هل فرض جواز التلقيح في المغرب يحد من حريتنا؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/14 الساعة 10:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/14 الساعة 11:44 بتوقيت غرينتش

مع بداية صدور القرارات بشأن الإغلاق الكامل وفرض الحجر الصحي، كانت بعض مقاطع الفيديو التي تتحدث عن احتمالية وجود تلقيح في القريب، وما إن نُشرت هذه الفيديوهات حتى تصدرت جل منصات التواصل الاجتماعي، مما كان يعكس حجم خوف الناس في كل ما يخص اللقاح ومتى سيكون متاحاً، غير أنه ما إن بدأت بعض الجهات في الإعلان رسمياً عن توفرها على تلقيح مضاد للكوفيد، حتى بدأت من جديد أيضاً تظهر حملات رافضة للتطعيم، وبدأت تظهر قصص وأخبار تظهر مدى احتمالية استغلال هذا التطعيم من قبل بعض الشركات العالمية أو الأنظمة السياسية، وستزداد شراسة هذه الحملات، مع بداية إعلان بعض الدول نيتها فرض التلقيح، لتطفو على السطح نقاشات قديمة جديدة، أهمها على سبيل المثال، سؤال الحرية الفردية، والذي سيدعو جميع أطياف المجتمع للتفاعل معه، من مفكرين، وسياسيين، وحقوقيين وفلاسفة، كلهم بدأوا يهتمون بسؤال، هل القيود المفروضة من قبل الأنظمة في زمن كوفيد تحد من حريتنا؟

تباينت مواقف الدول بإزاء التطعيم، فهناك من لجأ مباشرة إلى خيار فرض التطعيم على جميع المواطنين ما لم يكن هناك مانع صحي، وخصوصاً تلك الدول التي تتوفر على أنظمة صحية قوية، غير أن بعض الدول الأخرى لم ترم هذا الخيار، ومنها الكثير من الدول العربية، وذلك مخافة التبعات التي يمكن أن تترتب على مثل هذه القرارات، خصوصاً بعض الدول التي تتوفر على أنظمة صحية هشة، وللتعامل مع هذا الأمر، ستلجأ هذه الدول إلى خيار آخر، وهو فرض الجواز الصحي في الأماكن العامة، مثل المقاهي، المطاعم، المدارس والجامعات وغيرها، مما يعني أيضاً فرض إجبارية التلقيح بطرق غير مباشرة، وكما يقول الصحفي المغربي أحمد الشرعي، فإن المغرب على سبيل المثال لجأ إلى هذه الطريقة، لتسريع وتيرة التطعيم، حيث إن الناس سيكونون مضطرين للتلقيح.

 غير أن هذا القرار لم يمر بسلام، حيث ما إن أعلنت الحكومة تطبيقه، حتى بدأت حملات على وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تنتقل إلى الشوارع، في الأسبوع الفارط.

يمكن أن يطرح سؤال بسيط هنا، لماذا لم تعتمد الدول العربية إجبارية التلقيح؟ قد يكون الجواب على هذا السؤال هو ما بدأ ينشره الكثير من الرافضين للتلقيح من تعرض ذويهم وأقربائهم لبعض العاهات أو التشوهات بعد تلقيهم للجرعة الثانية من التطعيم، فإلى حدود الآن التطعيم خياري في المغرب، مما قد يعني ضمنياً أن كل من يطعم فهو مسؤول عن المضاعفات التي يمكن أن تحصل له، فغياب الضمانات الصحية والغموض الذي يلف الكثير من القضايا في هذا الجانب هو ما يزيد من حجم الفئات الرافضة لإجبارية الجواز، الذي لا يمكن الحصول عليه إلا من خلال تناول الجرعة الثانية، وله تاريخ صلاحية محدد، بحيث يجب تلقي الجرعة الثالثة، للحصول على آخر ساري المفعول، حسب ما صرح به وزير الصحة المغربي خالد أيت الطالب.


 أمام هذا الأمر قد يبدو أن السؤال عن الحرية الفردية أمر في غاية الغرابة، وبالخصوص في سياقنا العربي، بل يبدو أن السؤال عن مدى تحمل الحكومة لمسؤوليتها تجاه ما قد يحدث من أضرار جراء تلقي التلقيح هو الأهم.

لم تكن تلك الحملات التي شُنت ضد فرض التلقيح، في البلاد الأوربية، أو أمريكا مثلاً بسبب نظرية المؤامرة فقط، بل هناك فئات مختلفة من المجتمع كانت تقف وراء ذلك، فهناك فئات من الناس ممن لا يثقون في التجارب العلمية التي أجريت، وهذا لا يعني طبعاً أنهم يرفضون العلم أو هم ضده، بل ربما هم فقط يدافعون عن حدوده ونسبيته، فإذا أخذنا مثلاً التجارب التي أجريت بخصوص التطعيمات التي اعتمدت، فإنها قد تكون غير كافية، ولا شك إذا علمنا أن هذه التطعيمات هي وإن أتيحت للعامة فإنها لا زالت في  طور التجريب أيضاً.

 ومن يطلع على تاريخ التجارب التي أجريت من أجل اعتماد دواء ما يدرك ذلك، فنجاح هذه التجارب بشكل نسبي لا يعني أنه لن يكون لها أية مضاعفات إذا ما عممت على السكان.

 وإذا ما استحضرنا الجانب الاقتصادي هنا، فإن هذه الشكوك قد نبدو حقيقية، حيث إن هذه الشركات يكون همها الأساسي هو الربح المادي لا غير، في هذه الحال فإن بعض الدول التي تتوفر على منظومة صحية قوية، فإن مواطنيها قد يتجنبون كل ما يمكن أن يترتب على تلقيهم اللقاح، حيث إن الفئات التي يمكن أن تتضرر جراء تلقيها التلقيح قد تتفادى ذلك بزيارة الطبيب قبل تلقي التطعيم، وغياب هذا الأمر في بعض البلدان العربية هو ما قد يفسر وجود هذه الحالات التي بدأت تظهر في المغرب على سبيل المثال.

وبالعودة إلى من يرفضون فرض الجواز على اعتبار أنه يحد من حريتنا، فهذا النقاش نراه اليوم قد بدأ يأخذ منحى جدياً، وعاد سؤال الحرية من جديد، حيث يرى الكثيرون أن الأنظمة السياسية استغلت ظروف الجائحة لتعزيز هيمنتها، وسؤال الحرية في الدول الليبرالية وإن كان سؤالاً جديداً قديماً، إلا أنه يظل سؤالاً إشكالياً، فيعود السؤال حول ماهية الحرية من جديد، هل الناس يولدون أحراراً أم أن القانون هو الذي يعطيهم هذه الحرية؟

وربما هذا الإشكال الذي أثاره فلاسفة القرن التاسع عشر، هو الذي يفسر اختلاف إجبارية التطعيم أيضاً من دولة إلى أخرى، فهناك بعض الدول التي تقدر الحريات الفرضية، لم تعتمد إجبارية التلقيح، بينما تتذبذب مواقف الدول الأخرى، ولم يقتصر سؤال الحرية على الجواز فقط، بل يطال قضايا أخرى، مثل قبول الأقليات وخصوصاً فيما يتعلق بأمر المسلمين في البلدان الأوروبية، فمع بدء فرض المزيد من القيود في هذا المجال يبدو أن هناك بعض الدول التي بدأت تتنكر لمبادئها التي كانت مقدسة بالأمس القريب.

من المؤكد أن هذه الجائحة كشفت عن الكثير من عيوب الحضارة القائمة، ووضعت الكثير من المبادئ على المحك، وجعلت الكثير من القضايا التي كانت بمثابة يقينيات بالأمس القريب، تتهاوى أمام واقع الحال، فمسألة تسلح المجتمع الحديث بالعلم الذي يحميه، أصبح محل تساؤل، كما أن الكثير من القيم التي كانت معلنة بالأمس كالحرية أصبحت محل تساؤل اليوم، وبدأ يتضح أكثر أن البحث عن ملاذ جديد أصبح أمراً ضرورياً، ليس سؤال الحرية هو الذي يطرح وحده فقط، بل هناك قبله سؤال المعنى في الحياة الذي هو أولى منه.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سفيان الغانمي
كاتب رأي مغربي
تحميل المزيد