لطالما اعتبر الرئيس سعد الحريري حزب الله والنظام السوري و8 آذار بشكل عام الأعداء الرئيسيين له، فمنذ وصوله إلى عالم السياسة، غداة اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، وهو يتهمهم باغتيال والده ومسؤوليتهم عن باقي الاغتيالات، حتى وصلت هذه العداوة إلى حدود الاغتيال الجسدي في 7 أيار/مايو، عندما طوقوا قصره وأطلقوا صاروخاً نحوه، واجتاحوا بيروت، لكن يبقى السؤال الأبرز إن كان سعد الحريري يعتبر حزب الله والنظام السوري عدوه الأول، فمن يعتبر سعدَ الحريري عدوَّه الأول؟
من المنطق أن يكون حزب الله يعتبر سعد الحريري عدوه الأول، لكن واقعياً أيهما أشد ألماً؟ أن يموت الإنسان برصاصة أم أن يطعن بسيف في ظهره كل يوم؟ ومِمَّن؟ من الأشخاص الذين يعتبرهم سنده! ممن يجب أن يطمئنَّ عند الشدة في وجودهم!
لا أحد يعلم غير حلقة ضيقة جداً الأسباب التي دفعت ليكون الرئيس سعد الحريري هو الوريث السياسي لرفيق الحريري، لم يسأل الناس كثيراً بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عندما نادوا ببهاء كوريث طبيعي، ثم اجتمعت العائلة وخرج الرئيس سعد الحريري كزعيم، إذ استطاع عبر شخصيته الكاريزمية وطبعه المتواضع وقربه من الناس أن يكتسب شعبية خاصة وعلاقة مميزة مع الشارع، وهنا للتوضيح، شخصية الرئيس سعد الحريري الإنسانية وبعيداً عن السياسة يُجمع عليها الكثيرون من الخصوم قبل المناصرين.
كثيرون لاموا الرئيس الحريري بأنه أخطأ بشكل فادح عندما نقل معقل الزعامة من قريطم، قصر الرئيس رفيق الحريري إلى بيت الوسط، حيث أصبح معقل الرئيس سعد الحريري، وحاول البعض الإيحاء بأنه محاولة منه للتمايز عن والده، وكثيراً ما انتشرت الشائعات التي حاولت النيل من سعد الحريري، عبر اتهامه بأنه يريد أن يخرج من عباءة والده.
لكن الكثير لا يعلم حقيقة أن قصر قريطم كان من حصة السيدة نازك، أرملة الرئيس رفيق الحريري، الوارثة الشرعية، وعلى الرغم من خروجه من القصر يقال إنه تكلف فيه بالكثير من الأعباء المالية التي تتعلق بالترميم أو أمور مالية عالقة مع الجيران.
بدورها، هي الأخرى مستوصفات الرئيس رفيق الحريري كانت على مدى أعوام كثيرة تشكل طوق النجاة لأبناء الأحياء والمناطق والقرى، حيث قدمت تلك المستوصفات الخدمات الصحية المتنوعة بدءاً ببرامج الطبابة الإكلينيكية ومروراً بالتصوير الإشعاعي على أنواعه، وصولاً إلى اللقاحات والأدوية، ومن الصعب أن تجد عائلة لبنانية لم تستفد بشكل أو بآخر من هذه المستوصفات، حيث لم تفرق بين اللبنانيين على مختلف اتجاهاتهم ومذاهبهم.
مع ذلك كله، وفجأة، حُمل الرئيس سعد الحريري قرار إقفالها وصوبت في وجهه الكثير من الأخبار والأقاويل التي جعلته يبدو بأنه أقفل هذا الباب في وجه الناس، لكنها هي الأخرى من الأمور التي حمل وزرها، وبقي صامتاً، ولم يبرر ولم يقل لأحد إنها هي الأخرى لم تكن من حصته بالأساس! وإنما حصة السيدة نازك ولا يملك فيها طاولة، على الرغم من تحمله للأعباء والتبعات المالية لتلك المستوصفات لسنين، قبل أن يدخل الأزمة المالية التي ضربته في السنوات الأخيرة.
وكما القصر والمستوصفات تحمل الرئيس سعد الحريري الوزر السياسي لأفعال رئيس جامعة رفيق الحريري، حين قام بمنع الصلاة في الجامعة، حيث شُن الهجوم على الرئيس سعد الحريري واتهمه الكثيرون بمجموعة كبيرة من الاتهامات، سياسية ودينية طالته بشكل شخصي، وعلى الرغم من كل ذلك لم يخرج ببيان يقول إنه لا سلطة قانونية أو إدارية لديه في الجامعة، وهي الأخرى من حصة أرملة أبيه ولا شأن للرئيس سعد الحريري من قريب أو بعيد بالأمر.
وكثيراً ما تفاجأ الرئيس الحريري بمواضيع بيع عقارات والده وتحمل تبعاتها السياسية الكارثية، حتى إنّ بعض العقارات بيعت لخصومه السياسيين وجاهداً حاول التوصل إلى حل مع إخوته لإعلامه بنيتهم بيع أي عقارات ورثوها من والدهم قبل عرضها للبيع، وحتى هذا الطلب الطبيعي بين الإخوة لم يلبوه له.
جريدة المستقبل كذلك، التي ارتبط مكانها بذاكرة جماعية لإرث الرئيس رفيق الحريري كانت بدورها على موعد مع صدمة حاول الرئيس سعد الحريري أن يتفادها ويغلق عليها عبر نقل مقر الجريدة من الرملة البيضا إلى سبيرز، فقد دخل يوماً رجل إلى الجريدة ليقابل رئيس التحرير ويبلغه بأن أمام الجريدة 6 أشهر لنقل مكانها، فقد باع أخو سعد الحريري العقار! صدم الرئيس سعد الحريري كما الصحفيون العاملون بالمكان، بكل تأكيد لكم تخيل كيف تكون صدمة الأخ من أخيه.
وكان لهم دورٌ أيضاً في إدخال الرئيس سعد الحريري في أزمة سياسية ناتجة عن بيع عقارات، ففي يوم من أيام بيروت نهض الناس، والبيارتة بشكل خاص، على خبر بيع أهم مدارس بيروت العريقة فيها: الليسه عبد القادر، وبعيداً عن المستوى العلمي الكبير الذي تقدمه المدرسة فهي بشكل آخر تشكل واحدة من أهم واجهات ومعالم بيروت الثقافية، وقد لعبت دوراً كبيراً وتاريخياً في تخريج عدد كبير من أبناء العاصمة، وتحمل سعد الحريري الوزر الأكبر، فقد حُمل الثمن السياسي لبيعها وشنت الكثير من الحملات عليه، واتهمه البعض بأن يقضي على إرث بيروت ويفرط فيه، وهو في الأصل صُدم بالخبر مثله مثل باقي المواطنين.
ولم يقفل باب الصدمات التي تلقاها الرئيس سعد الحريري من إخوته وتحمل تبعاتها السياسة في الداخل اللبناني الذي كان ينتظره فيه الكثيرون، فقد تلقى طعنة بيع الرملة البيضاء التي بدورها ترتبط بالذاكرة التاريخية للبنانيين بشكل عام ولأهل بيروت بشكل خاص، فهي الأخرى من أكبر العواصف التي ثارت في وجهه وحملت الكثير من الانتقادات السياسية، التي طالته والتي حملته تلك الجريمة ووقف فيها بلا حول ولا قوة.
ولعل أكبر صدماته كانت -كما سمعته بشكل شخصي حسب مصادر مقربة من القصر- في السابع من أيار/مايو، وهو تحت الضغط والقصف حين انتظر من أحد إخوته أن يكون سنده الذي يشد به عَضده، فجاءه -كما قيل- يسأله عن دَين له عنده، لأنه خاف على أمواله أن تذهب في حال توسع نطاق الوضع الأمني وتحول إلى حرب!
قد يكون الرئيس الحريري ورث الزعامة السياسة لرفيق الحريري، ولكنه ورث حصة من ثروة والده، وقد يكون إخوته أرادوا من أخيهم أن يتحمل أوزار الزعامة وحده، بمعنى أنهم اعتبروا الزعامة السياسية مثل الحصص من الأموال والعقارات التي كانت حصة أخيه، لذلك هو وحده يتحمل مسؤوليتها.
وقد يكون الرئيس سعد الحريري قد تلقى في السياسة اللبنانية الكثير من الصدمات والطعنات، فهو دخيل على الحياة السياسية اللبنانية من ألاعبيها وزواريبها، وهو لا يشبه بقية اللاعبين ولا شخصياتهم ولا أسلوبهم، ويمكن أن يكون هذا السبب الأبرز لتلقيه هذا العدد من الطعنات التي جاءته من الحلفاء قبل الخصوم، ومن تياره قبل الأحزاب، ومن العائلة قبل الغريب (باستثناء أخيه أيمن الذي أظهر له الدعم في أكثر من محطة).
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.