لا شك أن اللقاء الذي جمع بين الرئيس التركي ورئيس حزب العدالة والتنمية "الحاكم" رجب طيب أردوغان، مع رئيس حزب السعادة "المعارض" تمل كارامولا أوغلو، بعد الطلب الذي تقدم به الأخير لأخذ موعد للقاء، وترحيب أردوغان بشدة لذلك؛ قد فتح الباب أمام حدوث تقلبات جديدة في السياسة التركية الداخلية.
كما شهدنا في المقابل من حاول سلب الأهمية من اللقاء عبر افتعال ما قالوا إنها أزمة "بروتوكول الجلوس" خلال لقاء الزعيمين.
حزب السعادة ذاته لم ينظر بأهمية بالغة لهذه الأزمة المفتعلة، ونجد أن رئيس حزب السعادة كارامولا أوغلو حينما سئل عن ذلك، أجاب بأن جلوسه على أريكة وليس على كرسي بجانب أردوغان، يأتي تطبيقاً لقواعد التباعد الاجتماعي بسبب فيروس كورونا.
إضافة لذلك، كانت عبارات الرضا والامتنان واضحة للغاية من تصريحات كارامولا أوغلو تعليقاً على اللقاء الذي استمر ساعتين و15 دقيقة مع أردوغان، حيث قال: "كان لقاء وديّاً وجميلاً للغاية، وجرى في جو ودي بدون مسافات".
والآن دعونا نتحدث حول أبعاد اللقاء وأهدافه، من خلال عدة أسئلة:
– ما الذي يريده حزب السعادة ورئيسه كارامولا أوغلو عبر هذه المبادرة؟
– هل يعني ذلك أن حزب السعادة بات يتوجه نحو "تحالف الجمهور" الحاكم، مقابل الابتعاد عن "تحالف الشعب" المعارض الذي كان معه في حالة وفاق حتى الآن؟
– هل الهدف هو مجرد فتح باب الحوار مع أردوغان؟ أم نحن أمام "مناورة" جديدة فعلاً؟
قبل البحث عن إجابات لهذه الأسئلة، دعونا نستعرض بعض الأمور التي ربما غابت عنا وسط ازدحام الملفات والقضايا المعقدة في تركيا.
كم هو معلوم، فإن القيادي الراحل في حزب السعادة، أوغوزهان أصيل تورك، والذي كان بمثابة آلية مستقلة وخاصة داخل حزب السعادة، كان يترأس المجلس الاستشاري الأعلى الذي تأسس بهدف التغلب على حالة الحظر السياسي الذي كان يواجهها رفيق دربه الراحل نجم الدين أربكان والأحزاب المتتالية التي أسسها وحُظرت.
أصيل تورك ظل رئيساً للمجلس الاستشاري الأعلى في حزب السعادة إلى حين وفاته في 1 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كما كان في الوقت ذاته يقود حركة "الرؤية الوطنية" (ميللي غوروش) منذ وفاة أربكان إلى حين وفاته هو.
ومن المعلوم أيضاً أن أصيل تورك التقى الرئيس التركي أردوغان أكثر من مرة، على مدار العام الجاري 2021.
ما الذي حصل الآن؟ ما حصل هو أنه بعد وقت قصير فقط من وفاة أصيل تورك، أجريت انتخابات لرئاسة المجلس الاستشاري الأعلى، على إثرها تم تعيين كارامولا أوغلو رئيساً لهذا المجلس، إلى جانب رئاسته لحزب السعادة.
ما يعني أنه لم يعد هناك مؤسستتان منفصلتان أو مستقلتان داخل السعادة. وبذلك نجح كارامولا أوغلو من التخلص من الانتقادات التي كان يوجهها أصيل تورك له قبيل وفاته، من قبيل أن الحزب بات منعزلاً بسبب خطابه القاسي ضد حزب العدالة والتنمية.
وإنني أعتقد أن مناورة كارامولا أوغلو الجديدة من خلال فتح قنوات حوار مباشرة مع الرئيس أردوغان، ترتبط بهذا السياق ذاته.
كما أتذكر جيداً حينما حاولت جس نبض أوساط حزب السعادة وموقفهم حيال التقارب الذي كان يقوده الراحل أصيل تورك مع أردوغان، عثرت على وجهتي نظر رئيسيتين داخل السعادة، الأولى تعارض أي تقارب مع أردوغان والعدالة والتنمية، والثانية يمكن أن تعطي الضوء الأخضر لذلك طالما أنه يصب في صالح حزب السعادة ويحقق له بعض المكاسب.
وفي هذا السياق، نجد أن النقد الحقيقي والرئيسي الذي كان يوجهه أصيل تورك لقيادة حزب السعادة، هو أن التقارب الفكري والشعور الديني بين حزبي العدالة والتنمية من جهة والسعادة من جهة، لا ينعكس في الواقع على خطاب حزب السعادة المتحامل على العدالة والتنمية.
هل هذا صحيح؟ نعم صحيح.
لأنه حين النظر إلى خطاب حزب السعادة تحت قيادة كارامولا أوغلو، نجد من الواضح أنه تحول إلى خطاب تعسفي بعيد عن توقعات الشرائح المحافظة/المتدينة، بل في بعض الأحيان تجاوز ذلك بكثير ليكون أحد من خطاب الشعب الجمهوري بحد ذاته.
ولذلك السبب كان أصيل تورك يعترض على ذلك بشدة خلال حياته، وكان يرى أن حزب السعادة لا يمكن أن ينمو بسبب هذا الخطاب "الغريب".
وحين النظر إلى انتقادات الراحل أصيل تورك وما تركته من أثر على شريحة لا بأس بها داخل حزب السعادة، يمكن أن نقرأ تحرك السيد كارامولا أوغلو الأخير ولقاءه مع أردوغان، على أنه يأتي استجابة للدائرة الداخلية في حزب السعادة، والتي تأثرت بخطاب أصيل تورك وآرائه في هذا الصدد.
ولذا فإن كارامولا أوغلو يحاول طمأنتهم، ويقول لهم بأنه "على الرغم من رحيل أصيل تورك إلا أن أنني ما زلت آخذ آراءه بعين الاعتبار".
وهذا يعني بطريقة أو بأخرى، أن من السابق لأوانه تقييم هذا التحرك من كارامولا أوغلو على أنه خطوة نحو الانفصال عن "تحالف الشعب" المعارض، والتوجه نحو "تحالف الجمهور".
على صعيد آخر، هل يمكن أن تكون هذه المبادرة بداية لتوجه جديد أم هي مجرد مبادرة صورية فقط؟
إلى الآن، لا يبدو أنها بداية لتوجه جديد، وسيكون من غير المنطقي لو قلنا بأن رئيس حزب السعادة بدأ بهذه المبادرة من أجل التوجه نحو تحالف الجمهور.
لكن على أي حال، لا شك أن فتح قنوات الحوار مهم وإيجابي.
ومن الواضح أن أردوغان حينما التقى أصيل تورك للمرة الأولى وزاره في منزله مطلع 2021، لا يزال يرغب في الإبقاء على باب الحوار مفتوحاً مع السعادة، لكن الأهم هو فيما لو السعادة يحمل هذه النية أم لا، وهذا ما سنراه بشكل أوضح خلال فترة الانتخابات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.