بادئ ذي بدء نستمطر شآبيب الرحمة والغفران على روح فقيد الرياضة الليبية الخلوق "فراس عاطف" لاعب الكرة الطائرة الليبي، الذي صال وجال لأكثر من خمسة عشر عاماً مع مختلف الأندية وغادرنا صباح الجمعة 12 /11 /2021 في دهشة وصدمة كبيرتين. توفي فراس عاطف جرّاء أزمة قلبية ألمّت به بعد لحظات على دخوله تمارين فريقه الاتحاد الليبي تحضيراً لانطلاق الموسم الجديد. مات فراس بأزمة قلبية رغم أن عمره لا يتعدى 37 عاماً ولا يعاني من أي أزمة قلبية ولم يشتكِ يوماً من أي مشاكل صحية، بحسب زملائه بالفريق.
صحيحٌ أن أجله قد حان وأن ساعته كُتِبَ أوانها مُذْ تكونت خِلقتُهُ في بطن أمه، ولن يوقفها أحدٌ سوى الشديد القوي، ولكن هذا لا يمانع من الحذر والاحتياط والأخذ بالأسباب وتوقع الأسوأ والعمل على تلافيه، إبراءً للذمة أمام الله قبل أي شيء آخر وتأدية لواجب إنساني قيمي.
لماذا قد يموت الرياضيون بالسكتة القلبية؟
في بعض الأحيان تحدث أمور "غير طبيعية" لقلوب الرياضيين في منتصف المباراة أو التدريبات، بعضها نتيجة إجهاد "فائق" أثناء بذل مجهود غير محتمل، وبعضها يكون مرتبطاً بمرض آخر أصيب به الرياضي مؤخراً، وقد يكون السبب في إجهاد القلب أو توقفه بالكلية.
عندما يتم تحديد وتشخيص أصل المشكلة، يمكن إصلاحها أو معالجتها، لكن بعض المشكلات يظل غير قابل للإصلاح أو غير قابل للشفاء وإنما يتم التعامل مع أعراضه.
تحدث السكتة القلبية عندما يتوقف القلب فجأة عن ضخ الدم في جميع أنحاء الجسم، مما يؤدي إلى حرمان الدماغ من الأوكسجين ومن ثم يفقد الإنسان الوعي ويتوقف عن التنفس.
وهي تختلف عن النوبة القلبية، التي تحدث عندما ينقطع تدفق الدم عن عضلة القلب، تلك الأخيرة غالباً ما تحدث بسبب جلطة في أحد الشرايين التاجية.
وفقاً لأخصائي القلب بجامعة هال البريطانية، أمل لويس، يمكن أن تتسبب التشوهات الهيكلية أو الكهربائية في توقف القلب المفاجئ عند الرياضيين. قد تكون هذه التشوهات موروثة أو قابلة للتشخيص.
وبالنسبة للرياضيين الذين يعانون من أمراض القلب غير الاعتيادية، يمكن أن تكون التمارين الرياضية أحد المحفزات. في بعض الرياضات، يمكن أن تؤدي الضربة الشديدة على الصدر إلى سكتة قلبية مفاجئة، وتسمى "commotio cordis".
يتفق الدكتور لويس مع ظافر إقبال، رئيس وحدة الطب الرياضي بنادي كريستال بالاس الإنجليزي، في التأكيد على أن المجهود البدني الفائق قد يسبب السكتة القلبية، "في الوقت الحاضر، تصيب السكتات القلبية الأشخاص الذين يتمتعون بلياقة عالية، ويتبعون أسلوب حياة صحياً ونشطاً، بسبب المجهود البدني المبذول. إذا كان القلب لديه القدرة على مستوى معين من المجهود، والرياضي يجهده باستمرار ، فإن فرص زيادة سماكة عضلة القلب تكون أعلى".
ووفقاً للمعهد الرياضي في جامعة واشنطن في سياتل، يعاني 1 أو 2 من كل 100 ألف رياضي نشط من توقف القلب المفاجئ كل عام. ويقول المعهد إن الذكور معرضون لخطر أكبر من الإناث، كما أن الرياضيين الأمريكيين من أصل إفريقي معرضون لخطر أكبر من الرياضيين القوقازيين كما أثبتت دراسة أجراها المعهد.
اهتمامات الأندية الليبية
كل الأندية في ليبيا مهتمة فقط بإبرام العقود وإتمام الصفقات ترضيةً لجماهيرها واحتواءً لسخطها، مهملةً الجانب الصحي وهو الأهم؛ لأنه مرتبط بالإنسان وحياته، ومتحاشيةً إجراء الكشوفات الطبية المعمَّقة والتحاليل المختلفة لمعرفة معاناة كل لاعب ونقاط ضعفه صحياً.
إهمال الأندية لدرجة الوعي الصحي والثقافة الطبية لدى رياضييها؛ يُقابله إهمالٌ مماثل للاتحادات الرياضية العامة والفرعية بالمناطق في مختلف الألعاب الفردية والجماعية؛ وهذا السلوك سيقودنا لكوارث إنسانية أخرى قادمة سببها الإهمال واللامبالاة وعدم الشعور بالمسؤولية للأسف؛ أفلا نعي ونتعظ؟!
مصر وتونس والمغرب ودول الخليج تشهد إقامة دورات تدريبية متواصلة متعلقة بإسعاف المصابين بشكل فُجائي لتعريف اللاعبين بأساسيات الإسعاف الأولي للإسهام في إنقاذ الأرواح من خلال الإنعاش الرئوي والقلبي وغير ذلك من التحوطات.
ولو قلت لي إن هذا العمل مكلف مادياً، فسأقول لك إنه لا يساوي 10% من قيمة عقد الرياضي، أفلا تهتم لحياته وهي أغلى ما يملك؟
موت "فراس عاطف" بنوبة قلبية آلمنا كثيراً، وأعاد تذكيرنا بوفاة لاعب كرة القدم الدولي المصري "محمد عبد الوهاب" عام 2006 الذي سقط مغشياً عليه في أحد تدريبات ناديه الأهلي، بسبب نوبة قلبية حادة ومفاجئة وهو الآخر لا يعاني أية مشاكل صحية.
هذه الوقائع تأتي لحكمة لا يعلمها إلا الله عز وجل، ولكن الحذر واجب، والحذر لا يكلف شيئاً، ومع حدوثها صار لزاماً فتح الملفات الصحية والضغط في اتجاه الاهتمام التام بصحة اللاعبين وإجراء الكشوفات المعمقة لهم بشكل دوري، وفرض أقصى العقوبات على المتخلّفين أو غير المهتمين بهذا الملف، فميثاق الرياضة أساسه الإنسان وأولوياته الحفاظ على حياته، فكم فراساً آخر سنفقد حتى نتعظ ونستفيق يا من توليتم أمر رياضتنا؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.