فى رحلة عودتي من أحد بلاد أوروبا، صادفني على الطائرة المغني الشهير عمرو دياب، والحقيقة أنا لست فضولياً، ولكن هذه المرة قررت أن أراقب الموقف لأرى كيف سوف يقابله الركاب وكيف سوف يتعامل معهم، وما أدهشني فعلاً، رغم إقبال أغلب ركاب الطائرة على التقاط الصور الخاصة معه (selfie) من جميع الأعمار، لم يضجّ الرجل ولم يرفض على الإطلاق، حتى إنه أثناء تناول الوجبات، سعى إليه طاقم الطائرة لأخذ صور معه ولم يقُل لا لأحد..
ولكن ما إن نزلنا في مطار القاهرة الدولى "صالة الوصول" وكأن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، قد عاد من الموت، فانقلب المطار رأساً على عقب، وتكالبت الناس على الهضبة وترك موظفو وعمال المطار أشغالهم لالتقاط الصور مع النجم، حتى ضابط الجوازات ترك طابور الركاب ينتظر لكي يصافح عمرو دياب، ثم يختم له الجواز قبل كل الذين وصلوا من قبله إلى شباك الجوازات، أضِف إلى ذلك إحضار حقائبه قبل كل ركاب الطائرة..!
إلى أن وصلنا إلى التفتيش الجمركي، فخرج هو أولاً مع مجموعة من الأتباع والحاشية، ثم خرجت حقائب الفنان عمرو دياب دون تفتيش، أو حتى الكشف عليها من خلال الأجهزة الإلكترونية. (X-ray).
ثم جاء دورنا نحن الركاب (أفراد الشعب) في الخروج، فبادر بسؤالي أحد مفتشي الجمارك وقال:
من أين أتيت.. وكم يوماً أقمت هناك…؟ وماذا كنت تفعل…؟ وهل أحضرت معك شيئاً يستوجب دفع رسوم جمركية عالية…؟ إلخ والكثير من هذه الأسئلة.
فسألته في تعجب: لماذا كل هذه الأسئلة؟ أنا أستاذ بالجامعة وكنت أُدرس بعض المحاضرات، فما الذي يمكن أن أحضره معي كأستاذ جامعي، إلا بعض الأشياء البسيطة التي تتناسب مع مرتب الحكومة، فأنا مثلك موظف عام (من متوسطي الدخل).
ثم قلت له:
لماذا لم تطرح مثل تلك الأسئلة على الفنان عمرو دياب هو وصحبته؟ ولماذا لم تطلب تفتيش حقائبهم..!
فجاء الرد المقنع والذي أفحمني من متخصص التفتيش الجمركي.
حيث قال حضرة مسؤول الجمارك المحترم:
النجم عمرو دياب يسافر كل شهر مرتين أو ثلاثاً لإحياء حفلات فى الخارج، ولا يحتاج لأن يشتري الكثير من الخارج، فهو يمكن أن يشتري من مصر ما يشاء بأغلى الأسعار (فهو يكسب الملايين).
أما أنت (يقصدني أنا العبد لله) أستاذ جامعة فين وفين لما بتسافر، وطبعاً بتحوش قبلها كتير علشان تشتري لأولادك ملابس مستوردة وموبايلات وتتصور أنك سوف تمر بدون جمارك.
ثم أكمل وقال:
"أنا فاهم شغلي يا أستاذ، أنا خبير فى تلك الأمور، وقال من فضلك أدخل حقائبك على الجهاز، واستعد للتفتيش الذاتي أيضاً، علشان تبطل لماضة..".
أنا لا ألوم الفنان عمرو دياب من قريب أو بعيد، فالرجل لم يخطئ فى شيء بل كان فى قمة الأدب والذوق مع كل من تعامل معهم، والحق أنه كان متواضعاً.
وأنا اليوم ألوم نفسي لأني سمعت نصيحة أبي وأنا صغير، والذي قضى على مستقبلي بدخولى الجامعة ثم حصولي على الماجستير والدكتوراه، لكي أصبح في النهاية أستاذاً في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.
وبعد ثلاثين عاماً من التدريس، أصبحت مشتبهاً في أني مهرب أدوات كهربائية وهواتف عند عودتي من التدريس بالخارج، "ياريتني كنت مغني أو لاعب كرة قدم مشهور".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.