزائر وفرنسا بعدما تأكد الجزائريون أن فرنسا الرسمية تحترم مصالحها في الجزائر وليس الجزائر، ولا الأمة الجزائرية في حد ذاتها، لذلك على الجزائر أن تحرص بدورها على مصالحها، وتحترم نفسها وكرامتها ورصيدها، وتتخلص من تبعيتها في تقدير الكثير من المتتبعين في الجزائر مهما كان الثمن، لأن المتضرر الأكبر سيكون فرنسا واقتصادها، وبنسبة كبيرة المرشح للرئاسيات المقبلة إيمانويل ماكرون الذي أكد أنه مجرد مراهق سياسي لم يصل مرحلة البلوغ ليقرر مصير بلد من حجم فرنسا، ويقرر مصير علاقاتها مع الجزائر بكل ما لها وعليها.
للقضية بقية..
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.